جمعة النعيمي وناصر الجابري (أبوظبي)
ناقش المتحدثون في الجلسة الأولى من جلسات ملتقى أبوظبي الاستراتيجي السادس توزيع القدرات العسكرية في العالم وعسكرة حرب التكنولوجيا. ويرى البروفيسور أنتوني كوردزمان، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أن العالم ينفق اليوم على القدرات العسكرية أكثر من إنفاقه في المرحلة التي سبقت سقوط جدار برلين.
وأضاف كوردزمان أن أحد الأمور التي ينبغي النظر فيها فهو مسألة الانتشار الصاروخي وغير الصاروخي، فالمخاطر اليوم لم تعد بالضرورة متمحورة على الانتشار النووي، كما كان في مرحلة الحرب الباردة.
وأكد السفير بوريس روج، نائب رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن أن التوازن العسكري اليوم بات أكثر أهميةً من أي وقت مضى، وأضاف أن الدول الأوروبية منفردة وكاتحاد تواجه مشكلة في الحفاظ على موقعها ودورها العالمي، وعلى الدول الأوروبية أن تتكاتف مع الولايات المتحدة بصورة أكبر، وأن على الولايات المتحدة أن تحافظ على وجودها العسكري وقواعدها في أوروبا بعكس ما يقوله الرئيس ترامب.
بينما يرى مارك فينود، مدير برنامج انتشار التسلح في مركز جنيف للسياسات الأمنية، أن الإنفاق العسكري الدولي بلغ مستويات قياسية، وصلت إلى أكثر من 2% من الإنتاج الإجمالي العالمي، موضحاً أن التحدي يتمثل في كيفية استيعاب هذا السباق الجديد في التسلُّح وأنماطه، مقارنةً بأيام الحرب الباردة.
وناقش خبراء تحليل سياسات وباحثون دوليون خريطة العالم الجيو- مالية خلال الجلسة الثانية، موضحين أن نهاية هيمنة الدولار قد تكون مستقبلا من خلال إحدى العملات الرقمية المشفرة. وشارك فيها رئيس الوزراء الباكستاني السابق شوكت عزيز، والدكتور كارلو بيلاندا، أستاذ الاقتصاد في جامعة جي ماركوني في روما، إضافة إلى الخبير الاقتصادي في مركز بحوث IstanbulAnalytic الدكتور يشيل أضا.
ويرى الدكتور كارلو بيلاندا، أستاذ الاقتصاد في جامعة جي ماركوني في روما مدى أهمية خريطة العالم الجيو- مالية التي تتعلق بمستقبل الدولار الذي يواجه تحديات منافسة العملات الأخرى، وتزايد استخدام العقوبات من جانب أميركا كوسيلة لفرض السياسات، إضافة إلى عوامل أخرى مثل ضعف النمو الأميركي، وصعود الشعبوية في عهد الرئيس ترامب. كما تطرق رئيس الوزراء الباكستاني السابق شوكت عزيز إلى أن نهاية هيمنة الدولار قد تكون مستقبلا من خلال إحدى العملات الرقمية المشفرة، على أن تصبح هذه العملات تحت إدارة دولة ذات سيادة أو مؤسسة عالمية ذات طبيعة سيادية. وناقش الدكتور يشيل أضا إمكانية تحول صراع الحضارات إلى عائق أساسي في الوصول إلى نظام مالي عالمي موحد، بصفته يفرض حدودا أكبر على السوق العالمي، ويحد من تدفق رأس المال، والمعلومات، والسلع.
وناقش خبراء ومحللون دوليون في الجلسة الثالثة من ملتقى أبوظبي الاستراتيجي السادس خريطة العالم الجيو-تقنية بما في ذلك الذكاء الاصطناعي وتوزع القدرات السيبرانية.
ولفت الدكتور مارك عبداللهيان، الرئيس التنفيذي لشركة «إيسرتاس» للتحليلات الاستراتيجية، إلى أن هناك انتشاراً واسعاً للتكنولوجيا في العالم، والملاحظ أن القدرات السيبرانية أصبحت تستخدم للتأثير في اتجاهات الرأي العام والمجتمعات، وهذا من التحديات التي تواجه صانعي القرار. فالتقدم السيبراني يتطلب الحوكمة لمنع استغلالها على نحو سلبي ومهدد لأمن البشر والمجتمعات.
وتوقع الدكتور جان-مارك ريكلي مدير برنامج المخاطر العالمية والمرونة في مركز جنيف للسياسات الأمنية أن يصل عدد الأجهزة المتصلة بالإنترنت في عام 2030 نحو 500 مليار جهاز، ما يعني أن العالم المادي سيتحول إلى عالم رقمي. والتحدي هو كيفية التعامل مع هذا التضخم في القدرات السيبرانية.
ويرى الدكتور جيانتيان يانج، رئيس الجمعية الطبية العالمية الصينية للعلماء فرأى أنه ورغم أن الذكاء الاصطناعي يوفر فرصاً وطاقات هائلة، لكنه في الوقت نفسه ينطوي على تهديدات، لذا على الدول استخدامه لحماية المجتمعات واستكشاف الأنظمة المهددة لها، وحماية البنية الوطنية الحرجة من الاعتداءات السيبرانية.
وناقش الخبراء خلال الجلسة الرابعة المشهد العالمي للطاقة والمنافسة الجيوسياسية التي لوحظت في هذه الصناعة، فضلاً عن التأثير ورد فعل الصناعة على اللوحة الرابعة من مناظرة أبوظبي الاستراتيجية (ADSD)، المعنونة بـ «خريطة الطاقة العالمية والخريطة الدولية» واللعبة الإقليمية ويرى جيفري بول، الباحث العلمي بجامعة ستانفورد، أن نظام الطاقة اليوم يتحول بطرق تهز عالم كل قطاع وكل بلد على وجه الأرض. كما أن الأمور مختلفة بشكل غير عادي عما كانت عليه قبل عامين، وقال: نحن في عصر الوفرة في الطاقة، وهو يجلب عصراً من عدم اليقين الاستثنائي. أي شخص يعتقد أنه يعرف ما إذا كان سيكون فائزًا أو خاسراً في هذا العصر يخدع نفسه.
وفيما يتعلق بظهور أنواع الوقود الأحفوري غير التقليدية والطاقة المتجددة، تحدث عن إمدادات هائلة من الطاقة، بينما كان العالم قبل 10 سنوات يتحدث عن صدمات الإمداد. وقال: لا أحد يتحدث عن ذلك الآن. في الجغرافيا السياسية يواجه منتجو الأمس تحدياً، ويوجد أمام مستهلكي الأمس فجأة خيارات لم تكن لديهم من الناحية الاقتصادية.
من جانبه، أوضح الدكتور بسام فتوح، مدير معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، أن الشرق الأوسط كان ولا يزال في قلب نظام النفط الدولي. المنطقة مسؤولة عن 48% من الاحتياطيات، وهي تمثل ثلث الإنتاج العالمي من النفط ولكنها أيضًا في التجارة لأن معظم هذا النفط في المنطقة يتم تصديره إلى بقية العالم، لا سيما إلى الاقتصادات الآسيوية التي تواصل نموها مثل الهند والصين وإندونيسيا وتايلاند.
وأضاف: كل هذه العوامل تشير إلى أنها منطقة بارزة للغاية، لكن من المهم للغاية إدراك أن هذا الدور التقليدي يواجه أيضًا تحديات في كل من العرض والطلب.
وفقًا لسارة أكبر، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة Oilserv Kuwait، فإن قطاع الطاقة في منطقة رمادية: «الحديث الوحيد عن المدينة هو هذا الانتقال وكيفية إدارته»، وتابعت: لقد كانت الصناعة في حالة إنكار لفترة معينة من الوقت، لكنها الآن غرقت في أذهان معظم مجالس شركات الطاقة وتحاول إيجاد آليات بديلة. ووصفت شركات النفط الوطنية في المنطقة بأنها المصدر الرئيسي للدخل بالنسبة لبعض الدول مثل العراق والكويت، مما يطرح سؤالاً أكبر على هذه الشركات فيما يتعلق بما يمكنهم القيام به. وأشارت أكبر إلى أننا نمر حاليًا بنقطة مهمة حقيقية في وقت الاكتتاب العام الأولي في أرامكو، وهو معلم حقيقي لأنه تحول كامل في المشهد وكيف تفكر البلدان في شركات وموارد النفط الوطنية لديها.
أكد معالي عمر بن سلطان العلماء، وزير دولة للذكاء الاصطناعي، خلال الجلسة الخامسة حول السياسات الإماراتية في العصر الجديد، قدرات الذكاء الاصطناعي وصناعة الفضاء، وأن القيادة الرشيدة لدولة الإمارات تؤمن بأهمية الذكاء الاصطناعي والاستثمار في هذا القطاع والمجال، مشيراً إلى أننا لن ننتظر الدول الأخرى بل سنكون صناعة لهذه التقنية. مضيفا أنه لابد من التخطيط المسبق للأمور، مشيرا إلى أن الخدمات اللوجستية والاستثمارات بدأت في الكادر البشري حتى وصلت دولة الإمارات إلى مقدمة الدول، كما أن بناء الكادر والمؤسسات سيعود بعائد أكبر على الدول.
وأضاف أن أكبر تحد نواجهه هو عدم فهم المسؤولين لأهمية الذكاء الاصطناعي واستخدامه دون معرفة الفائدة الإيجابية، موضحاً أن أول مشكلة تواجه دول العالم هي عدم فهم ثقافة الدول لثورة الذكاء الاصطناعي وخلق جسور للتعاون والصداقة والاستغلال الأمثل لها والترويج السليم للمحتوى وجعل الدول تستفيد منه والحد من الاستخدامات السلبية، ووضع تشريعات وسياسات لاستخدامات الذكاء الاصطناعي، وذلك في استخداماتها في تشخيص العلاج للأمراض.
وأضاف أن ملف الذكاء الاصطناعي هو إثبات لرؤية القيادة الرشيدة في استخدام الذكاء الاصطناعي كمحور أساسي في عمل الاستراتيجية والبنى التحتية والرؤيا الاستباقية، موضحا أن المخرجات التي نشاهدها اليوم هي رؤيا من عشرات السنين، حيث إن الدولة هي الأولى في استقطاب الذكاء الاصطناعي وما تبعها من عمل وزارة للذكاء الاصطناعي، ومؤخرا تدشين أول جامعة للذكاء الاصطناعي على مستوى العالم لتكون دولة الإمارات الأولى عالميا في ذلك، لافتاً إلى أن استراتيجية الذكاء الاصطناعي تتطلب خلق المواهب وتدريبها وتأهيلها ومن ثم تطبيق الذكاء الاصطناعي في القطاعات المختلفة، ووضع تشريعات استباقية. وأضاف: تم مؤخراً إطلاق مختبر التشريعات للذكاء الاصطناعي والعمل على سن التشريعات للمشرعين وسد الفجوة وتطوير هذه التشريعات، موضحاً أن الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى تشريعات مرنة للتعامل معها.
وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعي غير النسيج المجتمعي إلى الأفضل، وفي المستقبل سيدخل في حيز إنتاج الغذاء والطاقة وستكون له هناك استخدامات كثيرة، إضافة إلى دوره في استشراف المستقبل في تشخيص العلاج واكتشاف الدواء والتعليم ونقل وفهم المحتوى.
أكد خالد محفوظ بحاح، نائب الرئيس ورئيس مجلس الوزراء اليمني السابق، أن الدعم الإنساني لدولة الإمارات والمملكة العربية السعودية يمثل منطلقاً نحو الانتقال إلى العملية التنموية في اليمن، حيث صاحب العمل العسكري خلال السنوات الماضية تواجد مثمر للعمل الإنساني، والذي تم الإعلان عنه بوصول قيمة المساعدات الإماراتية إلى نحو 5 مليارات دولار، وهو الرقم الذي يبرهن على مساندة الأشقاء لليمن نحو فتح أبواب السلام.
وأشار إلى أن العمليات التنموية قد تبدأ خلال الفترة المقبلة في عدد من المناطق الآمنة مثل حضرموت وسقطرى وغيرها من المناطق التي ستشكل بداية فعلية في تطبيق مفاهيم استدامة التنمية للخروج من آثار حالات العنف التي شهدتها اليمن خلال السنوات الماضية، لافتاً إلى أهمية مضاعفة العمل التنموي الداعي للإعمار وإعادة مظاهر الحياة لمواجهة التحديات الكبيرة التي أفرزتها الحرب.
ورداً على سؤال حول إمكانية إيجاد توافقات أخرى بعد نجاح اتفاق الرياض، أوضح بحاح، أن اتفاق الرياض يسهم في تعزيز وتقوية الشرعية ويعد مرحلة أولية تتطلب التنفيذ الفعلي والميداني لها لتحقيق مستهدفاتها المطلوبة، للانتقال إلى مرحلة السلام الدائم والأشمل عبر التوصل إلى حل سياسي مع ميليشيا الحوثي المتمردة، بما يؤدي إلى إنهاء مظاهر الصراع.
ومن ناحيته أشار عمرو موسى، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، إلى أن الدور العربي يعد هاماً واستراتيجياً في العمل على حل القضايا والأزمات الداخلية ومواجهة التدخلات والمهددات الخارجية، حيث ينبغي تفعيل أطر التعاون العربي المشترك والعمل على إيجاد البيئة المناسبة التي تتيح للدول العربية أن تقوم بدورها المتوقع منها حتى لا تجد القوى الخارجية منفذاً أو فراغاً للتدخل في الشؤون الداخلية وسيادة الدول.
ومن جهته ثمن الدكتور طاهر المصري، رئيس الوزراء الأردني الأسبق، دور دولة الإمارات ونشاطها السياسي والدبلوماسي في الكثير من ملفات المنطقة، وحرصها على استضافة المفكرين والخبراء الاستراتيجيين القادرين على وضع التصورات حول الوضع الحالي وتحليل مختلف التغيرات، لبناء المستقبل المشرق الذي يتناسب مع تطلعات الدول العربية وشعوبها التي تأمل في إيجاد الرؤى القادرة على الارتقاء بمستويات العيش الكريم.
أكاديمية «الإمارات للسياسات»
أعلنت الدكتورة ابتسام الكتبي، رئيس مركز الإمارات للسياسات، عن إطلاق أكاديمية مركز الإمارات للسياسات التي تعد الأكاديمية التدريبية الأولى في المنطقة وتقدم دورات تدريبية في تحليل السياسات وبناء السيناريوهات ووضع الاستراتيجيات عبر أحدث النظم العلمية وبمشاركة من الخبراء والمتخصصين، حيث سيتم تقديم البرامج التدريبية بالتعاون مع عدد من الجهات المستفيدة.