9 أكتوبر 2010 20:23
تلتقي ماييف مورجان فوا ذات الربيع الثامن من عمرها كل مساء يوم جمعة مع ثلاث صديقات، فيلعبن ويمرحن ثم يتناولن العشاء سويةً ويشاهدن أحد الأفلام العائلية. لم تكن ماييف من اختارت تنظيم أمسيات من هذا النوع، لكن أبويها اللذين لم يُنجبا طواعيةً ولداً غيرها هما من اقترحا عليها الأمر، وطبعاً راقها الأمر كثيراً وجعل قلبها يهفو إلى قدوم لمة ليلة الجمعة بقية أيام الأسبوع. وماييف هي واحدة من بين الآلاف، فكثيرون هم الآباء الذين يقررون إنجاب طفل واحد بدافع تنظيم النسل، أو حرصاً من الأم على صحتها وجمالها، أو اعتقاداً أنهما لا يستطيعان إنجاب أكثر من ولد وتربيته أحسن تربية في ظل ظروف الأزمة وقلة ذات اليد وغلاء المعيشة. ناهيك عن الأُسر التي تفعل ذلك اضطراراً بسبب قانون إجباري مثلما هو عليه حال الصين، أو بسبب عقم ما بعد الولادة الأولى، أو غير ذلك من الأسباب التي لا يكون للأبوين دائماً يد فيها.
لا غرو أن إيجاد بيئة اجتماعية تعويضية للطفل وحيد الأبوين هو من بين الاستراتيجيات التي تتبعها أُسر الطفل الوحيد وتُحاول توظيفها محاولةً منها لإسعاده أكثر وتوفير الأجواء الاجتماعية التي تنشئ منه شخصاً اجتماعياً مسؤولاً وسهل الاندماج. وتتعدد مناهج التربية لدى أُسر الطفل الواحد، فمنهم من يكتفي بملء بيته بالألعاب والفُرُش والتسالي ثم يتركه يلهو وحيداً ظناً أن ذلك كفيل بإسعاده، ومنهم من يقضي معه فترات أطول يداعبه ويلاعبه، ومنهم من يتركه مع أحد أبويهم (جد الطفل أو جدته) للعب معه، إلى غيره من المناهج والمقاربات.
ولم يكن سؤال منهج تربية الطفل الوحيد مطروحاً في السابق، بل إن علماء النفس والتربويين لم يشرعوا في هكذا دراسات إلا في العقود الأخيرة، وذلك بعدما زاد عدد الأسر ذات الطفل الوحيد بشكل ملحوظ وغير مسبوق ودفع علماء الاجتماع والتربويين إلى المناداة بنهج مقاربات جديدة وطرائق حديثة لتنشئة الطفل الوحيد تنشئةً طبيعية صحية.
زوجان وتجربتان
من الصعب معرفة عدد الأسر ذات الطفل الوحيد على مستوى جميع دول العالم نظراً لأن هذا الطفل الوحيد قد يصبح بكل بساطة الابن البكر في حال أنجب أبواه مولوداً آخر. لكننا إذا نظرنا إلى الأمهات اللاتي تجاوزت أعمارهن خمسين سنةً ولم ينجبن طفلاً ثانياً بعد، فإنه يمكن تصنيفهن في خانة أُسر الطفل الوحيد. ففي الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال، وصلت نسبة الأمهات الخمسينيات اللاتي أنجبن طفلاً واحداً فقط سنة 2006 إلى 18,3%، بعد أن كانت لا تتجاوز في 1990 نسبة 11,4%، وذلك وفق إحصاءات المركز الوطني للصحة. وقد تزايدت أعداد أسر الطفل الوحيد وصارت ظاهرة ولم تعُد تقتصر على حالات معدودة بسبب عدة عوامل من بينها تأخر سن الزواج وتأجيل الإنجاب، بالإضافة طبعاً إلى الظروف المادية وهواجس القلق لتأمين مستقبل مالي آمن للابن، والحرص الزائد على توفير جميع مستلزمات الطفل الضرورية والكمالية بدءاً بالحفاضات والحضانات والمدارس والألعاب ووسائل الترفيه والترويح وغيرها.
وهو ما حذا بالعديد من الأُسر، خاصةً في البلدان الغربية والمتقدمة، إلى العدول عن فكرة إنجاب طفل ثان حتى لا يكلفهما أكثر من طاقتهما ويجعلها تضحي بنوعية التنشئة والتربية التي خططت لتوفيرها للابن الأول، وأصبح الإنجاب يخضع لعملية حسابية دقيقة لدى عدد كبير من الأسر. ويقول ريتشارد سكالسكي «اتفقت مع زوجتي على أن لا نُنجب أكثر من طفل واحد. وقد كنت أنا بدوري الابن الوحيد لوالدي، ولا أُنكر أنني أشعر بأنني افتقدت الكثير مما كان متوافراً لأصدقاء غيري ممن لديهم إخوة ورفقة دائمة في البيت تضمن لهم جواً اجتماعياً وصحياً أكثر تطوراً.
أما زوجتي فتقول إنها تربت وحيدةً في أسرتها، لكنها لم تشعر قط أنها افتقدت شيئاً ما نتيجة عدم وجود إخوة في البيت».
سٍٍٍجالات حامية
لكل نوع من الطفولة تحدياتها الخاصة. ويقول علماء نفس أجروا دراسات على عدد من أُسر الطفل الوحيد إن ذلك لا يؤثر على تنشئة الطفل وتربيته ونموه النفسي. فطريقة التربية ومنهجها هو الذي يحدد سعادة الطفل وحسن نموه أو تعاسته وسوء نشأته. وقد يتساءل الآباء الذين لم ينجبوا سوى طفل واحد اختياراً أو اضطراراً عن أفضل الطرق لتربية الابن الوحيد وعن صعوبات ذلك، والمحاذير التي ينبغي عليهم تجنبها. ويقول كارل بيكهارد، عالم نفساني من تكساس وصاحب كتاب «مستقبل ابنك الوحيد»، «فكر في ما قد يفتقده ابنك الوحيد، فهو قد يحتاج إلى الاندماج في بيئة اجتماعية مشابهة للبيئات التي يوجد فيها إخوة، حيث يتعلم الطفل بشكل طبيعي وعفوي أن العلاقات الاجتماعية تقوم على التشارك في الموارد والتدرب على قيمة الأخذ والعطاء». وتعزيز مثل هذه القيم في نفوس الأطفال يمكن تحقيقه من خلال جمع الطفل مع أصدقاء وزملاء مساء كل يوم جمعة مثلاً، كما يفعل أبوا ماييف.
وتقول والدة ماييف مارجاريت مورغان، وهي فنانة تقطن في لوس أنجلوس وتبلغ من العمر 52 عاماً، «نأمل أن تنجح هذه الأمسيات واللمات في تغيير نظرة ماييف بأنها مركز الكون، وخلافاً للطفل الذي لديه إخوة، يكون الطفل الوحيد أميل إلى الإحساس بأن الكل يحبه ومفتون به وأنه مركز الاهتمام الأوحد». وقد أسهمت هذه الأمسيات الأسبوعية في تعليم ماييف الكثير، فقد اكتسبت الكثير من المهارات الاجتماعية من بينها القدرة على حل ما تتعرض له من مشكلات، وصارت متسامحةً أكثر في مشاركة ألعابها مع الآخرين. وتضيف مورغان « لدى الأطفال نقاشات وسجالات حامية وخلافات من طينة خاصة، غير أنهم يعون تماماً أنهم ينبغي عليهم حلها والافتراق بوئام لأنهم يعرفون أنهم سيلتقون مجدداً في الأسبوع التالي».
صراخ مصطنع
يبدو الأطفال سعداء ومبتهجين بمجرد كونهم يمرحون مع بعض، وهم في الغالب غير واعين بكل ما وراء ذلك من أبعاد وأهداف تربوية واجتماعية. وتقول كارينا كروف، إحدى صديقات ماييف ذات 7 سنوات والتي تشاركها بانتظام أمسيات المرح الأسبوعية، «أمسياتنا كلها لهو ومرح، ونحن نستمتع بذلك كثيراً».
ويرى بعض الآباء أنه من المهم جداً جس نبض ابنهم أو ابنتهم حول موقفه من الصديق المرافق بشكل دائم. وتقول سارة ماكدونالدز، والدة توبي ذي الأربع سنوات، إنها بدأت تشعر أن حياتها الأُسرية ألغت كل شيء إلا «توبي» وجعلت رغباته وتحقيق أمنياته حديث الساعة ومحور الاهتمام الأوحد، وكل «تفريط» في ذلك قيد أنملة كان يترجمه توبي إلى نوبات بكاء هستيرية وثورات غضب عارمة تقلب عالي البيت سافلاً، وأصبحا يعيشان عيشة الأبوين فقط لا الزوجين! هذا الوضع غير السوي دفع السيدة ماكدونالدز، ربة بيت تبلغ 45 سنةً، إلى وضع خطة لابنها توبي تخرجه من دلاله وعزلته، فأصبح «يخصص ساعتين يومياً بعد ظهر كل يوم للعب مع أحد أبناء جيراننا، فيطرق باب أحد أصدقائه ويدعوه للعب بعد أن كان يقضي الوقت يلعب منزوياً في غرفته وحيداً أو في صم آذان أبويه بالصراخ المصطنع. وتقول السيدة ماكدونالدز إن خطتها نجحت وإن توبي تغير كثيراً خلال السنتين اللتين خالطا فيهما أبناء الجيران، وهي تراه الآن بعد أن بلغ ست سنوات طفلاً اجتماعياً ومحبوباً أكثر.
قرار متطرف
يقول الخبراء إن تخصيص مساحة خاصة للطفل في البيت هو أمر بالغ الأهمية، فهو يُعطي للطفل حريةً وخصوصيةً أكثر، ويُجنبه تلك المراقبة الصارمة للأبوين والتعليق على كل حركاته وسكناته. ويقول لورانس بالتر، متخصص في علم نفس الأطفال وأستاذ بجامعة نيويورك «لكي ينمو الطفل نمواً سليماً، ينبغي إعطاؤه الفرصة لاحتواء أفكاره بنفسه، وعدم ممارسة الرقابة المبكرة على جميع ممارساته وأفكاره». وعلى الرغم من تغير مفهوم الأسرة وطريقة النظر إليه في وقتنا الراهن، ما زال المجتمع ينظر إلى قرار إنجاب الطفل الوحيد بأنه قرار فيه نوع من التطرف، مع أنه قد يكون أحياناً اضطراراً وليس اختياراً. ولذلك فإن الجيران والأقارب عادةً ما يطاردون أبوي الطفل الوحيد ويحاولون إقناعهما باستمرار بإنجاب طفل ثان، معللين ذلك بأن الطفل الوحيد يكون مَلُولاً وأنانياً ومفتقداً لمهارة الانسجام مع غيره. هذا في الوقت الذي تشكك فيه الدراسات العلمية في دقة هذه الادعاءات.
نرجسيون صغار
في مسح تحليلي شامل ضم 115 دراسة حول الأطفال أجريت ما بين سنة 1920 و1980، وجدت توني فالبو، أستاذة علم النفس التربوي بجامعة تكساس، وزملاؤها الذين شاركوها البحث أن الأطفال الذين ينحدرون من أُسر الطفل الوحيد ليسوا أقل ذكاءً ولا قدرةً على الاندماج من أقرانهم من الأطفال الذين تربوا مع إخوانهم في بيوت متعددة الأطفال.
وتقول الدكتورة فالبو التي تفرغت لإجراء بحوث ودراسات حول الطفل منذ سنة 1970 وكان من بينها دراسة أنجزتها حول أطفال مدارس الصين خلُصت بعدها إلى استنتاج يفند إدعاءات من يقولون إن سياسة الطفل الوحيد تُنتج جيلاً من النرجسيين و»القياصرة الصغار». بل إن دراسات أخرى ذهبت أبعد من ذلك وقال أصحابها إن لسياسة الطفل الوحيد فوائد تتجلى في أن الطفل الوحيد يكون أقرب إلى أبويه وأداؤه الدراسي أفضل ورصيده اللغوي أكثر غنىً.
وتوضح الدكتورة فالبو قائلةً «إن الطفل الوحيد يتعود على الحصول على كل ما يطلبه ويرغب فيه دون مشاركته مع أحد لأن ليس لديه إخوة». وهذه هي أسهل طريقة لإفساده. أما عندما يكون لديه إخوة، فإن حصته من اللعب والهدايا تصبح أقل بشكل طبيعي، ويقدر قيمة التشارك ومراعاة المصلحة العامة أكثر».
الشورى الأُسرية
درج روب روبنسون وزوجته سينثيا لسنوات متتالية على التشاور في كل القضايا الأسرية مع ابنتهما الوحيدة ميجان البالغة 17 سنةً، فهما لا يقرران أين يقضيان العطلة الصيفية إلا بعد أخذ مشورتها. ويقول والدا ميجان إن اتباعهما أسلوب أخذ رأي ميجان والتشاور معها في كل صغيرة وكبيرة أسرية جعلها تنضج بسرعة، وتعززت لديها قيمة التشارك في اتخاذ القرار، ومشاطرة غيرها تبعات ذلك مما قد يقع من أفراح أو أتراح.
ويقول والد ميجان البالغ 46 سنةً والذي يعمل تنفيذي نشر إلكتروني بإحدى شركات ولاية تينيسي «إن إعطاء الابن هذا الدور القوي منذ الصغر كان له من إيجابيات بقدر ما جلب من صعوبات، فتعود ميجان على التعبير عن رأيها بصراحة وموقفها من كل وضعية أو قضية خلق لها عداوات وجلب لها بعض المتاعب والمشكلات مع بعض مدرسيها ومدربيها. وانتبهنا في وقت متأخر إلى ضرورة تنبيهها إلى أن ليس كل الناس منفتحين على تقبل الرأي الآخر والملاحظات حول ما يفعلون مثل أبويها».
تطمينات وهمسات
يقول العلماء النفسانيون إن غالبية مشكلات وأزمات مرحلة المراهقة تأتي أكثر من الأسر الصغيرة أو أُسر الطفل الوحيد.
ويقول الدكتور بيكهارد إن الطفل الوحيد يكون أكثر ثقةً بالنفس، وخصماً أشرس في السجال، وأكثر تقديراً واعتزازاً بنفسه من الآخرين.
ويهمس الدكتور بيكهارد في آذان أبوي الطفل الوحيد «اطمئنا ولا تقلقا على طفلكما الوحيد، فهو سينمو ويترعرع على أحسن ما يُرام. فليس له ما يعيب نشأته أو يؤثر على نموه البدني والنفسي شيء ما دام أبواه يوفران له بشكل معتدل حاجاته ويعاملانه بما يتناسب مع عمره في كل مرحلة، وما عليكما إلا الوثوق بحدسكما». وينصح بيكهارد آباء الطفل الوحيد بعدم التردد في استشارة الأطباء النفسيين والتربويين إذا واجها عقبةً تربويةً ما أو استعصى عليهم حلها.
فنظريات التربية الحديثة تطورت كثيراً وجعلت لكل أسرة منهجاً ملائماً يتناسب مع عدد الأفراد وحاجات كل منهم، وما على الأبوين إلا سلوك طريقة الاعتدال في التربية، فيعطون لكل مرحلة حقها، دون التفريط في حقوقهما الخاصة، ومع تمكين الطفل من عيش طفولته مع أقرانه ومحيطه الاجتماعي بشكل طبيعي، وبما لا يشعره بوحدة أو عزلة أو حرمان اجتماعي، أو لوم أبويه على عدم إنجاب أخ أو أخت تقر لها عينه وتشد من أزره ويُشركها في أمره.
عن «وول ستريت جورنال»
المصدر: أبوظبي