أهوال الأصوليات وغياب البدائل
يقول د. رضوان السيد: في بلدان الاضطراب العربي.. مَن يحمي المجتمع من سوء استعمال السلطة، وصعود جماعات تمارس القتل من دون رادع؟ صارت الأمور تستعصي على الإحصاء والاستقصاء. تأتي الوقائع فتنسخ بعضها بعضاً، ليس في البلدان والأماكن فقط، بل في الأهوال وعدد القتلى والخراب الحاصل. لدينا الوقائع القاتلة والمستمرة منذ أعوام في سوريا والعراق. ولدينا الأهوال المستجدة والمتفاقمة بليبيا ومصر وتونس واليمن. وهي جميعاً ذات نمط واحد تقريباً. كنا نتحدث عن الديكتاتوريات، وقد انضوت جميعاً في حضن إحدى الأصوليتين القاتلتين. أما ما أقصده بالنمط فهو أن كلاً من الخلافة والولاية هو نموذج مختار للدولة الدينية المثالية.
هناك ثلاث بديهيات تتعرض للتجاوز والانتهاك. فالناس ينشؤون دولا لإدارة شؤونهم العامة، وللحماية من الفوضى والانقسام. وقد تحولت بعض السلطات إلى مصدر خوف للمجتمعات، بيد أن زوالها أو ضعفها ترك المجتمع سائباً وعرضةً للخراب بأيدي عصابات القتل والإجرام. فالمشكلة الأولى والأساسية التي نُعاني منها هي الانتهاك الفظيع الذي تتعرض له سلطة الدولة وفكرتها بغض النظر عن الإساءات التي ارتكبتها للناحيتين: التقصير في إدارة الشأن العام، واستخدام العنف المفرط ضد مواطنيها.
أما البديهية الثانية التي يجري تجاهلها في البلاد العربية المضطربة، فتتعلق بحماية المجتمع ممن يريدون ممارسة العنف والإرهاب ضده. فما دامت سلطة الدولة قد سقطت، والمجتمع لم يتمكن من إقامة سلطة جديدة، يصبح السؤال: من يحمي المجتمع من العنف الناجم عن سوء استعمال السلطة، وعن صعود جماعات للقتل وممارسته من دون رادع؟ إن المجتمعات المتروكة من دون حماية تشرد منها عشرات الملايين في سوريا والعراق وليبيا واليمن! وقد سار العرب في هذه البلدان مع الحل السياسي الدولي. وما أمكن الاتفاق على الحل بسوريا، فتشرد نصف الشعب السوري حتى الآن، وقُتل منه نصف مليون، وسجن مليون آخر. وتدخلت الأمم المتحدة في ليبيا ولا تزال، بيد أنّ أحداً لا يعرف المستقبل وسط تفاقم العنف هناك.
الزمان لن ينسى الشيخ زايد بن سلطان
يقول د.خليفة علي السويدي: قدّر الله تعالى أن تكون وفاة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -رحمه الله- في رمضان، كي يتذكره كل من أحبه في مثل هذه الأيام المباركة، ويمد يده إلى السماء، سائلاً الله تعالى أن يجازيه عن وطنه خير الجزاء.
في تلك الليلة التي تصادف 19 من رمضان كنت في المطار متجهاً للأراضي المقدسة، وفجأة بدأت سيدة بجانبي في البكاء، وعزتني في وفاته -رحمه الله- كأنها البارحة ذكرى لا تُمسح من فكري كلما مرت بي. والسؤال الذي مازال مطروحاً: لماذا يترحم الناس على الشيخ زايد بعد كل هذه السنوات، بينما نرى عند غيرنا من العرب نسيان قادتهم بمجرد وفاتهم؟
البعض يعتقد أن وفاء أهل الإمارات لقادتهم هو سر هذا الأمر. قد يكون التحليل صحيحاً، لكني أزعم أن صدق نية الشيخ زايد- رحمه الله- في كل ما قدمه لوطنه والأمة العربية والإسلامية هو سر هذا الولاء، فغيره من القادة سخّر أجهزة الإعلام وأنفق عليها بسخاء كي ينال الولاء، لكن زايد نيته كانت مطيته في سباق الآخرة. فكثيرة هي الأعمال في أرض الوطن وخارجه لم يعلمها الناس إلا بعد وفاته، لأن الرجال أعمالهم تسبق أقوالهم. قاعدة تعلمناها من زايد -رحمه الله- وغيره لم ير شعبه سوى خطاباته وتصريحاته، فانتكست رايته يوم وفاته.
مودي» و«الإمام».. لقاء فريد
يقول د.عبدالله المدني: في حدث له دلالات كثيرة، وفي توقيت متميز يصادف إكماله للعام الأول له في السلطة، وقرب حلول شهر رمضان الذي يحتفل به مسلمو الهند نحو 18 مليون نسمة احتفالاً متميزاً، التقى رئيس الحكومة الهندية «ناريندرا مودي» في أوائل الشهر الجاري وفداً يتكون من 30 شخصاً من زعماء مسلمي الهند بقيادة الإمام «عمر أحمد إلياسي»، الذي كان قد سُجل عنه في مناسبات عدة مخاوفه من بعض التيارات السياسية الحليفة لرئيس الحكومة، والتي، بحسبه، كانت تسعى إلى تخريب النموذج الهندي في الوقت الذي كان فيه «مودي» في ألمانيا يروج لخطة «صنع في الهند»، وهي أحد مشاريعه لوضع الهند في مقدمة الدول الصناعية المنتجة والمصدرة.
والحقيقة أنّ مخاوف الإمام وغيره من الزعامات الإسلامية طفتْ على سطح الأحداث منذ وصول «مودي» إلى السلطة في العام الماضي لأنهم اعتقدوا أن الرجل سيتربص بالمسلمين منذ اليوم الأول، ناهيك عن اعتقادهم بأن العديد من مكونات حزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم يؤمن أنّ الطريق بات ممهداً أمامه طالما أن الحزب الحاكم جاء للسلطة بتفويض كاسح لتغيير وجه الهند العلماني عبر الاعتداء على الجوامع والكنائس وبث الرعب في قلوب الأقليات والضغط عليهم لتغيير عقائدهم. لذا كان اللقاء المشار إليه مناسبة بالغة الأهمية ليؤكد فيها «مودي» أنه لن يسمح لأي شخصية أو جماعة باللعب ببطاقة الهندوس والمسلمين، لأنه يؤمن فقط ببطاقة الهند الواحدة.
درس من أحداث الإرهاب
يقول د. سالم حميد: الملاحظ في الحوادث الأخيرة التي وقعت في الكويت وتونس وفرنسا ومصر أن بعض التحليلات الإعلامية المصاحبة لهذه الوقائع الخطيرة تبدو في جانب منها معنية بالسعي لتأويل سياسي أكثر من الاتجاه لتسمية الأشياء بمسمياتها وتوصيف الوقائع مباشرة ودون مواربة، وهذا يعني أن البيئة الحاضنة للإرهاب قد تمتد أحياناً لتشمل الإعلام ومن لا يجدون حرجاً في الخروج بتأويلات مسيسة للإرهاب المكشوف.
وفيما يخص العمليات الإرهابية التي ينفذها أفراد ويسارع تنظيم «داعش» لتبنيها، كما حدث في الكويت وتونس، لا يعني الطابع الفردي لتلك العمليات أنها مجرد دعاية عابرة لهذا التنظيم الإجرامي، ولا يعني أن تواجده محصور فقط في العراق وسوريا، بل إن أفكاره المتطرفة والمزاج الانتحاري الذي يزرعه في عقول مناصريه تدق ناقوس الخطر ويفترض أن تدفع المجتمعات والحكومات لاتخاذ إجراءات وقائية وتفعيل دور الأسرة في كل بيت عربي حتى لا تأوي من يعد نفسه للانتحار.
وبشأن مستوى التعاطي الإعلامي لبعض القنوات التي تستضيف أحياناً من يتعاملون ببرود مع الأعمال الإرهابية، وبخاصة عندما يقومون بتسييسها، لابد من القول إن الاستمرار في تأويل مثل هذه الحوادث الإرهابية والبحث عن تبريرات وخلفيات سياسية لها، كل ذلك يهيئ للإرهاب أرضية للتكرار وحث المجتمع على التعايش معه كأمر واقع، بينما يجب أن يكون الهدف من فتح ملف الإرهاب بعيداً عن المزايدات أو التوظيف السياسي، والتركيز على هدف أساسي وهو التخلص من هذه الآفة ومحاصرتها ونبذها والتوقف عن التبريرات السطحية لجرائم الإرهابيين.