علي الزعابي (أبوظبي)
«العنصرية».. هي الجزء الأقبح في عالم كرة القدم، والتي تتجرد من الإنسانية والأدب والأخلاق، هي «سم» يسري في عروق شعوب كثيرة منذ بداية عهد العبودية، ومن المؤكد أنها انتهت بالاسم فقط، لكنها ظلت حاضرة في الملاعب إلى يومنا هذا، والواقع يفضح ذلك.
العنصرية تضرب عالم كرة القدم، في أسوأ ظاهرة يمكن أن تصيب «الساحرة المستديرة»، اللعبة التي نادت دائماً بعدم اقترانها بالأديان والسياسات والحروب، بل إنها تمنع أي تدخل سياسي يمكن أن يضر مصالحها أو يتحكم بها، هذا ما كان يفعل «الفيفا» في حال اكتشافه أي أمر مشابه، لكنه عجز تماماً عن حل مشكلة العنصرية، رغم تعدد أشكال الردع والعقوبات.
تفشت الظاهرة، وأصبحت منتشرة بشكل كبير في ملاعب أوروبا، ولا تخلو الدوريات الأوروبية في كل أسبوع من حادثة عنصرية، وهنا يمكن القول إن الجماهير لا يمكن أن السيطرة على معتقداتهم وتحيزهم العرقي، إلا أن كرة القدم وحدت الشعوب منذ بدايتها ونادت بضرورة التخلي عن كل شيء في هذه الحياة والاكتفاء بالاستمتاع باللعبة. حوادث العنصرية أصبحت حديث العالم في الأسابيع القليلة الماضية، في إيطاليا وتركيا وإنجلترا وإسبانيا، والضحايا هم أبناء البشرة السمراء، الذين كانوا ضحية قلة الوعي والثقافة التائهة في عالم ينادي بضرورة التساوي في كل شي وعدم النظر للآخر باحتقار، البعض يفتعل العبارات العنصرية بهدف تشتيت المنافس وإبعاده عن تركيزه، والبعض الآخر يفتعلها لأسباب شخصية تبين حقيقته العنصرية، والأمر لا يعود على البشرة السمراء فحسب، بل طالت الأديان أيضاً، حيث بعض الجماهير في الدوري الإنجليزي أرادوا تشتيت النجم المصري محمد صلاح بوصفه بالإرهابي والمفجر وغير ذلك، فالأساليب متعددة والطرق كثيرة، لكن الرادع يجب أن يكون حازماً، حتى تكون العقوبة عبرة للجميع.
وقد اتخذت بعض الدول إجراءات صارمة، وعقوبات تطال من يتورط بهذه القضايا العنصرية في ملاعب كرة القدم، ورغم صعوبة الأمر فإن بعض الاتحادات اتخذت إجراءات احترازية وعقوبات تصل للحبس، فاتخذ الاتحاد الإيطالي من فكرة «الفار»، وسيلة لتفقد مدرجات الملاعب بتركيب كاميرات في كل الزوايا، من أجل تفقد الجماهير الذين يلقون بالعبارات العنصرية داخل أرضية الميدان، ومراقبتهم والتعرف عليهم بعد ذلك، كما شنت الصحافة الإنجليزية حملات توعوية للحد من هذه الظاهرة المنتشرة كثيراً في الملاعب الإنجليزية، ونادت الاتحادات الأوروبية المختلفة بضرورة إيقاف هذه النشاطات.
إيقاف مشجع
بادر نادي فيرونا الإيطالي بما عجز عنه الاتحاد الإيطالي وسلطاته، عندما عاقب النادي المشجع المتهم بهتافات عنصرية في حق المهاجم الإيطالي ماريو بالوتيلي، لاعب بريشيا الإيطالي في مواجهتهم في بطولة الدوري، وكان بالوتيلي قد عبر عن غضبه من الهتافات ليخرج عن طوره ويسدد الكره خارج الملعب، قبل أن يهم بمغادرة أرضية الميدان، قبل أن يقوم لاعبو الفريقين بتهدئته بجانب حكم المباراة، وكان رد النادي الإيطالي صارماً بعد يومين من الحادثة، عندما أعلن إيقاف أحد أبرز مشجعي فريقه والمدعو لوكا كاستيليني لمدة 10 سنوات عن دخول المدرجات وتشجيع فريق فيرون.
وسينظر في القضية من قبل قاضي الرياضة في رابطة الدوري الإيطالي، وكان بالوتيلي قد تعرض كثيراً للهتافات العنصرية طوال تاريخه، سواء في إيطاليا أو إنجلترا وحتى فرنسا، عندما شارك في صفوف نيس الفرنسي، وتعرض لهتافات عنصرية من جماهير باستيا الفرنسي، لتتخذ إدارة النادي الأخير إجراءات صارمة بحق المشجع المتسبب بالهتافات، وتم إيقافه عن الحضور رغم حصوله على تذكرة موسمية، ولعل الواقعة التي أثيرت مؤخراً في الجولة الماضية في الدوري الأوكراني، عندما تعرض اللاعب تايسون لهتافات عنصرية في حقه من قبل جماهير دينامو كييف، ليخرج عن طوره ويرد بالمثل بحركة لا أخلاقية وقام بتسديد الكرة في المدرجات، ليتم طرده بسبب الحركة اللا أخلاقية بعد ذلك.
عنصرية بلغاريا
في المباراة التي جمعت منتخب بلغاريا بالمنتخب الإنجليزي في التصفيات المؤهلة لأمم أوروبا 2020، ضمن منافسات المجموعة الأولى، تفجرت ظاهرة العنصرية في بلد جديد هذه المرة، حيث يعتبر الدوري البلغاري من الدوريات معدومة الشعبية، لكن هذه المواجهة التي جمعت المنتخبين بفاسيل ليفسكي ستاديوم ببلغاري، أثبتت أن فيروس العنصرية منتشر بشكل كبير، عندما هتفت الجماهير وبشكل متواصل بعبارات تمس اللاعبين أصحاب البشرة السمراء، وعلى رأسهم المهاجم الإنجليزي ماركوس راشفورد ورحيم ستيرلينج، والذي انفجر بالبكاء أثناء اللقاء بعد دخوله في نوبة غضب شديدة، لكن ستيرلينج واصل خوض المباراة وسجل هدفين في المواجهة التي انتهت بسداسية نظيفة لمصلحة الأسود الثلاثة، وألقت السلطات البلغارية القبض على 6 عناصر من مشجعي بلغاريا متهمين بالتحيز العنصري بعد هذه الواقعة، وتوقفت المباراة لدقائق من أجل تهدئة الأجواء، وتوجه لاعبو بلغاريا للجماهير من أجل إسكات الجماهير.
ذريعة التقاليد
في حادثة أخرى ظهر شكل جديد للعنصرية، هذه المرة لم تكن الجماهير للنادي المنافس، بل هي جماهير اللاعب نفسه، وقبل أن يخوض أي مباراة بقميص النادي، تعرض البرازيلي مالكوم الذي انتقل في الصيف الماضي لصفوف نادي زينت سان بطرسبرج الروسي، قادماً من برشلونة الإسباني بصفقة ضخمة بلغت قيمتها 40 مليون يورو، للعنصرية، وكانت ردود أفعال الجماهير الروسية صادمة، عندما وضعت اللافتات المعادية لهذه الصفقة في أولى مباريات الفريق الروسي برفض مشاركة مالكوم بقميص النادي، كما أصدرت رابطة مشجعي النادي بياناً مثيراً للجدل، عندما أوضحت أن سبب رفض الجماهير لمالكوم ليس عنصرياً، بل إنه يتعلق بالتقاليد التي تعود عليها أبناء النادي، بعدم مشاركة أو شراء لاعب أسود البشرة! طوال السنين، ورفض مسؤولو النادي الانصياع لمطالب الجماهير، خصوصاً أن الصفقة كلفت الكثير، لكنهم انصاعوا بعد ذلك بسب تهديدات الجماهير ولم يشارك مالكوم سوى في مباراتين حتى الآن، منذ بداية الموسم.