السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجانب المظلم من السينما!

الجانب المظلم من السينما!
13 يوليو 2011 19:08
لشكسبير مسرحية شهيرة عنوانها M ch Ado Abo t Nothing ويمكن ترجمتها إلى: “جعجعة بلا طحن” أو “ضجة فارغة” ـ وهو عنوان يناسب تماما إحساس من يغادر الصالة بعد مشاهدته للجزء الثالث من سلسلة فيلم “المتحولون” Transformers للمخرج مايكل باي والذي اختار عنوانا فرعيا للفيلم هو “الجانب المظلم من القمر”، وكأنه أراد من فيلمه هذا أن يرينا الجانب المظلم من مستقبل السينما القادمة، هذا الجانب الترفيهي الصرف الذي بات يشوّه ويمسخ ينكّل بما تبقى من السينما الحقيقية التي ألفناها، ونقصد بها هنا السينما القياسية والأنيقة والمتماسكة التي عرفناها وشغفنا ببنائها الدرامي وتوظيفها للأداء التمثيلي والمنظور والتقنيات والإيقاع، من أجل خدمة الحبكة أو المسار السردي والقصصي، وكسر الحاجز الافتراضي بين المشاهد والشاشة، تمهيدا للوصول إلى تلك المنطقة الخصبة والمليئة والمحتشدة بالدلالات والإشارات والمعاني والأفكار التي تترك المشاهد في حالة من الوجد والانجذاب والانخطاف، وتؤسس لذاكرة جمالية متشابكة مع الحياة، ومع الخبرة الذاتية المستعادة والمتقاطعة مع العالم ومع الوجود. إبراهيم الملا قد تكون مثل هذه الانتباهات الخاصة لأهمية وقيمة السينما آخر ما يمكن أن يفكر به مايكل باي الذي يطلق عليه في هوليوود لقب: “ملك المؤثرات الخاصة”، اعتمادا على استخدامه المفرط للقطات المبهرة بصريا والقائمة على تضخيم وملء وتكديس مشاهد الحركة المروعة والعنيفة، من أجل الانتصار لأسلوب أحادي يقوم على تكنولوجيا المزج والإبدال والتمويه، ونقل التفاصيل الدقيقة للصدام والتدمير والتهشيم، وهي عناصر لا يخلو منها أي فيلم يعتمد بشكل أساسي على البنية الخارجية للصورة وتأثيرها، أكثر من اعتماده على البنية الداخلية والإيحائية للسرد. فمع توافر ميزانية إنتاج مهولة وصلت إلى 200 مليون دولار، واعتمادا على الأرباح التي حققها الجزء الأول ثم الجزء الثاني من الفيلم، أراد (باي) أن يضع هذه المرة كل حيله وخدعه البصرية والسمعية والتقنية في سلة واحدة تتضمن ساعتين ونصف من مشاهد التحطيم والقتال والفتك والفوضى، وتشارك بها كائنات آلية ضخمة أشبه بديناصورات معدنية تختار الإقامة على كوكب الأرض والتعايش والتواصل مع سكانها، وذلك بعد تحول هذه الكائنات الشرسة إلى كائنات مشردة وتائهة في الفضاء ووسط المجرات المترامية، على إثر تحطم كوكبها البعيد نتيجة لصراعات ونزاعات داخلية مدمرة. شخصيات تائهة وصول هذه الكائنات إلى الأرض خلق إشكالية أخرى تمثلت في انقسامها إلى فريقين، فريق محب ومتعاون مع البشر وهم: “الأتوبوتس” الذين ينظرون إلى إقامتهم على الأرض على أنها إقامة مؤقتة ومحطة للاستراحة قبل إعادة بناء كوكبهم الأصلي، وهناك فريق آخر يطلق عليهم: “ديسيبتيكونز” ـ لاحظ الإيقاع اللفظي الذي يشير إلى الخيانة والخداع ـ وهو فريق ممتلئ بنوايا سوداء تتمثل في احتلال كوكب الأرض واستثمار مواردها وتصفية وإبادة سكانها من أجل خلق ظروف مشابهة لكوكبهم القديم، ومن ثم الإقامة الدائمة على الأرض. وهذا هو جوهر الصراع الذي قام عليه الجزءان الأولان من الفيلم، والفكرة عموما ليست مبتكرة ولا هي بجديدة وتم التطرق لها في أفلام كارثية عديدة مثل “حرب العوالم” و”غزاة من كوكب المريخ” و”2012” و”يوم الاستقلال” و”أرماجيدون” الفيلم الذي أخرجه مايكل باي أيضا، والتي كانت أفلامه المبكرة مثل “فتية سيئون” و”الصخرة” و”بيرل هاربور” تتيح مجالا أكبر للأداء التمثيلي كي يأخذ حقه من الحضور والتأثير على مجريات الفيلم، ولكن (باي) وبدءا من الجزء الأول لفيلمه “المتحولون” جعل من العناصر البشرية مجرد زوائد وديكورات مقحمه وسط تقنيات الديجيتال المهيمنة والمسيطرة على الجزء الأكبر من قوام وهيئة وبنية الفيلم. فرغم وجود ممثلين بحجم وقيمة وقامة جون مالكوفيتش وفرانسيس ماكدورماند وجون تورتورو، وهي أسماء وقامات تمثيلية سبق لها الترشح والحصول على جوائز الأوسكار، إلا أن وجودها في الجزء الثالث من هذه السلسلة المزعجة جاء مثل بقعة سوداء في مسيرتهم المهنية،وأثار العديد من السخط والاستياء لدى النقاد والمعجبين، خصوصا وأن المخرج حولهم إلى شخصيات تائهة ومفككة وذائبة وسط الهياج والضجيج التقني المبالغ به والذي أضيفت إليه هذه المرة تقنية التصوير بالأبعاد الثلاثية من أجل خلق إثارة بصرية مزدوجة، وضمان أرباح مضاعفة في الصالات الأمريكية والعالمية اعتمادا على الترويج الكبير والدعاية الهائلة التي سبقت عرض الفيلم. في الجزء الثالث نرى سام ويتويكلي ـ يقوم بدوره شيا لابوف ـ وهو يواصل ذات المهمة الخطرة ـ ولكن بوهج خافت وحضور أقل هذه المرة ـ مقارنة بذات المهمة التي تولاها في الجزيئين الأولين والمتمثلة في مساعدة كائنات (الأوبتيموس) وقائدهم أوبتيموس برايم في دحر و هزيمة (الديسيبتيكونز) بقيادة زعيمهم الشرس ميجاترون ومساعده شوكوايف حتى يتم إنقاذ كوكب الأرض وتخليص البشر من مصير داكن ينتظرهم. لعبة فيديو يبدأ النصف الأول من زمن الفيلم في طرح ومعالجة نظرية غريبة تدخل في سياق نظرية المؤامرة والتي تفسر فكرة هبوط مركبة الفضاء (أبوللو) على سطح القمر في الستينات، على أساس مغاير ومعاكس تماما للهدف العلمي والحضاري الذي أعلن عنه، والذي روجت له الإدارة الأمريكية حينها، لأن السر الحقيقي لارتياد القمر ـ كما هو مطروح في الفيلم ـ يتمثل في محاولة كشف سبب الارتطام الغامض والمريب الذي تعرض له الجانب المعتم من القمر قبل ست سنوات من هبوط أبوللو الفعلي على القمر، وبالتالي فإن رواد الفضاء الأمريكان كانوا مكلفين فقط بفك شفرة هذا اللغز، ومعرفة الجسم الفضائي الذي تحطم فوق القمر، وعلى عكس التكهنات التي طرحها العسكريون الأمريكان حول ضلوع السوفييت في الحادثة، فإن نتائج البحث كشفت عن وجود مركبة قادمة من كوكب غريب ومجهول وتحتوي على معدات متطورة جدا لم يستطع البشر التعامل معها ومعرفة أسرارها في ذلك الوقت ، وعندما تتكشف الأمور في الزمن الراهن يعرض الفيلم مجموعة من المعالجات الهزلية التي تثير السخرية بدل إقناع المشاهد من خلال حبكة يمكن التواصل معها منطقيا حتى لو كانت هذه المعالجات مصاغة في فيلم قائم على الخيال العلمي البحت. وللخروج من مأزق هذه الفكرة العبثية يلجأ كاتب السيناريو إيرين كروجر لبدائل ومعالجات متشعبة تزيد وتوسع من مشاهد العراك والصراعات على الأرض وفي الفضاء، حيث يقدم تفسيرات مقحمة حول وجود زعيم الأبتيموس الأصلي (سينتينيل برايم) داخل المركبة المحطمة فوق القمر، وأن إيقاظه مجددا سوف يسمح للعلماء والعسكريين فتح مغاليق اللغز القديم حول الأعمدة المشعة الكثيرة والهائلة التي عثر عليها في المركبة، والتي تم جلب نماذج منها إلى الأرض، ويكشف لنا الجزء الثاني من زمن الفيلم، وجود نية مبيته وخطيرة لدي زعيم الأبتيموس من أجل استغلال موارد وطاقات كوكب للأرض وإعادة بناء الكوكب القديم للكائنات الآلية الضخمة، ولتحقيق هذه الفكرة المدمرة يتعاون الآليون الأشرار مع عملاء لهم على الأرض وخصوصا مع أشخاص ينتمون للمعسكر الشيوعي البائد، سواء من خلال وعود يقدمها الآليون بتحقيق الثراء الشخصي للعملاء أو من خلال تهديدات بالقتل والتصفية. ولكن هذه المعالجات في الحبكة الأساسية للفيلم بدت وكأنها تتخبط وتتشظي في مساحة درامية منهكة وشاحبة لا تخاطب عقلية وأحاسيس المتفرج بقدر ما ترمي عليه كومة هائلة من المشاهد الصارخة والمدوية ومن دون تبرير منطقي لكثافتها وازدحامها المفرط، بحيث يتحول الفيلم في النهاية إلى مجرد استعراض عضلات تقنية من المخرج، أو ربما طمعا في المحافظة على موقعه كمرشح رئيسي لإدارة الجزء الرابع من هذه السلسلة المعذبة والمشوهة للسينما التي أحببناها، والتي “تحولت” إلى مجرد “لعبة فيديو” وباتت آيلة للانقراض!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©