تامر عبد الحميد (أبوظبي)
الاهتمام الكبير الذي أولته القيادة في المملكة العربية السعودية للفنون والثقافة، أسهم في فتح كل المنافذ والأبواب من أجل ترسيخ المفاهيم الثقافية في المجتمع، وهو ما يظهر مدى توظيف المناخ الفني في خدمة الإنسانية والتوافق مع المجتمع وحركة البناء والتنمية التي تشهدها السعودية في هذه الأيام، وكانت السينما لها نصيب الأسد من القرارات غير المسبوقة في المملكة، وأهمها افتتاح صالة عرض سينمائية.
ولأكثر من 35 عاماً ظلت مسألة تدشين دورٍ للسينما في السعودية، ضرباً من الخيال، إلا أن الحلم أصبح واقعاً ملموساً بافتتاح أول دور عرض سينمائية بالسعودية، في 18 أبريل 2018، الأمر الذي يعتبر إنجازاً جديداً في المملكة.
ويعود تاريخ السينما السعودية إلى ثلاثينيات القرن الماضي، إذ بدأت بأدوات بسيطة تمكنت عبرها من إنتاج أفلام وثائقية تثقيفية، وكان أول من أدخل دور العرض السينمائية إلى المملكة الموظفون الغربيون في «شركة كاليفورنيا العربية للزيت القياسي»، التي تحول اسمها فيما بعد إلى «أرامكو»، وحمل أول فيلم سعودي أنتج عام 1950 عنوان «الذباب»، وكان من بطولة حسن الغانم الذي يعتبر أول ممثل سينمائي سعودي، وفي عام 1966 أنتج فيلم «تأنيب الضمير»، إخراج السعودي سعد الفريح، وفي عام 1975 قدم المخرج السعودي عبدالله المحيسن فيلما عن «تطوير مدينة الرياض»، وتلاه عدة أفلام أخرى ساهمت في تطور الحركة السينمائية في المملكة، من بينها: «موعد مع المجهول» عام 1980، و«الإسلام جسر المستقبل» عام 1982.
بداية حقيقية
كانت البداية الحقيقية للسينما السعودية وخصوصاً الشبابية عام 2006 عندما أُنتج فيلم «كيف الحال» بطولة هشام عبد الرحمن، وعلي السبع، وفاطمة الحوسني، وهند محمد، أول ممثلة سينمائية سعودية، وميس حمدان، وبعد النجاح الكبير والانتشار الواسع الذي حققه الفيلم، تحمس المنتجون السعوديون لإنتاج أفلام أخرى أبرزها فيلم «مناحي» بطولة فايز المالكي وعرض عام 2009، وفيلم «وجدة» للمخرجة السعودية هيفاء المنصور عام 2012، كما تم إنتاج أول فيلم رسوم متحركة سعودي بتقنية 3D بعنوان «بلال» عام 2015، وتم عرضه في مهرجان دبي السينمائي الدولي، بعدها تم عرضه في صالات العرض التجارية، لتتوالى الأعمال السينمائية، بإنتاج فيلم «بركة يقابل بركة» عام 2016.
جوائز ومهرجانات
حصلت الأفلام السعودية، والمخرجون والممثلون السعوديون على عشرات الجوائز في المهرجانات السينمائية العربية والدولية، وكان أول فيلم سعودي حصل على جائزة دولية فيلم «اغتيال مدينة» للمخرج السعودي عبدالله المحيسن، وحاز جائزة «نفرتيتي» لأفضل فيلم قصير عام 1977، في مهرجان القاهرة السينمائي، وكان آخر فيلم سعودي توج بجائزة دولية هو «حرمة» وحصل على الجائزة الذهبية لمهرجان بيروت السينمائي عام 2013، وحينما أعلنت أكاديمية العلوم والفنون الأميركية وبشكل رسمي عن القائمة الإجمالية للأفلام المرشحة لجائزة أوسكار عن أفضل فيلم أجنبي لعام 2013، والتي ضمت 71 فيلماً من مختلف دول العالم، جاء من بينها الفيلم السعودي «وجدة» للمخرجة السعودية هيفاء المنصور، وذلك للمرة الأولى في تاريخ المملكة.
تطور ملحوظ
المشهد السينمائي في السعودية، بدأ في تطور ملحوظ بعد إطلاق عدد من المهرجانات والمسابقات الخاصة بعالم الفن السابع أبرزها مهرجان أفلام السعودية، ومسابقة للأفلام القصيرة، ومهرجان أفلام الأطفال، وملتقى ليالي الأفلام السعودية في الرياض، وتدشين «بيت السينما»، وتعمل إدارة مهرجان أفلام السعودية على استحداث جائزة للفيلم السينمائي الطويل في يناير 2018، كما ستشهد الساحة السينمائية قريباً أفلاماً سعودية طويلة لمخرجين مهمين مثل هند الفهاد وبدر الحمود وعبدالعزيز الشلاحي، وعن ذلك يقول أحمد الملا مدير المهرجان: تأسيس مؤسسة سينمائية سعودية تعنى بتشجيع ودعم ورعاية الإنتاج السينمائي السعودي، مشيداً بقرار إصدار تراخيص للراغبين في فتح دور للعرض السينمائي في المملكة، مؤكداً إنه قرار صائب وأتى بعد جهد من المهتمين بهذا الجانب الثقافي الأساسي في حياة الشعوب، مباركاً لصناع الأفلام السعوديين وهواة الفن السابع.
علاقة وطيدة
وحول الشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين الإمارات والسعودية في مختلف المجالات وأبرزها مجال الإنتاج السينمائي والدرامي، قال: مايكل غارين الرئيس التنفيذي لشركة «إيمج نيشن» في أبوظبي: تجمع بين الإمارات والسعودية علاقة تاريخية وطيدة شكلت ركيزة أساسية في تطور ونمو دول مجلس التعاون الخليجي، وبات التنسيق الوثيق بين الدولتين اليوم أكثر حيوية من أي وقت مضى، ولطالما نظرت «إيمج نيشن» بتفاؤل كبير لمستقبل تطور الصناعة الإبداعية في المملكة، ويمثل انفتاح المملكة على صناعة السينما تطوراً بالغ الأهمية يمهد الطريق نحو فرص إبداعية وتجارية ضخمة للشركات العاملة في المنطقة.
وأضاف: بموجب برنامج «رؤية المملكة 2030»، تعتزم الحكومة السعودية استثمار 64 مليار دولار في قطاع الترفيه على مدى السنوات العشر القادمة، حيث من المتوقع أن تبلغ قيمة صناعة السينما وحدها في السعودية 24 مليار دولار بحلول العام 2030، ومن أبرز مقومات نمو هذه السوق في السعودية وجود قاعدة عملاء ضخمة تضم 32 مليون عميل محتمل من رواد السينما، حوالي نصفهم دون سن الـ 25 عاماً. ونعتقد بأن صناعة السينما تقف على أعتاب فرص هائلة في السوق السعودية التي تعاني من نقص توفر وسائل ترفيه حقيقية تلائم الثقافة المحلية ويمكن الوصول إليها بسهولة، واستجابة لهذا النقص، تخطط الحكومة لافتتاح أكثر من 200 صالة سينما جديدة في جميع أنحاء المملكة، مما من شأنه توفير 30 ألف وظيفة جديدة دائمة، وتشارك «إيمج نيشن» بالفعل في محادثات مع المسؤولين السعوديين للمساعدة في تحقيق أهداف هذه الخطط الطموحة.
رواية حوجن
وأكد غرين أن السعودية ستصبح سوقاً بالغة الأهمية بالنسبة لشركة «إيمج نيشن»، وتم بالفعل إعداد سلسلة من الشراكات الرائدة مع شركة «O3 للإنتاج»، التابعة لمجموعة MBC، أكبر شركة إعلامية خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخلال العام الجاري، بدأنا إنتاج فيلم روائي طويل ومسلسل تلفزيوني مستنير يستند إلى رواية الخيال العلمي السعودية الرومانسية الأكثر مبيعاً، «حوجن»، علماً بأنه سيتم تصوير حلقات المسلسل وإنتاجه في السعودية، ويسلط هذا العمل الضوء على ظاهرة الرواية الشعبية ويفتح الباب أمام مجال جديد ومثيرة للاهتمام في المنطقة، كما سيبرهن على إمكانات وقدرات الإنتاج السينمائي والتلفزيوني في المملكة.
اقتصاد خصب
وبدأت السينما السعودية تجذب الانتباه ويتم ترشيحها للعروض السينمائية والقنوات التلفزيونية، منها قناة OSN التي عرض على شاشتها العديد من الأفلام السعودية، وقال كريستيان عيد، نائب الرئيس الأول للتسويق في OSN : تعد السعودية من أكبر الدول التي يحظى اقتصادها بأساس خصب وتنوع مفيد يجعلها وجهة رئيسية لأكبر الشركات العالمية، ونحن متحمسون اتجاه هذه القرارات التي تحقق للمملكة إمكانيات أكبر للاستفادة من السوق العالمي.
ازدهار المنطقة
وحول التعاون المثمر بين الإمارات والسعودية في مجالي الإنتاج الدرامي والسينمائي، قال: العلاقة المميزة والوثيقة التي تربط الإمارات والسعودية تنعكس على كل المجالات في البلدين، وتساهم في ازدهار المنطقة بشكل عام، ولا سيما الإنتاج الإعلامي، كما تساهم هذه العلاقة بتشارك الخبرات ودفع عجلة التقدم في مجال الإنتاج التلفزيوني والسينمائي، مما يعود بالنفع على جودة الأعمال الخليجية التي نفتخر بعرضها.
عنصر فعال
وحول خطط OSN المستقبلية في السعودية، قال: قمنا على مدار السنوات الماضية بالاستثمار بالعديد من المسلسلات الخليجية السعودية التي تشهد حضوراً سعودياً قوياً، كما قدمنا العديد من البرامج والمسلسلات التعليمية والترفيهية المفيدة مثل برنامج «أطباء وأكثر»، و«اكتشف السعودية»، إلى جانب عروض أفلام إماراتية وسعودية مشتركة، مثل «من ألف إلى باء» و«كاميرا».