الحرب الإلكترونية... ووسائل التصدي للاختراقات الأمنية

تستعد وزارة الدفاع الأميركية حالياً لتطوير إمكاناتها وتحصين دفاعاتها في حال فُرضت عليها حرب جديدة تدور رحاها هذه المرة على مسرح الفضاء الإنترنيتي، وهي الحرب التي بات يطلق عليها الحرب الإلكترونية في ضوء التهديدات والأخطار المتنامية التي يحذر منها مسؤولو الدفاع في الولايات المتحدة، فقد أكد هؤلاء أن طبيعة الهجمات المعقدة ذات الطبيعة الإلكترونية قادرة على شل قطاعات مهمة من الاقتصاد دفعتهم إلى رفع درجة الحذر والبحث في إمكانية توسيع عقيدة حلف شمال الأطلسي لتشمل الحرب الإلكترونية باعتبارها واقعاً يؤرق المسؤولين في البلدان المستهدفة. لكن في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة ومعها باقي الدول تطوير خططها استعداداً لحرب إلكترونية قادمة تبرز العديد من الصعوبات والإشكالات التي يتعين معالجتها أولًا، وفي مقدمتها تحديد ما يمكن اعتباره هجوماً والحالات التي تستوجب الرد. هذا الموضوع يوضحه "ويليام لين"، نائب وزير الدفاع الأميركي بقوله "أعتقد عندما يصل الأمر إلى محاولة ضرب جزء أساسي من الاقتصاد الأميركي وتعطيل الأنظمة المتحكمة فيه، فإننا سنعتبر ذلك هجوماً يستحق الرد، لكن عندما يقتصر الأمر على اختراق للأنظمة الحكومية وسرقة معطيات، فذلك لا يرقى إلى مستوى الهجوم دون أن ننسى الدرجات الموجودة بين الحالتين، والتي يتعين التعامل معها في جميع الظروف". ويضيف "لين" معترفاً بصعوبة تحديد ما يشكل الهجوم قائلاً: "لا شك أنه من بين التحديات المهمة التي تواجه الاستراتيجيين هي تحديد عتبة معينة للهجوم الإلكتروني، وأعتقد أن المسؤولين الأمنيين سواء داخل الأجهزة الحكومية أو خارجها يحاولون بكل جهد الوصول إلى نتيجة محددة، لكن حتى اليوم مازال موضوع تلك العتبة مفتوحاً ومطروحاً للنقاش". بيد أن تعريف ما يندرج في خانة الهجوم من عدمه ليست هي الإشكالية الوحيدة التي تقض مضاجع المسؤولين الأمنيين المتخوفين من الحروب الإلكترونية القادمة، بل هناك أيضاً صعوبة تحديد مصدر الهجوم والتعرف إليه، ما يعقد أكثر مهام المسؤولين في البنتاجون حسب "لين" الذي قال أمام اجتماع لمجلس العلاقات الخارجية "إذا لم نعرف إلى من نُرجع الهجوم فإننا لا نستطيع توجيه الرد المناسب، والنتيجة أنه لا يمكن منع الهجوم عبر الردع أو بتخويف المهاجم بالرد القاسي"، مشيراً أن ما يجعل الحرب الإلكترونية مختلفة تماماً عن الحروب التقليدية، أو حتى الحرب النووية هي أنه في هذه الأخيرة يمكن التعرف إلى مصدر الهجوم الذي لا يمكن إخفاؤه في حالة الصواريخ، فيما يصعب تعقب الهجوم الإلكتروني. ومن المترقب مناقشة قضية كشف مصدر الهجوم الإلكتروني في اجتماع مسؤولي البنتاجون مع نظرائهم في بريطانيا وكندا وأستراليا، ودول أخرى تمهيداً لانعقاد القمة المقبلة لحلف شمال الأطلسي في لشبونة خلال شهر نوفمبر القادم والتي ستتصدر فيها قضية الحرب الإلكترونية أجندة النقاش، وسيتطرق المسؤولون في دول حلف شمال الأطلسي إلى طرق تقاسم المعلومات وتبادل الخبرات والتكنولوجيات المناسبة ما يبين أن مفهوم الدفاع المشترك ضد الهجمات الإلكترونية مازال في بدايته، وفي هذا الإطار يبرز نائب وزير الدفاع الأميركي، "ويليام لين"، كأحد المسؤولين الأساسيين المنكبين على تطوير استراتيجية جديدة للبنتاجون تواجه بها حروب المستقبل ذات الطبيعة الإلكترونية، والتي تركز على حماية شبكات الدفاع السرية فضلاً عن حماية الإنترنت نفسها. هذا التغيير في استراتيجيات "البنتاجون" بإدراج حروب غير تقليدية في أجندتها جعلها تسعى إلى استلهام نماذج متميزة في قطاعات لا علاقة لها بالدفاع بما في ذلك القطاع الصحي، وهو ما يعبر عنه "لين" بقوله "لقد أصبح قطاع الصحة العمومية نموذجاً مطروحاً يمكن الاقتداء به كأن نستخدم مثلًا التقنيات نفسها المعمول بها في الوقاية من الأمراض والفيروسات والنظر في إمكانية نقلها إلى عالم الإنترنت"، ولهذا الغرض يقوم "البنتاجون" حالياً بإجراء أبحاث تدرس إمكانية نقل آلية الدفاع الداخلي التي يعمل بها جسم الإنسان إلى الإنترنت، حتى تصبح هذه الأخيرة أقرب إلى الجسم البشري في الدفاع عن نفسها. ففي حالة تعرض الإنترنت على سبيل المثال لهجوم فيروسي تستطيع إفراز دفاعات تطرد الفيروس، لكن المشكلة بالنسبة لهذا النموذج الذي يسعى إلى مضاهاة الجسم البشري، واستنساخ قوته الذاتية في إبعاد الأمراض والفيروسات عدم توفر الإنترنت على دفاعات طبيعية، كما أن الفيروسات المعقدة مثل "ستاكسنيت" يصعب ردعها، والسبب حسب "لين" أن الإنترنت في الأصل عندما تم تطويرها كان العامل الأساسي وراءها هو الشفافية وتسهيل الإبداع التكنولوجي ونقل المعلومات، وهو الأمر الذي يكشفها أمام الهجمات الإلكترونية بسبب ثغراتها الأمنية، ومن الهجمات المحتملة التي يتخوف منها المسؤولون تلك التي قد تستهدف قطاعات حساسة مثل شبكة الكهرباء والنظام المالي. والحقيقة أن تزايد الاهتمام الحالي بالحرب الإلكترونية وتنامي الوعي بخطورتها لم يكتسِ طابعه الاستعجالي إلا في العام 2008 عندما تعرضت شبكات البنتاجون لاختراق مجهول المصدر، حيث ساهم ذلك في قرع جرس الإنذار بالنسبة للمسؤولين الأمنيين، وهو ما يوضحه "لين" قائلًا: "لقد أدركنا وقتها أن شبكاتنا الداخلية والسرية قابلة للاختراق ليتحول ذلك إلى علامة فارقة في الوعي الأمني الأميركي". ورغم الطبيعة المعقدة للحرب الإلكترونية بالنظر إلى صعوبة تحديد المصدر وصياغة الرد يحذر "لين" من ضرورة تطوير الدفاعات القادرة على ردع هجمات "ستكون أكثر تعقيداً وأكثر قدرة على تدمير الأنظمة الإلكترونية"، وهو ما يفسر إلى حد كبير الاهتمام الذي يوليه المسؤولون الأمنيون في العالم الغربي بالحرب الإلكترونية ومناقشة تداعياتها في اللقاءات الأمنية الإقليمية مثل القمة القادمة لدول حلف شمال الأطلسي، والتي من المتوقع أن يتوصل فيها المشاركون إلى خلاصات أساسية ترسم معالم طريق واضحة استعداداً لحروب المستقبل الإلكترونية. آنا مورلين محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتو»