السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

كليمت.. استكشاف جوهر المؤنّث

كليمت.. استكشاف جوهر المؤنّث
27 سبتمبر 2018 00:28

ثمّة «قبلة» مزخرفة طبعها الفنّان النمساوي غوستاف كليمت على الوجه الفاصل بين «الحياة والموت»، وجه القرن الذي شهد تحوّلات جذرية نقلت أوروبا بمجملها إلى الحداثة الفنّية، من خلال ما يُعرف بـ Jugendstil أو الفنّ الجديد الذي اصطلح على تسميته أوروبياً بـArt Nouveau وشمل مجموعة واسعة من الفنون والمعمار، وقام على مبدأ «لكل عصر فنّه، ولكل فنّ حريته».
لقد ارتبط الفنّ الجديد بحركة انفصال فيينا التي تبلورت سنة 1897، وكان كليمت من أبرز دعاتها والمنظّرين لها، مؤسّساً بذلك لوعي جديد بالفنّ، من خلال تمرّده على كلّ ما هو كلاسيكي وأكاديمي، في لحظةٍ مفصلية من تاريخ البلاد، أسهم الفلاسفة والمفكّرون النمساويون والألمان في بلورتها، وبقي تأثيرها ساطعاً حتى اليوم.
مُجمّع المتاحف في فيينا، والذي يُعدّ من بين المساحات الأوسع المخصّصة للثقافة والمعارض في العالم، يحتفي بالذكرى المئوية الأولى لوفاة كليمت (1862-1918) تحت عنوان «فنّان القرن». ويخصّص متحف «ليوبولد» الأكثر شهرة في مُجمّع المتاحف، معرضاً شاملاً على مساحة طابقين، يستمرّ حتى شهر نوفمبر 2018، ويضمّ مجمل أعمال كليمت المهمّة (حوالى 35 لوحة و90 رسماً و30 صورة وحوالى 150 مستنداً أرشيفياً)، توزّعت على شكل جداريّات ضخمة في باحات المعرض الفسيحة.
يقدّم المعرض عملَين استعارييّن عظيمَين لكليمت، خصّص لهما واجهتين زجاجيّتين متقابلتين، في حواريّة تجري للمرّة الأولى في تاريخ اللوحَتين اللتين أكسبتا الفنّان شهرة عالمية، وهما: «الموت والحياة» التي تطرح سؤال الموت والفناء فلسفياً وفنّياً، مجسداً فيها دورة الحياة ومراحلها الفردية التي تشكّلت بواسطة تجاربه الشخصية؛ ولوحة «العروس» (1917) فتُبرز هوس كليمت في استكشاف جوهر «المؤنّث»، وتتيح رؤية الأوهام الرمزية التي ترافق المشاعر الإنسانية في حالات الفرح والاندماج. وتقترن اللوحتان بتقنيات فنّية مشتركة، رصّعها كليمت بألوان الشهوة الصفراء، ومُنمنماته المذهّبة التي تتميّز بها أعماله، وزخرفيته شديدة التنميق. لقد شكّلت لوحة «الحياة والموت» حدثاً فنّياً في سنة 1910، وأعاد الفنان صياغة النسخة الأولى من اللوحة بعد 5 سنوات، وهي من مجموعة متحف «ليوبولد» التي جمعها رودولف ليوبولد قبل 40 عاماً.
يُخصّص المعرض مساحة مُختارة للاسكتشات والمخطوطات الأنثوية التي تجسد سيّدات فيينا البرجوازيات، إذ يوجد ما يقارب 4000 من الرسوم البيانية. وقد عدّته النمسا رسام النساء بامتياز، وهو خصّص حصّة كبيرة من أعماله لتصوير الإناث في مواضع مختلفة؛ إذ شملت مجموعته المرأة المثيرة للغاية، المرأة الفاتنة والمشينة، المجازفة الأسطورية المرتبطة بقصّة الخلق، وأخيراً السيّدة المثالية للمجتمع. ومعلومٌ أن أغلبية تلك المجموعة لم تكن معروضة خلال حياته، وهي شكّلت مجالاً للدراسات الفنّية لتلك الحقبة. كما شكّلت أوّل مسودّاته لرسوم كلّية الفلسفة التابعة لجامعة فيينا، فضيحة عارمة، نظراً للرموز الجنسية التي احتوتها واعتبرت جداريات إباحية. كما ضمّ المعرض رسم كليمت الأخير الذي كوّن رؤى قيّمة في عملية تكوين العمل وإبداعه.
لقد برز كليمت كداعية ضدّ أسلوب فنّ التأريخية وضدّ الطبقية الفنّية، في دعوة صريحة منه للوقوف في وجه المحافظة والتزمّت الذي اتسمت بهما تلك المرحلة، إلى جانب كبار الفنّانين مثل: كولمان موسر، وكارل مول، وألفريد الرول الذين أعلنوا انفصالهم عن Künstlerhaus بيت الفنان التقليدي، وأوجدوا «اتّحاد فيينا الانفصالي للفنانين الأوستريين»، تحت رئاسة كليمت، بهدف تثقيف المجتمع من خلال مفاهيم فنّية موجّهة نحو مستقبل الفنّ الحديث وحركات الفنّ العالمية.
يقدّم المعرض أعمالاً دائمة من مجموعات متحف «ليوبولد» الخاصة، وأعمالاً أخرى قدّمتها مؤسّسة كليمت، وأخرى جديدة قدّمها أحد أقرباء كليمت كإعارةٍ دائمة إلى متحف «ليوبولد»، فضلاً عن أعمال مقدّمة من قبل المجموعات النمساوية والدولية.
عاش كليمت أواخر أيامه على وقع نهاية الحرب العالمية الأولى التي حملت معها سقوط النظام الملكي في فيينا، ومثلّت نقطة تحول على المستوى السياسي في البلاد. وفي سنة 1918 تعرّض كليمت لسكتة دماغية أصيب على أثرها بشللٍ نصفيّ، وتوفي بعد أقلّ من شهر في مستشفى فيينا العام.
الفنان المعاصر لكليمت إيغون شييل والذي حظي باهتمام خاص من الفنان النمساوي كليمت، هو أيضاً موضع احتفاء من قِبل فيينا هذه الأيام، إذ يُخصّص له متحف «ليوبولد» معرضاً ضخماً مُصاحباً لمعرض كليمت. ومعلومٌ أن شييل حاول تولّي مسؤولية استديو كليمت بعد موته، والذي ضمّ لوحات غير مُكتملة بعد، لكنه توفّي في خريف السنة نفسها جرّاء إصابته بالحمّى الإسبانية.
رسم شييل رأس الفنان محلوقاً في المشرحة التي بقي فيها 3 أيام، قبل أن يوارى الثرى في مقبرة هايتزينغ. وقد نعت الكاتبة بيرتا زوكر كاندل التي أسهمت في انبثاق حركة انفصال فيينا الفنّية من خلال الأحاديث التي دارت في صالون منزلها، كليمت في صحيفة فيينا الرسمية، قائلة: «يخترق موت كليمت أرواحنا كشيءٍ غير مفهوم، كانتهاك، لقد كان هديّة رائعة مُنحت للبشرية، وواحداً من أعظم الفنّانين النمساويين، إنه بطلٌ بارز، ومقاتلٌ صامت، ومُنتصر لا يُقهر».
متحف موموك للفنّ المعاصر
من أشهر متاحف هذا المجمع الثقافي متحف «موموك» الذي يتميّز بهندسته المعمارية الحديثة في قلب وسط فيينا التاريخي، وهو يخصّص طوابقه السبعة لمجموعة هائلة من معروضات الفنّ الحديث. في الطابق الذي يفصل بين مقهى «هانسي» وهو عبارة عن عمل فنّي مكاني مستقلّ ضمن الهندسة المعمارية للمبنى، والطوابق المخصّصة لأعمال التجهيز الفنّي المعاصرة، تتوزّع شاشات عرض ضخمة ضمن معرض «العيش المزدوج» Double Lives تبثّ فيديوهات وموسيقى لحركات فنّية انطلقت اعتباراً من العشرينيات وحتى السبعينيات، انطلاقاً من رؤية خاصّة قامت على أن الفن يجب ألا يكون مُتاحاً للجماهير فحسب، وإنما أن ينتج الجميع الفنّ في كل وقت. وتبثّ الشاشات موسيقى وأغاني الفنّانين الذين كتبوا أو أنتجوا موسيقى، أو كانوا يؤدّون الموسيقى في الأماكن العامّة، أو هُم أعضاء في فرق الفنّانين، وكذلك مقاطع الفيديو والصور الفوتوغرافية لأداء الحفلات الموسيقية والاستوديوهات التي تمنح الزوّار فكرة عن الموسيقى الحيّة النابضة من قلب المساحات العامّة، والأنواع المختلفة لحالات الأداء.

«تواريخ 55»
معرض يضمّ أعمالاً بارزة من مجموعة «موموك» التي تأسّست سنة 1959، إذ جمع المتحف حوالى 10000 عمل لنحو 1600 فنّان. تُركّز الأعمال على الفنّ المعاصر المرتبط بالقضايا الاجتماعية والتي تمثّل شكلاً من أشكال الإنتاج الثقافي. يتجلّى هذا النهج الواقعي والتطبيقي في الإيماءات الحسّية وغير التقليدية للعرض، بما في ذلك مبدأ «الرؤية المُقارنة». ويكشف عن حوار مثير ومُفعم بالدهشة بين المواقف الفنّية المتنوّعة في المجموعة، ما يُنشئ نقاط اتّصال غير متوقّعة.
المعرض هو مزيج من الاختيارات الفردية، من الأكثر إلى الأقل شهرة، وتبدو فيه أعمال الفنّانين الذين دخلوا تاريخ الفنّ والآخرين الذين ما زالوا يكتشفونه. وهو يؤكّد أن تاريخ الفنّ ليس رواية موضوعية بل إنه مُوجّه وأبطاله ذوو تأثيرٍ كبير على العالم.

عمارة فيينا
فيينا من أجمل المدن الأوروبية وأغناها بقصورها وكنائسها الأثرية وأبنيتها الأثرية من الطراز الباروكي والقوطي. قصر «الشونبرون» الذي يعني بالألمانية «النافورة الجميلة»، واحد من أجمل القصور في أوروبا، وقد تمّ بناؤه سنة 1683 ليكون شبيهاً بقصر فرساي، وهو اليوم وجهة أولى للسياح من حول العالم.

عبقريّ الموسيقى الكلاسيكية
عاصمة الموسيقى فيينا، التي تضمّ أفضل معاهد تعليم للموسيقى والرقص والغناء الأوبرالي، وتُعدّ مكاناً أمثل للاحتفالات الكرنفالية التراثية، تشتهر أيضاً بالحفلات الأسطورية الخاصّة بموزارت، وهي واحدة من أبرز الفعاليات الموسيقية في فيينا، وتمُثّل جزءاً مهمّاً من الحياة الثقافية والفنّية للعاصمة النمساوية.
تقام الحفلات في القاعة الذهبية وفي دار الأوبرا، بمشاركة أفضل الموسيقيين وأشهر أوركسترات فيينا وفرق الموسيقى المختلفة.
تأسّست أوركسترا موزارت سنة 1986 بهدف الحفاظ على التراث الموسيقي التقليدي لفيينا.
إذ يكرّس الموسيقيون الـ30 أنفسهم حصرياً لأعمال موزارت، وتعزّز جاذبية تلك الحفلات الأزياء التاريخية التي يحافظ على ارتدائها الموسيقيون في أجواء تاريخية نموذجية، تعطي انطباعاً بالعودة إلى أجواء القرن الثامن عشر.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©