9 يوليو 2011 21:14
بدأ موسم الإجازات، وانطلق كثيرون للاستمتاع بالعطلة الصيفية، بعد شهور طويلة شهدت كثيراً من عناء العمل والدراسة والمسؤولية وضغوط الحياة بكل ألوانها، ومن الطبيعي أن تكون أيام الإجازة فرصة سنوية للراحة والاستجمام ومراجعة النفس والتواصل مع الأهل والأصدقاء، ومحطة سنوية يتوقف عندها لحل كثير من المشاكل والخلافات والأزمات الأسرية، وكل ما تترك من انعكاسات سلبية على أفراد الأسرة، يعودون بعدها وهم أكثر حيوية ونشاطاً وتفاؤلاً، فالإجازة السنوية فرصة رائعة بالنسبة للأطفال والطلاب بشكل خاص، للتخلص من ضغوط عام دراسي طويل، وفرصة ذهبية لتهيئة الأبناء لاستقبال عام دراسي جديد.
(أبوظبي) - هذا هو الجانب الإيجابي من موسم الإجازات، لكن الأمر لا يخلو من وجود جوانب سلبية تلقي بظلالها على موسم الإجازات، حيث يعود البعض منها على خلاف ما هو مأمول منها، حيث توجد أنواع أخرى من المشاكل التي ترتبط ببرامج تمضية الإجازة، والتخطيط المسبق لقضائها، وتنازع الميول والرغبات حسب الأعمار واختلاف الاتجاهات الشخصية لكل فرد في الأسرة، ولا سيما بين البنين والبنات أو الديون المادية التي تسببها الإجازة إن لم يخطط لها بشكل سليم يتفق وميزانية كل أسرة والتزاماتها، أو لوجود عدد من المشاكل المرتبطة بسوء استثمار الوقت المتاح خلال الإجازة، أو غير ذلك من مشاكل، ومن ثم تتحوَّل الإجازة إلى "كابوس" يضيف إلى مشاكل الحياة وضغوطها "كابوساً" جديداً.
تقول سعاد صليبي، كاتبة وسيدة أعمال: "مع اقتراب موسم الإجازة، عادة ما يبدأ الشد والجذب والخلافات الأسرية - الأسرية، أو يبدأ الخلاف بين الزوجين حول، "أين وكيف ومتى تكون الإجازة؟"، وتبدأ مشاكل أخرى لم تكن في الحسبان، خاصة مع وجود أعمار متباينة بين الأبناء أو البنات، فليست كل الأسر قادرة على تمويل الإجازة حتى لو كانوا سيقضونها داخلياً، فكثيرون يقترضون لتمويل الإجازة، وآخرون يستدينون من الغير، وهُناك من ينفق كل مدخرات العام من أجل الإجازة، وغيرهم من يعجز عن هذا وذاك، وتتحوَّل الإجازة إلى ضغوط ومشاكل من نوع آخر، ومن ثم تتسبب هذه الحالة في عصبية وعدم راحة رب الأسرة، وقد تتوتر الأجواء وتتضاعف مسببات الخلافات والخصومات والمشادات، وتسخن معها المشاكل الأسرية، وترتفع حرارة وحدة الخلافات وتظهر مشاكل ومشادات ربما تخلف وراءها نتائج مزمنة".
اختلاف الميول
تشير صبيحة الهاملي "موظفة" إلى أمر تراه من أهم منغصات الإجازة، ويقف وراء معظم المشاكل، ويتمثل ذلك في وجود تنازع وتباين بين الإخوة والأخوات، وخاصة المراهقين والشباب، حول كيفية قضاء الإجازة، ومكانها، ويقف الآباء والأمهات موقف المتفرج غير قادرين على حسم الأمر أو إرضاء جميع الأطراف، ومن ثم يشعرون بالمزيد من الإحباط، هذا إلى جانب المشاكل المرتبطة بميزانية الأسرة، وأولويات الصرف والإنفاق، وتمسك الأبناء بالسفر المكلف هنا أو هناك، ومن ثم استدعاء كل إمكانات الاقتراض والاستلاف وبيع الموجودات والدخول في إحراجات ومشاكل وإرباك مالي، ربما يدفع رب الأسرة إلى أبعد من ذلك، عندما يدخل في "مديونيات" وقروض لها انعكاسات سلبية وخطيرة على الأسرة".
وتضيف نهى السبع "معلمة": مشكلة الإجازات الأولى تتمثل في أن كثيرا من الأسر تسرف فيها ما يرهق ميزانيتها طيلة أيام السنة المتبقية، فكثيرون يستدينون أو يبحثون عن القروض المرهقة بفوائدها، ومن ثم تدخل الأسرة النفق المظلم وتتفاقم الخلافات الأسرية، وتظهر المشاكل والخصومات، وتدخل في متاهات يصعب تطويقها، وبالتالي تصبح الإجازة الصيفية عبئاً ومشكلة يحسب لها ألف حساب، وبدلاً من أن تكون الإجازة محطة استراحة لها أهدافها وغاياتها، تتحول إلى كارثة سنوية".
صراعات وفجوات
أما مؤنس ذياب "مهندس"، فيرى أن الإجازة تصبح أحياناً فرصة لتزايد فجوة الصراعات العاطفية بين الأزواج الذين يفتقدون الحوار الأسري الإيجابي، فالفراغ، واختلاف وجهات النظر يسببان تباعدا جديدا بين الطرفين، وبدلاً من استثمار الإجازة بشكل إيجابي لسد هذه الفجوة، نجد صراعات وفجوات جديدة تؤثِّر على كيان الأسرة بكاملها، وأعتقد أن الرأي الذي يقول بأهمية ابتعاد كل طرف عن الآخر لفترة قصيرة، يمكن أن يساعد على تقريب الفواصل، وردم المشاكل، ويحفز على المشاعر الإيجابية بين الطرفين، فالإجازة مطلوبة أحياناً كي ينفرد الإنسان بنفسه ولو لبعض الوقت، كما أنها فرصة لتستعيد العلاقة عافيتها وبريقها الأول، فمثل هذه الإجازة تعد بمثابة جرعة تنشيطية لمشاعر الزوجين العاطفية".
عودة التفاهم
يقول راشد الزعابي "موظف": "إن مثل هذه الإجازات لها نتائج إيجابية وسلبية، فقد تساهم في عودة المشاعر الطيبة والتفاهم بين الزوجين، وقد تساهم في زيادة التباعد والجفاء فيما بينهما، فالابتعاد عن الأجواء المشحونة وضغوط الحياة والعمل والدراسة والمسؤوليات، يفيد في إعطاء الزوجين أو الأبناء متسعاً من الوقت للراحة ومراجعة ما مروا به خلال تلك الفترة، ومن أهم عوامل نجاح الإجازة أن يتفق عليها جميع الأطراف، ويتم التخطيط لها جيداً لتجنب أية منغصات محتملة".
من جانب آخر تؤكد سلمى الشامسي "ربة بيت" أن كثيرا من الناس لا يستوعبون أن الإجازة ليست عطلة رسمية فحسب، بل هي فرصة ذهبية لمعالجة أية مشاكل تهدد الحياة الزوجية أو الأسرية، وأعتقد أن العطلة هي أفضل فرصة للحوار، لأنها تأتي في وقت جد مميز، ولأنها مرحلة يتجرَّد فيها الزوجان من متاعب السنة، بحيث يبحث كلاهما عن الآخر ولن يتأتى هذا إلا بفهم أن العلاقة الزوجية ليست علاقة آنية، بل حياة مشتركة يجب أن يسهم فيها الرجل والمرأة لترقيتها وتطويرها وإخراجها من عنق الزجاجة إن لزم الأمر.
كل مشاكل تبدو تافهة حين يكتشف الزوجان حاجة بعضهما إلى بعض، وهذه الحاجة يولدها الحوار الصريح والهادئ بعيداً عن التصفيات والأنانية، فنسبة كبيرة من الأزواج لا يعرفون كيف يتعايشون مع الإجازات، الإجازة لدى البعض هروب من الواقع إلى مدينة سياحية أخرى، فالناس يحبون اكتشاف المدن ويكرهون اكتشاف ذواتهم وهذه هي المشكلة الرئيسية في مجتمعاتنا العربية التي تتشابه في نوعية المشاكل الزوجية من حيث غياب الحوار وغياب التواصل المستمر وضيق الوقت والإهمال وانشغال طرف عن الآخر، إما انشغال الزوجة عن زوجها بالأطفال أو انشغال الزوج عن زوجته بالأعمال، وربما تصبح العطلة أو الإجازة تبدو الحتمية الوحيدة التي تجعل الزوجين يلتقيان أخيراً في حضور الأطفال، لهذا هي فرصة كبيرة جداً لأجل التقارب، واكتشاف الآخر من جديد".
الاتفاق والتخطيط
تشير إنعام المنصوري، الاستشارية الأسرية في العين، إلى الطريقة أو الأسلوب الأمثل لتجنب التداعيات السلبية للإجازة، وتقول: "الاستمتاع بالعطلة الصيفية، أمر نفسي وترويح مهم للغاية بعد شهور السنة الطويلة التي تشهد كثيراً من عناء العمل ومتاعب الدراسة، وتعدد المسؤوليات، وضغوط الحياة بكل ألوانها، ومن الطبيعي أن تكون أيام الإجازة فرصة سنوية للراحة والتخلص من الروتين، والاستجمام ومراجعة النفس والتواصل الإيجابي بين أفراد الأسرة أو الأهل أو الأصدقاء، وهي بمثابة محطة سنوية يتوقف عندها لحل كثير من المشاكل والخلافات والأزمات الأسرية، وكل ما تترك من انعكاسات سلبية على أفراد الأسرة، يعودون بعدها وهم أكثر حيوية ونشاطاً وتفاؤلاً، فالإجازة السنوية فرصة رائعة بالنسبة للأطفال والطلاب بشكل خاص، ويمكن تجنب أسباب منغصاتها إن أحسنت الأسرة التخطيط السليم بما يتفق ورغبات وميول واتجاهات أفرادها، والهدف من الإجازة، والموازنة السليمة بين الموارد والمصروفات غير المقننة التي ترهق اقتصاد الأسرة وخاصة في أوقات الإجازات. فالإجازات تترك أثراً نفسياً واجتماعياً مؤثراً على كافة أفراد الأسرة، إن حظيت بوقت كاف وتخطيط مسبق، فإنها فرصة جيدة لتعميق وتعزيز التواصل والحوار والتقارب والود بين الزوجين من جانب، وبينهم وبين الأبناء من جانب آخر، كما تساعد الأبناء على العودة إلى أداء واجباتهم ودراستهم بهمة وإقبال، في نفس الوقت تحقق الإجازات أثراً اجتماعياً طيباً عند أفراد العائلة".
تحقيق أقصى درجات الاتساق
تشدد المنصوري على ضرورة تحقيق أقصى درجات الاتساق بين الأهداف الاجتماعية والأبعاد الاقتصادية للإجازات، والتأثير الإيجابي لها على الترابط الأسري والنظر بجدية للبعد الاقتصادي، لأن ارتفاع تكاليف المعيشة الدائمة، أكثر وأهم ما يشغل بال رب الأسرة، ويحتل النقاش حول هذه المواضيع مساحات كبيرة، بسبب سوء تدبير الموارد المالية أو زيادة المصروفات وعدم تقديرها والتخطيط لها وضغط الأبناء على الأهالي، وهذا يتطلب تنظيم الميزانية، وضبط ما يغطي كافة الاحتياجات الضرورية من مسكن وغذاء وملبس واحتياجات الأخرى، ومن ثم يتم التفكير في الفائض للترفيه والاستمتاع في أوقات الإجازات".