السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الصين تبني جسراً جديداً للتنمية الاقتصادية مع الدول النامية

الصين تبني جسراً جديداً للتنمية الاقتصادية مع الدول النامية
2 أكتوبر 2010 22:14
يتم تصدير قطع ضخمة من التربة الحمراء المستخرجة من منجم كاراجاس بالبرازيل أكبر منجم لخام الحديد في العالم، إلى مصانع الحديد في شرق الصين التي تحولها فيما بعد لحجر أساس لملايين البنايات العالية في مئات من مدن الصين المزدهرة. وحلت الصين في العام الماضي محل أميركا كأكبر شريك تجاري للبرازيل. وبالرغم من بعدهما الجغرافي، أصبحت روابطهما الاقتصادية المتنامية خلال العقد الماضي رمزاً من الرموز الدائمة في تحولات الاقتصادات العالمية. ويمكن لهذا التحول أن يمهد الطريق لواحدة من أكبر عمليات اعادة توازن الاقتصاد العالمي خلال العقد المقبل. وربما تصبح الصين أكبر مستثمر مباشر في البرازيل هذا العام نسبة لعدد الصفقات التي تم الاعلان عنها في قطاعات التعدين والحديد ومعدات البناء والكهرباء. وبتتويجها الجديد كثاني اكبر اقتصاد في العالم على حساب اليابان، أصبحت الصين مرتكزاً لدورة جديدة من التنمية الاقتصادية بين الدول الآسيوية ودول العالم النامية الاخرى تفوق في حجمها اقتصادات أوروبا وأميركا، ولم تعد الصين مستهلكة للمواد الخام من دول العالم النامية كما كانت تفعل في العقد الماضي، بل بدأت في استثمارات البنى التحتية والصناعة في تلك البلدان تساعدها في ذلك اسعارها المنخفضة وشركاتها العاملة في مجالات الصناعات المعقدة، او بما تقدمه من شروط تمويلية يصعب رفضها. ودأبت الصين على الاستثمار بهذه الكيفية لعدة سنوات في أفريقيا ومن ثم انتشرت لبقية بلدان العالم الاخرى. وأصبح تأثير الانتعاش الصيني واضح المعالم في كثير من اقتصادات الدول المتقدمة الآن. ويقول بين سيمب فيندورفر مؤلف كتاب “الطريق الحريري الجديد” الذي يتحدث عن نمو الروابط الاقتصادية بين الصين والشرق الاوسط “هذه بداية دورة جديدة، وتملك الصين شركات لها الرغبة في الاستثمار ومنتجات غاية في الجودة يدعمها كم هائل من السيولة التي يتمتع بها النظام المالي الصيني”. ملتقى الطرق بين الصين والبرازيل • ارتفعت صادرات الشركات الصينية المباشرة للخارج من 5,5 مليار دولار في 2004 إلى 56,5 مليار دولار في العام الماضي حيث من المتوقع أن تبلغ نحو 100 مليار بحلول 2013. • توجهت نسبة 70% من الأموال المستثمرة في العام الماضي إلى أجزاء آخرى من آسيا، حيث حلت أميركا اللاتينية في المرتبة الثانية بنسبة 15%. • جاءت استثمارات الشركات الصينية في البرازيل متوسطة، إلا أن مسؤولين برازيليين يتوقعون أن تتجاوز استثمارات هذه السنة 10 مليارات دولار. • قامت البنوك الصينية باقراض شركة “بيتروبراس” النفطية 10 مليارات دولار و1,23 مليار دولار لشركة “في ل” لتعدين الحديد الخام. وذكر إيان بريمر مؤلف كتاب “نهاية السوق الحرة” أن تزعم الصين لحركة الانفصال عن الغرب ليس وليد الصدفة، بل إنها استراتيجية تهدف لتقليل الاعتماد الاقتصادي والسياسي على أميركا. ويقول “هذه سياسة واعية تجيء على رأس اوليات كل القادة الصينيين الذين يسعون وراء الحصول على استراتيجية تحوطية لعدم ثقتهم في المستقبل الاقتصادي للدول المتقدمة”. كما تعتبر ترقية الابتكارات وزيادة معدلات الاستهلاك المحلي جزءاً من هذه الاستراتيجية ايضاً، لكن خلق روابط اقتصادية قوية مع بقية دول العالم النامية، هي الاستراتيجية التي ينبغي الفراغ منها باسرع وقت ممكن. ولم يظهر تأثير هذه العملية بوضوح في اي منطقة مثلما هو الحال في البرازيل. وبانتعاش التبادل التجاري بين الصين والبرازيل في العقد الماضي، لم يخف البرازيليون تذمرهم من اعادتهم مرة اخرى للدور الذي كانوا يقومون به في القرن الماضي بتوفير السلع للدول الصناعية، وبدأت الاستثمارات الصينية في الوصول الى الاراضي البرازيلية في العام الماضي ليبلغ مجموعها 92 مليون دولار فقط والتي من المتوقع ان تصل الى 10 مليارات دولار هذا العام. ودفعت ووهان الصينية للحديد والصلب 400 مليون دولار لشراء اسهم في احدى شركات التعدين البرازيلية المملوكة لرجل الاعمال البرازيلي إيك باتيستا. وبدأت شركة ليفمان الصينية لصناعة الدراجات النارية والسيارات في التصدير بالفعل وبكميات كبيرة للبرازيل مما حدا بها للتفكير في فتح مصنع لصناعة السيارات هناك. واذا كانت الاستثمارات في البرازيل واحدة من مراحل الارتباط الاقتصادي الصيني بالدول النامية، فان المرحلة الثانية هي موجة شبكات السكك الحديدية الجديدة التي تقوم الصين ببنائها حول العالم. وتعتبر شركات السكك الحديدية الصينية من اكثر الشركات العالمية كفاءة حيث ظلت تعمل ولسنوات عديدة في الدول المجاورة في وسط وجنوب شرقي آسيا. لكنها وفي العام الماضي طرقت وجهات جديدة مثل اوكرانيا وتركيا والارجنتين. ولم يقتصر نشاط الشركات الصينية العاملة في القطاع على التركيب اليدوي لقضبان السكك الحديدية، بل تأمل في التوقيع على اتفاقيات خارجية تبيع بموجبها معدات القطارات عالية السرعة التي تتضمن انظمة الاشارات المرورية والعربات، وسيكون الخط الذي يربط بين ساو باولو وريو دي جانيرو من اول الخطوط السريعة المزمع القيام بها. وهناك عاملان جعلا من تحقيق هذه الروابط واقعاً ملموساً، الاول انتاج الصين لسلع رأسمالية عالية المنافسة عالمياً. وثانياً يمكنها ان توفر للبلدان النامية قطارات جديدة، ومحطات طاقة، وآليات تعدين، ومعدات اتصال ذات جودة كافية وأسعار كثيراً ما تكون اقل من الشركات الاخرى المنافسة. اليوان خارج الصين مع أن الصين ثاني أكبر اقتصاد وأكبر مصدر للسلع في العالم، لا يسجل اليوان وجوداً محسوساً خارجها. وتعتمد الصين في اتمام صفقاتها الخارجية على العملات الاجنبية الاخرى خاصة الدولار، وظهرت مخاطر ذلك جلية خلال الأزمة المالية العالمية عندما تأثرت الصادرات الصينية بتجميد الائتمانات التجارية المقومة بالدولار. لذا كشفت الصين مؤخراً عن تدابير تسهل استخدام اليوان واعادة صياغة النظام المالي العالمي. ويقول داريوسيز كوالسيزك الاستراتيجي لدى “كريديت أجريكول” في هونج كونج “نحن في بداية عملية ضخمة حيث سيتم تدريجياً التحرر من وساطة الدولار”. وقامت بكين في يونيو الماضي بتوسعة مشروع التجارة عبر الحدود باليوان وفتحه على العالم. وشجعت البنوك العالمية مثل “أتش أس بي سي” و”دويتشه بنك” و”سيتي جروب” الشركات العالمية الكبيرة على استخدام اليوان بدلا من الدولار، حيث قدمت بعضها تخفيضات في رسوم الصفقات كحافز لذلك. وفرغت الصين الآن من ارساء البنى التحتية المالية، حيث اصبح من الممكن لشركة حبوب ارجنتينية بيع منتجاتها باليوان واستخدام ريعها في شراء آليات زراعية من الصين، وبلغت عائدات تجارة الحدود في الربع الأول من العام الحالي نحو 70.6 مليار يوان (10 مليار دولار). لكن يعتبر هذا الرقم صغيراً جداً مقارنة مع اجمالي عائدات السلع والخدمات التي قامت الصين ببيعها العام الماضي والبالغة 2,800 مليار دولار والتي انجز معظمها بعملتي اليورو والدولار. ومن أكبر العقبات التي تقف في طريق استخدام اليوان في الخارج هي الصعوبة التي تواجهها الشركات الأجنبية في استثمار ما عندها من يوان او امكانية تحوطها من التعرض للعملة، وتسببت السياسة المالية الصارمة التي تنتهجها الصين في جلب الكثير من الضرر لاسواقها. لكن وبتغيير ذلك اصبحت سوق سنداتها بين البنوك المحلية مفتوحة الآن للبنوك المركزية والتجارية الاجنبية. كما تم رفع الحظر الذي كان مفروضاً على تدفق اليوان بحرية لهونج كونج. والعقبة الثانية هي الدعم المالي من قبل النظام المصرفي الذي يقف وراء هذه العمليات التجارية، حيث يعمل البنك الصناعي التجاري الصيني مع الحكومة في تقديم برنامج “السكك الحديدية والتمويل” عبر دول العالم. ووقعت فيل البرازيلية على ائتمان بنحو 1,23 مليار دولار مع اثنين من البنوك الصينية لشراء 12 سفينة شحن ضخمة من الصين لنقل خام الحديد بين البلدين. ويعتبر حجم هذه الصفقات اقل بكثير مقارنة بشركة بكين للأوراق المالية الاميركية القابضة بنحو 1,500 مليار دولار. وبدأت آثار ذلك تنعكس بوضوح على الارقام التجارية في الصين بارتفاع الواردات الصينية من الدول المتقدمة في العام الماضي. وارتفع حجم التجارة مع رابطة امم جنوب شرق اسيا بنحو 54.7% في الربع الاول من العام الجاري وبنحو 60.3% مع البرازيل. واذا ما ساعدت الاستثمارات الصينية بالفعل في دورة نمو بعض اقتصادات الدول النامية، فسيكون ذلك بمثابة المنشط للاقتصاد العالمي الذي تبدو بوادر مستقبل العديد من اقتصادات الدول المتقدمة فيه غير مبشرة، بل تشير في بعضها الى عودة الركود مرة اخرى. كما يعتبر مزيج الطلب وانتعاش الاستثمارات في الصين واحد من الاسباب التي ادت الى مقدرة البرازيل لتسجل نموا قدره 8.9% في الربع الاول من 2010. وبذلك، تبرز مخاطر كبيرة تهدد الاقتصادات الغربية. وربما تنذر موجة الاستثمارات ببروز حقبة من المنافسة بين شركات الدول المتقدمة والشركات الصينية المملوكة من قبل الحكومة. وربما تقود الحماية المالية الحكومية القوية التي تتمتع بها هذه الشركات لاتهامها بعدم عدالة المنافسة. ومن بين هذه الشركات سيمينز وجنرال اليكتريك اللتان تعملان في مجال معدات الطاقة والسكك الحديدية الذي قويت فيه حدة المنافسة من قبل الشركات الصينية. ويثير نفوذ الصين الجديد العديد من الاسئلة المتعلقة بمستقبل الدولار. ويتحدث المسؤولون الصينيون عن خطط لابعاد الدولار كعملة للاحتياطي النقدي العالمي لتحل محله حزمة من العملات الاخرى، قد يكون اليوان من اقوى المرشحين لدخولها، وباتساع مساحة تجارة الصين مع الدول النامية، اتخذت الصين خطوات هامة لزيادة وجود اليوان على نطاق عالمي اكبر، بما في ذلك السماح للشركات الاجنبية باستثمار اليوان في اسواق السندات المحلية. ويرى البعض ان اليوان ربما يصبح العملة المرجعية لتجارة آسيا خلال العقد القادم. ولأن يصبح اليوان عملة تجارية هامة شيء، لكن أن يصبح عملة للاحتياطي النقدي العالمي على حساب الدولار، شيء آخر يتحتم معه على الحكومية الصينية خفض قيودها المالية الصارمة، وفتح سوق السندات المحلية في وجه الشركات الاجنبية. ويعني ذلك بالضرورة التخلي عن سياسة الضبط القاسية التي تنتهجها حيال اسعار الصرف والفائدة. علاوة على ذلك، وفي حالة نجاح هذا الاندماج الاقتصادي مع الدول النامية، يحتاج هذا الى ادارة محكمة من قبل حكومة بكين. وتكمن المخاطرة في ان تجلب هذه المنفعة الجديدة من الاسواق الناشئة اثارا عكسية، خاصة في حالة استمرار الصادرات الصينية بنفس المعدلات العالية. وبدأت هذه البوادر بالفعل عندما خفضت الهند من استيراد معدات الطاقة من الصين وتفضيل المنتج المحلي عليها. كما اوقفت استيراد منتجات شركة هواي الصينية لصناعة معدات الاتصالات. وفي البرازيل هناك مخاوف تنشأ من شركات مثل ليفان الصينية التي تسعى لاستغلال البلاد لتجميع سيارات شبه مكتملة التصنيع بدلا من ترقية الصناعة المحلية. واصبحت الصادرات الصينية الرخيصة الى اميركا اللاتينية تهدد الصادرات البرازيلية لتلك الدول والتي تشكل 91% من اجمالي صادراتها. وربما تنعش الروابط التجارية الصينية القوية مع الدول النامية اقتصاد الصين نفسها والاقتصاد العالمي على حد سواء خلال العقد المقبل. لكن في ذات الوقت ربما تقف موجة من الحمائية في وجه هذه العملية مما يرغم الصين على العمل الجاد لتؤكد لشركائها من الدول النامية انها لا تعمل على استغلال مصادرهم وثرواتهم. (عن: فاينانشيال تايمز) ترجمة: حسونة الطيب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©