تامر عبد الحميد (أبوظبي)
في الوقت الذي ينتعش فيه سوق السينما الإماراتية وتتجه محاولات فردية كثيرة نحو إنتاج أفلام روائية طويلة، يشعر الكثير مِن المنتجين والمخرجين والفنانين بأنهم يعيشون لحظات حقيقية مع النجاح، خصوصاً بعد أن حصد بعضها مراكز متقدمة في شباك تذاكر العروض التجارية، لكن تظل طموحات هؤلاء الذين جازفوا باسم الفن ووضعوا السينما الإماراتية على خريطة التحديات، يحلمون بدعم يكلل تجاربهم بالاستمرارية، وخوض المنافسة، خصوصاً وسط مخاوف بتراجع السينما الإماراتية، بعد إلغاء المهرجانات المحلية، وقلة الدعم من قبل الجهات المعنية بالفن، فطموح كل مبدع في هذا المجال أن يجد منافذ تسهم في ازدهار الأفلام، وهو ما يجعل للسينما المحلية حضوراً حقيقياً في المهرجانات الدولية والساحة السينمائية العربية؛ لذا فإن صناع السينما والعديد من المبدعين لهم تصورات عن مستقبل السينما المحلية ومتطلبات، ربما تسهم بشكل أو بآخر في رسم طموحات الغد.
جهود فردية
رغم أن بعض التجارب السينمائية في السنوات الأخيرة، تكللت بالنجاح في عروضها التجارية وفي مهرجانات عالمية ودولية، إلا أن أغلبها كان بجهود فردية من صانعي السينما، بحسب ما أكده المنتج والفنان منصور الفيلي، ويقول: صناعة الفيلم الطويل مكلفة، وفي السنوات الأخيرة انتقلت الإمارات بصورة كبيرة نحو إنتاج الأعمال الطويلة، بعد أن كان اهتمام صناع السينما ينصب على الأفلام القصيرة والوثائقية، لكن لا يستطع صانع سينما أن ينفذ هذا الأمر بجهور فردية، فالدعم مطلوب من الجهات المعنية بالفن، في حال أرادت الاستمرارية لهذا التطور والنجاح، وحرصاً على حضور الفيلم الإماراتي.
معنوي وفني
ويتساءل الفيلي: هل اختفاء المهرجانات المحلية سيخدم صناعة السينما؟.. إذا كانت هذه المهرجانات تقدم لنا على الأقل الدعم المعنوي والفني، فقد تلاشى هذا الدعم أيضاً بعد اختفاء المنصات التي كانت تظهر الأفلام، وتكتشف المواهب وتدعم صناع السينما الإماراتية، ويوضح أن المهرجانات المحلية تدعم معنوياً وفنياً وليس مادياً، خصوصاً أن برامج الدعم التي نفذت من خلالها، مثل صندوق سند أو إنجاز كان معظم دعمه يذهب لأفلام غير إماراتية.
ويتابع: ما يحدث حالياً من وجود للفيلم الإماراتي، سببه شغف السينمائيين بالفن السابع، فهناك مخرجون قدموا أعمالاً متميزة وحققت صدى كبيراً، مثل الكاتب والمخرج جمال سالم في فيلمه «عوار قلب»، أو أحمد الزين في فيلمه «فريج الطيبين».
جيل جديد
ويؤكد المخرج والمنتج عامر سالمين المري ضرورة وجود الدعم للسينما الإماراتية من قبل الجهات المعنية بالفن والثقافة، في ظل التطور الكبير الذي وصلت إليه الأفلام المحلية، ووصول بعضها إلى المهرجانات العالمية، ويقول: المهرجانات أسهمت في تأسيس جيل جديد من صانعي السينما بأسس سليمة، حيث كانت هذه المهرجانات بمثابة المدرسة أو الأكاديمية لصناع السينما الشباب، ومحطة مهمة لإظهار أعمالهم بمستويات فنية وتقنية عالية لتنافس، وتؤكد حضور الفيلم الإماراتي الذي خرج من نطاق المحلية إلى العالمية، مثل فيلم «عاشق عموري» الذي شارك في 13 مهرجاناً عالمياً ودولياً حتى الآن.
ويضيف: لا أحد ينكر أن مسابقة «أفلام من الإمارات»، ساهمت وبشكل كبير في إظهار المواهب الإبداعية السينمائية، وعملت على دعم صناع السينما في إظهار أعمالهم وطاقاتهم حتى لو كانت تجارب أولية، لكنها عملت على وجود الفيلم الإماراتي، وأعطت دافعاً لصناعه على عمل حراك سينمائي في المنطقة، ثم أتت المهرجانات المحلية لتكمل ذلك، الأمر الذي يؤكد أهمية هذه المهرجانات.
ليست صناعة
وتشير المخرجة الإماراتية نايلة الخاجة إلى ضرورة تأسيس صندوق لدعم الأفلام الإماراتية، لتشجيع الحركة السينمائية التي ينتج عنها صناع سينما، وتضيف: من المؤلم اختفاء المهرجانات المحلية التي كبرنا وعشنا معها، وكانت بمثابة بيتنا السينمائي الذي كان الدافع الأساس لتنفيذ الأفلام، لكن في الوقت نفسه المخرج الذي لديه شغف سينمائي، يجب ألا ييأس، ويعتمد على وجود أكثر من 3000 مهرجان عالمي ودولي وإقليمي، يدفعه هذا الأمر لتقديم أعمال فنية بإعادة صياغة من المحلية إلى العالمية، وتكون هذه الأعمال بمثابة سفير للسينما الإماراتية، وخطوة مهمة لنشر ثقافتنا خارج الإمارات.
وتضيف: برأيي حتى يومنا هذا ليس لدينا صناعة، بل حركة سينمائية، لا أحد ينكر أنها جيدة، خصوصاً بعد أن استطاعت أفلام تحقيق دخل مادي من العروض التجارية، لكننا ما زلنا نعاني فقدان المنتج السينمائي الذي لديه بُعد نظر وفلسفة سينمائية، ليتم تنفيذ أفلام قوية. وتقترح نايلة تأسيس صندوق لدعم الأفلام الإماراتية، وتخصيص مبالغ لصناعة السينما، لإنتاج أفلام ذات محتوى ثقافي وفني يعكس روح الإمارات، ويشجع على حركة سينمائية تتحول مع الوقت إلى صناعة.
حركة سينمائية
من جهته، يقول عبد الله حسن أحمد صاحب فيلم «ولادة»: خلال 20 عاماً تقريباً على عمر المهرجانات المحلية «دبي السينمائي، أبوظبي السينمائي، الخليج السينمائي»، بالإضافة إلى مسابقة «أفلام من الإمارات»، قد ساهمت في تأسيس الحركة السينمائية المحلية، ووجود السينمائيين، وكانت بمثابة الركيزة الإبداعية لصناع الأفلام وبيت السينمائيين الذين يتواصلون فيه مع الآخر لتبادل الخبرة والثقافة والمعرفة.
ويستطرد، ما يتم تنفيذه من أفلام إماراتية لا يتعدى نسبة 30% وجميعها بمجهودات فرية من قبل صناع الأفلام الشباب وشركات الإنتاج الخاصة، ورغم أنه لا أحد ينكر أن تجاربهم أثرت الساحة السينمائية وحققت نجاحاً ملحوظاً في العروض التجارية، بحكم قصصها ومستواها الفني الجيد الذي تنوع بين الكوميدي و«الأكشن» والاجتماعي، إلا أن هذه الجهود لا تستطع الاستمرارية من دون الدعم المطلوب، مبيناً أهمية عودة مسابقة، مثل «أفلام من الإمارات» من جديد.
سلاح قوي
ويؤكد المخرج عبد الله الجنيبي، صاحب فيلم «كاميره»، أن المهرجانات توقفت وغاب دعم السينما، الأمر الذي أنتج تقديم أعمال ومحتويات بعيدة عن ثقافتنا وعاداتنا، وإنتاج أعمال سينمائية للسعي وراء المادة فقط، منوهاً بأنه لا أحد يستطع أن يلوم أصحاب هذا الفكر في تقديم أعمال تجذب الانتباه وتحقق النجاح في العرض التجاري، بغض النظر عن الرسالة الهادفة التي تسعى إليها السينما وترسخها في الأذهان.
ويؤكد الجنيبي أن السينما سلاح قوي، إما أن ترفع مجتمعاً أو تهدم آخر، مبيناً أن الحركة السينمائية خلال السنوات الماضية قدمت تجارب جيدة، لكن لا تزال السينما بحاجة إلى الخروج من عباءة الفيلم الإماراتي، والتوجه إلى العالمية من حيث الفكر والثقافة والرسالة، وهذا الأمر لن يتحقق إلى في وجود دعم كبير، وتخصيص ميزانية مع وجود توجه نحو إنتاج أعمال تمس قضايا المجتمع وتخدم الوطن.
مستقبل السينما
ويقول الكاتب الإماراتي محمد حسن أحمد: خلال السنتين الماضيتين، بدأنا نشاهد أفلاماً في صالات العرض شهرياً، وهذا أيضاً أمر رائع، لكننا قد نفقد الفيلم الحقيقي الذي كنا نعمل عليه طوال سنوات طويلة، وسنفقد تواصلنا مع الآخرين بعدم حضور مهرجان يقدم لك أهم أفلام العالم في مكان واحد، ولا ننسى أننا أصبحنا من دون صناديق الإنتاج التي كانت تساهم في إنتاج أعمالنا السينمائية، وهذا مربك أيضاً.
ويضيف: كيف لنا أن نتحدث عن مستقبل السينما الإماراتية، والسينما تحتاج إلى روح وصناعة وشغف وحضور، صالات العرض لا تكفي لنقول نحن بخير، لكننا مستمرون، احتراماً لمهنتنا ولمسيرة الفيلم الإماراتي.