السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فاطمة الهديدي.. عندما ينبض الموت بوجع الحياة

فاطمة الهديدي.. عندما ينبض الموت بوجع الحياة
6 أكتوبر 2010 20:45
أقلام نسائية إماراتية (15) تحتل الكتابة النسوية مكانة استثنائية في المشهد الثقافي الإماراتي. فهي غنية بأقلامها واسمائها. مبادرة في موضوعاتها. غزيرة في انتاجها. متنوعة في إبداعاتها ما بين الشعر والقصة والرواية والريشة. هنا إطلالات على “نصف” المشهد الثقافي الإماراتي، لا تدعي الدقة والكمال، ولكنها ضرورية كمدخل للاسترجاع والقراءة المتجددة. القاصة والكاتبة والإعلامية الإماراتية فاطمة محمد الهديدي نموذج مميز في مجال السرد الوصفي الأنثوي المركب، الذي يجمع بين عناصر القص المتعددة من حدث وحبكة وشخوص وصراع وحوار، والمنطقة المحيطة بالشخوص، والزمانية النفسية والطبيعية والنَصية، فهي تكتب بلغة شاعرية تنتج لنا في النهاية (حالة فنية)، جعلت منها كاتبة متفردة، لها شخصيتها وهويتها منذ شرعت خوض الكتابة في حقبة الثمانينات التي شهدت حضورا لافتا للإبداع النسوي، المتفاعل مع تحولات المجتمع والمدينة في الإمارات. وفاطمة القاصة كغيرها من مبدعات جيلها، اشتغلت على جملة (الثيمات) المتعلقة بالظاهرة الاجتماعية مثل: سلبيات الزواج من أجنبيات، العمالة الوافدة، البحر، الوطن، مواجهة التسلط الأبوي، وغلاء المهور وتهميش المرأة وغيرها من القيم التي سادت حياة الناس بعد الطفرة النفطية، وبروز المظاهر الاستهلاكية. لكن ما يميزها، تلك الخصائص الجمالية، والتقنية الكتابية في مجال الصياغة والتعبير، وبخاصة في جانب التركيز على اليومي والمعاش، والكتابة في مواجهة المجتمع وسلطة الأب والزوج، وهذا النمط من الكتابة يضع أمامه (المرأة) كنموذج بطولي في جانبيه الواقعي والرمزي، نموذج طامح إلى التحرر والانعتاق من كل ما يكبل طموحاتها نحو الإسهام الفعلي في مسيرة البناء والعمل ومسؤولية اتخاذ القرار، والخروج من منطقة الظل، وذلك بالتصدي ولو بالاحتجاج الداخلي، والتعبير الأدبي، لسلطة المنع والحجر المتمثلة في المجتمع والمتراكم من التقاليد البالية، وذلك من خلال التعبير عن (التهميش) وهي ظاهرة عالمية نلمحها في كافة المجتمعات التي يسعى كتابها ومثقفيها إلى إثارة قضية إخراج المرأة من قبو السلطة الذكورية. إن صياغاتها القصصية حول “المرأة المهمشة” وبخاصة في مجموعتها “آثار على نافذة” تدخل في هموم الواقع وتشابك عناصره، هذا الواقع المرير حينما تضيع منه لحظات الفرح، فلا يتبقى أمام المرأة سوى الرفض، وان كان رمزيا في بعض القصص، رفض أساليب السلوك في المجتمع بكل قيمه وتقاليده الاجتماعية وزيفه الذي يطلي وجوه الناس وأعمالهم. في سيرة فاطمة أنها تحمل شهادة البكالوريوس في التربية من جامعة الإمارات العربية المتحدة، وتشكل مجموعتها القصصية “آثار على نافذة” الصادرة عام 1995 عن منشورات الوطن للطباعة بدبي، واحدة من أهم أعمالها على مستوى الصياغة، واستثمار طاقات المكان الدلالية المتعددة وتوظيفها بمهارة عالية لتتحول دلالات المكان في النص القصصي من الفضاء المباشر إلى الرمزية الدالة. كما أصدرت عام 2007 مجموعتها القصصية الثانية “الصندوق” الصادرة عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، وهي مجموعة مشتركة، مع 12 قاصة، ولها تحت الطبع مجموعة قصصية جديدة ستصدر قريبا بعنوان “هكذا رأيت الجنة”. ترجمت بعض كتاباتها الأدبية إلى اللغات الانجليزية والفرنسية والألمانية، كما عرضت لتجربتها الأدبية العديد من الدراسات لنقاد محليين وعرب وأساتذة أكاديميين، ونشرت بعض أعمالها في صحف ومجلات ودوريات متخصصة تعنى بالثقافة والأدب. وتمتاز فاطمة محمد أيضا بكتاباتها الصحفية التي تؤكد على ترسيخ العديد من القيم المتعلقة بالهوية الوطنية، ومقالات تعنى بالثقافة والأدب والفكر ومشكلات المرأة. رسالة الكتابة تقول فاطمة محمد حول الكتابة والقصة في الإمارات: “طالما أن الكتابة والقصة تحديدا هي ترجمة للواقع، وطالما أن الواقع ما زال يحمل كثيرا من الأحلام والتطلعات ، بل انه بحاجة إلى المزيد من العطاء والبناء، وطالما أيضا توفرت منابر العلم والمعرفة وأتيحت، فلا شك إذن من ظهور أقلام جديدة الى جانب الأقلام الرائدة بين فينة وأخرى كما هو حاصل الآن. لنترجم ذلك الواقع والمؤشرات ملحوظة خاصة أن هناك حوافز رسمية وذات مستوى رفيع تخصص للأعمال الأدبية الجادة: منها جائزة الإبداع الأدبي الخاصة بالنساء على مستوى الوطن العربي والتي تنظمها أندية الفتيات بالشارقة، وهي جائزة دولية هامة، وغيرها من الجوائز لدفع وتدعيم هذا اللون من الكتابة. هذا في حد ذاته انجاز ودافع لنفض الغبار عن الأقلام المتكاسلة، كما أن رفع سقف حرية التعبير في ساحة الإبداع المحلي من قبل أعلى سلطة، هو عامل هام آخر يضاف الى انجازات ومكتسبات هذا المجتمع والحوافز للأدب والإبداع أيضا.. ولكن يلاحظ أن نوعا من “الركود” ان جاز هذا القول قد أصاب هذا الفن، كما أصاب جوانب أخرى من الحياة خاصة في السنوات العشر الأخيرة، علما أن هناك نتاجات أدبية موجودة، لكنها ليست بالحجم المأمول، فلم يعد كتابنا المعروفون بنفس ذلك الإنتاج. وطالما أن هذا الفن نابع من الواقع، فالأمل اذن مرتبط بهذا الواقع بشكل كبير، والواقع في حالة تغير متسارع في جانب على حساب جوانب أخرى”. وتضيف: “لا يبدو أن هذا التغيير المتسارع سينتج القارئ النخبوي ذي المهارات المفترضة، وربما تسود القصة الرمزية النخبوية وهذا ليس استهجانا بقدر ما هو أمل في وجود القارئ للمواقف الافتراضية في القصة التي تحتاج لمهارة معينة من القارئ والذي يفترض أن تكون قد توفرت له الخبرة الحياتية والاطلاع على قضايا العالم خاصة مع هذا الانفتاح المعرفي الهائل ووسائل الاتصال “الفلكية”، على هذا الأساس ربما تنطلق القصة القصيرة الى التعبير أكثر عن القضايا التي تشغل بال العالم، وهذا لا يتأتى إلا إذا اتفقنا على أن الأدب والفن بشكل عام تقع عليه مهمة ملحة وهي تطوير مجالات الحياة كلها، وإظهار الروح الإنسانية وتجسيد الفعل البشري، سعيا لتعزيز ثقة كل إنسان في نفسه، حتى يتخلص من الإحساس بالغبن أو الاهانة، وبالتالي يتمكن من إدراك نفسه أولا، ثم العالم المحيط به، واذ انظر الى القصة فاني انظر إليها على أساس انها وسيلة أدبية تسعى الى ترسيخ القيم والخبرات، وأعتقد أن هذه هي الإشكالية التي ستبقى قضية الأدب الأساسية”. المرأة معادل موضوعي حول قصتها “حكاية صباحية” من مجموعة “آثار على نافذة” كتب أحمد حسين حميدان في مقالة له بعنوان: “القصة القصيرة الإماراتية بين التأسيس والتشخيص مقاربة أولى” يقول: “أما البحر عند القاصة فاطمة محمد، فانه يبلغ في مجموعتها آثار على نافذة إلى الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة. وإذا كانت النافذة تعني الوصال والاتصال عند “بيير داكو” فإنها تحولت الى ثغرة عند القاصة، نفذ منها الغريب ليدخل إلى بيت بطلتها بصورة غير شرعية، انتهت إلى فقدها عفافها، وكادت أخت بطلتها تلقى المصير نفسه لولا الصحوة التي ولدت من تحذيرات البطلة لشقيقتها المراهقة. فمن تكون هذه البطلة المسلوبة العفاف؟ هل هي الأندلس أم فلسطين أم الجزر أم لواء الاسكندرونة؟ أم هي كلهن؟. أليست الأرض المحتلة مغتصبة كما هي المرأة المغتصبة؟”. استخدمت القاصة هنا عنصر (التقابل) في إطار أسلوب رمزي، نجح في أن يكون مدخلا للحديث عن قضايا كبرى، مثل قضية الوطن المستلب، في صورة امرأة منتهكة، وهو ما يدخل في إطار “المعادل الموضوعي” الذي تحدث عنه الشاعر والناقد الانجليزي ت. اس. اليوت، وبهذا تكون فاطمة قد بلغت بقصتها آفاقا أكثر رحابة، تجاوزت فيها حدود همومها المحلية إلى الهموم الأخرى ومآسيها العربية، وبهذه الصياغة التي توحي بحالة شعورية كاملة، اشتغلت فاطمة محمد على متن قصصي، يصدر حكاية تتحدث عن أي إنسان في أي مكان، يعاني من الإستلاب. أما ما يسجل لها غير الجماليات التي تتمتع بها المجموعة من لغة شاعرية، واستثمار المرأة كنموذج للمواجهة، فهو مقدرتها على دخول منطقة شائكة في الكتابة، بغرض حماية الذاكرة واسترجاعها عبر التأكيد على المكان وملامح الشخصيات وطرائق كلامها وتعبيرها ضد كل محاولات الطمس والمحو والتذويب التي يقوم بها المغتصب. القاصة في هذه الصياغة البديعة تضيف إلى الكتابة قيمة أخرى من خلال فن الإسقاط، حينما تتجاوز الكتابة عن الذات والخاص، إلى العام في إطار ما يعرف في المسرح بـ (دراما الأفكار) وتعنى في المحل الأول بمناقشة الأفكار التي غالبا ما تتصل بالأوضاع السياسية والاجتماعية ضمن مفهوم الصورة الفنية المركبة التي جعلت من المرأة البطلة أفقا للقص، وبعد دلالي ترميزي من طراز خاص يفتح على كل ما هو قومي كقضية الجزر الإماراتية الثلاث، وقضية فلسطين وما تعرفه من صراع مرير، ولكن مع وجود المرأة دائما كأساس للسرد والحكي، وهو إخلاص دأبت عليه القاصة في معظم كتاباتها التي تعتمد على اللغة والفكرة والأسلوب والاتكاء على فضاء مفتوح في التعبير عن أحلام الشخصيات. البطلة المأزومة هو ملتقى أحداث هذه القصة المليئة بالتفاصيل الموحية لقضية اغتصاب الجزر الثلاث، فهي تضيف إلى ذلك مشهد استغلال معلم الصيادين لبائع السمك في قصة “الكثيبات المالحة”، بما يؤكد على اهتمامها بوحدة الموضوع وتسلسله في إطار موضوعي. بذلك نستطيع القول أنها صاحبة رسالة من خلال ما تكتبه، وهي رسالة الكاتب الحقيقية وارتباطه بقضايا بلده، ومعايشة الواقع المرتبط أيضا بهموم رجل الشارع. مشاركات نظرية فاطمة محمد تتمتع بحضور لافت على مستوى مشاركاتها الأدبية في العديد من الملتقيات الخاصة بالإبداع النسوي، ومن ذلك مشاركتها في الدورة الثامنة لملتقى المرأة والكتابة الذي نظمه مؤخرا اتحاد كتَاب المغرب في مدينة (آسفي) في المملكة المغربية. قدمت في الملتقى شهادة تناولت فيها تجربتها الكتابية بين ذاكرة الطفولة والشغف المبكر بالإبداع قالت فيها: “البدايات كثيرة كيف ابدأ ومن أين؟ أبدأ من الشغف المبكر في طلب الحكاية مع المساءات الرقيقة في الصيف، والمخملية في الشتاء والانتظارات الشهية الجائعة والمشتعلة بما في جعبة الوالدة حينا، والجدة أحيانا؟ أم من الغرام المبكر بالقراءة منذ أن كانت أمنية الوالد التي مارسها من خلال أقرب الأولاد الى نفسه، وبناء العلاقة القديمة مع الكتاب بيديه؟ أم من علاقة القلق والهواجس التي لحقت بنا بعد ذلك فحجزت مستوطنتها في النفس، فلا تتركها إلا حروفا مسفوحة على الورق بخربشات من الألم على صفحات التناقض”. وفي مشاركتها في (ندوة الحرية في الأدب النسائي) التي أقيمت في مدينة طرابلس الليبية برعاية المؤسسة للثقافة، تحدثت فاطمة محمد مع زميلات لها من الإمارات: فاطمة السويدي، ميسون صقر القاسمي، في محور (التجربة والأدب النسائي الإماراتي) الذي ضم موضوعات كثيرة من بينها: إشكالية ما بعد الحرية في الأدب النسائي شرقا وغربا، المحرمات في الكتابة النسائية بمفهوم الحكائية. ومن جملة ما قالته الهديدي نقتطف: “الكتابة إنسانية بالمقام الأول، وأنا شخصيا لا أعير اهتماما للرأي الذي يقول أن كتابة الأنثى مختلفة ولها خصوصية، لأن الكلام حول هذا الموضوع بمثابة الدفاع المسبق عن اتهام غير موجود، فالكتابة هي الكتابة، أما الاختلاف فهو موجود بين كل الكتاب بسبب المرجعية والثقافة والظروف وطريقة التفكير، ولكن المرأة بسبب خضوعها لعدد من الظروف التاريخية والاجتماعية والبيولوجية المختلفة عن ظروف الرجل، كل هذا لا بد أن يترك آثارا في مكان ما في تفكيرها ونمط كتابتها وأسلوبها وصياغتها، وهذا الاختلاف لا يعني الدونية. فالكتابة النسوية خصبة وثرية وفيها جمال وخيال وإضافة، ولا ينبغي بأي حال من الأحوال التفريق بين ما تكتبه المرأة وما يكتبه الرجل”. على المستوى المحلي سجلت فاطمة محمد حضورا لافتا في (ندوة مركز الخليج للدراسات) بعنوان (اتحاد الكتاب بين الواقع والطموح)، وقد شارك في هذه الندوة الفكرية نخبة من المبدعين الإماراتيين من بينهم: حبيب الصايغ، باسمة يونس، أسماء الزرعوني، إبراهيم مبارك، أحمد العسم، الهنوف محمد، جميلة الرويحي، فاطمة السويدي، صالحة غابش، شيخة الجابري. وقد بحث المشاركون في الندوة في واقع اتحاد الكتاب وطموحات تطويره من خلال المحاور التالية: اتحاد كتاب وأدباء الإمارات تقويم تجربة ربع قرن، العلاقة بين الاتحاد والمؤسسات الثقافية في الدولة، سبل تفعيل وتطوير اتحاد كتاب وأدباء الإمارات. أبدت فاطمة محمد رأيا مهما في وقائع محاور هذه الندوة قالت فيه: “مما لا شك فيه أن الاتحاد قدَم الكثير طوال مسيرته، ولا تنكر إسهاماته في رفد الساحة الإماراتية بالمبدعين ورعايتهم والمساهمة في احتضانهم وابرازهم، ونشر إبداعاتهم وترجمة الكثير من نصوصهم الى لغات مختلفة، لكن هناك عدة ملاحظات تتعلق بنشاطاته، فالاتحاد يرعى جميع الأدباء والكتاب، إلا أن هناك فرقا في الأنشطة المطروحة بين المقر الرئيسي وبين الفروع، اذ يتضح أن الأنشطة التي تقام في الفروع أكثر تميزا إن صح التعبير عن المقر الرئيسي. من المهم التركيز على انتقال النشاط إلى الجمهور، وفي رابطة أديبات الإمارات نظمنا نشاطات منذ خمسة أو ستة أعوام انتقلنا خلالها الى الجامعات وأثرت مثل تلك النشاطات بالإيجاب على مكانة الرابطة”. كما شاركت فاطمة محمد في فعاليات ملتقى الشارقة الثاني للقصة القصيرة تحت عنوان (القصة الخليجية النسوية الجديدة) من تنظيم دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة ورابطة أديبات الإمارات واتحاد كتاب وأدباء الإمارات. في الجلسة العاشرة من الندوة التي ترأسها ناصر جبران عرضت الهديدي شهادة حول تجربتها الإبداعية بعنوان: (بداياتي كثيرة ليس معها نهايات) أرجعت الفضل فيها وفي نضجها بالدرجة الأولى إلى أساتذة اللغة العربية والأدب العربي الذين درسوا لها مختلف المراحل التعليمية، كما وجهت شكرها إلى اتحاد كتاب وأدباء الإمارات الذي رشح عددا من نصوصها للترجمة إلى لغات أجنبية منها الانجليزية والفرنسية، وكانت خاتمة شهادتها أن الأدب ابن عصر وليس ابن ساعة. الموت.. والحياة موضوعة “الموت” جزء هام من دورة حياة الإنسان، وقد سعت معظم القاصات الإماراتيات إلى تناول هذه القضية، نظرا لما تمثله من رموز ودلالات، وكأنهن بذلك يترجمن معالجتهن لهذا الموضوع إلى محاولة للخروج من حالات التأزم. في قصتها “فاتورة” ترقى فاطمة محمد في تناول قضية الموت بمفهومه الرمزي الفلسفي، معتمدة على جملة من الرموز. القصة تتحدث عن شاب أدمن المخدرات، وهو ينتمي إلى أسرة عريقة، نالت من ثراء الظروف الاقتصادية كثيرا، لكن نهايته الحتمية كانت الموت. وفي قصتها “كناره” تدور الكاتبة وتتحرك في كل الاتجاهات كي تصل إلى فكرة الموت من اجل الوطن والاستشهاد. قد تقول إن في عالم فاطمة محمد في إطار معالجتها لهذه القضية، شيئا كثير من عالم (كافكا) ففيه ذلك الجو الكابوسي الخانق، وفيه صور التحول التي لا تنتهي، فالموت جرس يدق بقوة في دواخل الشخصيات التي تنزع كثيرا إلى الموت، على أنه الطريق الوحيد إلى الخلاص. حتى أن قصتها “السقالة”، لم تفلت من معالجة موضوع الموت الذي أصاب عامل السقالة (محمود) الذي تهشمت كل أحلامه بعد سقوطه التراجيدي عنها، ليستقر جسده النحيل بين أكوام الاسمنت، خارجا من عالم البراءة والأحلام، إلى عالم آخر يخافه كل مخلوق على وجه هذه الأرض ألا وهو عالم الموت: “كانت الروح قد تملصت وصعدت وحيدة فوق الركام، وقفت على مقربة محدقة بلا حول ولا قوة على استعادة الجسد المطمور تحت الحجارة وأطنان الغبار الإسمنتي”. نستطيع القول أن فاطمة محمد في تناولها لمثل هذا الموضوع الكبير في معناه، أنها نجحت في أن تصبح نسيجا وحده في القصة النسوية الإماراتية، وأنها تمتاز بشيئين ثمينين، الأول: هو هذه الرؤية المتفردة للواقع والمعاش، والمقدرة على التقاط أشخاص عاديين مثل شخصية محمود في قصة السقالة، ومن ثم تحولهم إلى أبطال تراجيديين، فمحمود بطل مليء بقوة غريبة حتى في لحظاته الأخيرة وهو يستقبل الموت. أما الشيء الثاني فهو هذه الصياغة الشعرية التي تستخدم عناصر الواقع حينا، فتجعل من تراكمها عالما شعريا موحيا، أو تكثفها حينا وتقدم لها مقابلا تعبيريا نابضا بالحياة، لا توليدا ذهنيا فاترا يفتقد الصدق والحرارة. إن ماكتبته في هذا السياق حافل بالمعاني والدلالات، باتجاه الكثير من التحولات التي شهدها المجتمع المحلي بفعل التطور الاقتصادي، وبهذا يمكن لنا أن نلمس بوضوح مدى انعكاسات القضايا الاجتماعية في قصص فاطمة محمد، في إطار الصراع القيمي. ونحن وعلى كافة المستويات أمام كاتبة من طراز خاص، فقد طرقت أيضا فن المقالة، كونها إعلامية وتعمل في مجال الصحافة، كما تتمتع بأسلوب له جاذبيته على مستوى اختيار العناوين والمواضيع والأفكار، وصياغتها بصورة ذات علاقة بالكتابة الأدبية. من جملة ما كتبته مقالة هامة بعنوان “السر” جاء فيها: “... أولئك هم من توصلوا لمعرفة السر، فانتهجوا أسلوب التفكير المركز حول أمر يرغبونه بإلحاح، فكلما فكروا فيه جذبوه باتجاههم، حيث تمكنوا من تحقيق أحلامهم، ولنا أن نؤكد بأن قدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم هو أول من طبق هذا المبدأ حين كان يختلي للعبادة في غار حراء حتى نزول الوحي، وأن ذلك ما حثنا عليه ديننا الإسلامي الحنيف، وخاصة ضرورة الحرص على الصلاة بشرط الخشوع، لأنها تعزز التركيز وتشحذ الطاقة، ثم يأتي وجوب الدعاء الدائم الى الله، والإلحاح به لطلب الحاجة من دون يأس أو انقطاع، مع السعي الجاد والعمل الفعلي لتلبية هذه الحاجة، أو ليس هذا هو السر العظيم؟” المشهد القصصي عند فاطمة محمد يمتلئ بالصور الفنية، كما يشكل استثمار المكان في نصها السردي مادة متجاوزة لحدود الوصف الواقعي، منتقلة من صيغتها الأولية إلى صيغة فنية متوافرة على جملة من الاشتراطات الجمالية التي ترتفع بها من أصلها الواقعي الأول إلى حالة فنية يتحول فيها المكان إلى ساحة من المفردات والعناصر التي تجعل من المتن السردي متكاملا حتى نهايته. إن كل صفحة من صفحات قصصها تمتاز بلغة شعرية تثير حماسة غير اعتيادية عند القارئ للتفاعل مع الشخصيات، والحوار الداخلي الجميل الذي تنسجه في غاية من البراعة وصدق التعبير والإحساس. في النهاية تقول فاطمة محمد حول تجربتها: “أغرم أبي رحمه الله بالعلم وشغف بتعلم القراءة والكتابة، فجعلني لبنة الأساس للعلاقة بينه وبين الكتاب. في مرحلة لاحقة استوطنتني الحروف وحجزت مكانها في النفس فكانت لا تتركها إلا مسفوحة على الورق بخربشات من الألم على صفحات التناقض.. خربشات تنطوي على نفس شعري نبطي تارة او فصيح ونثري تارة أخرى كنص إبداعي مفتوح أو كنص قصصي”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©