هدى جاسم ووكالات (بغداد)
لا يزال مصير رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، بين أيدي شركائه في البرلمان الذين يناقشون سحب الثقة منه، مع اتساع الاحتجاجات في الشارع الذي يواصل المطالبة بـ«إسقاط النظام» بعد مقتل 240 شخصاً في التظاهرات وأعمال العنف.
وباحتشادهم في ساحة التحرير في بغداد وفي مدن جنوبية عدة، كسر العراقيون على مدى الليالي الثلاث الماضية حظر التجول، وهم يراقبون المناورات السياسية، مؤكدين في الوقت نفسه بأنهم لن يقبلوا بأقل من رحيل جميع المسؤولين.
وقال هادي العامري زعيم «تحالف الفتح» في البرلمان الذي أيّد عبدالمهدي من قبل، إنه يوافق على «العمل مع» الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي يدعو منذ أوائل أكتوبر إلى استقالة حكومة كان قد ساعد في تدريبها قبل عام.
وحث مقتدى الصدر، أمس، العامري على التحرك لتجنب «تحويل العراق إلى سوريا أو اليمن».
واتفق الصدر والعامري، الشريكان الرئيسان لرئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، مساء أمس الأول، على أنهما سيتعاونان لـ«سحب الثقة» من رئيس الحكومة المستقل الذي يطالب الشارع بإسقاطه منذ مطلع أكتوبر.
وأصبح مصير عبد المهدي بين يدي البرلمان الذي لا تزال جلساته مفتوحة حتى إشعار آخر.
وكان البرلمان قد دعا عبدالمهدي للحضور إلى البرلمان «فوراً»، لما قد يتحول إلى جلسة مساءلة وتصويت على سحب الثقة، بحسب ما أكد كثير من النواب.
لكن رئيس الحكومة لم يعلق حتى الآن على تلك الدعوة، كما أن البرلمان لم يحدد موعداً لالتئام مشرعيه لاستئناف جلسته.
ولكن أثير مالك الذي جاء من الديوانية، جنوب بغداد، للانضمام إلى المتظاهرين في ساحة التحرير، اعتبر أن «الشعب هو مصدر السلطات، هو من أتى بكل هؤلاء إلى السلطة».
وأضاف هذا العراقي البالغ من العمر 39 عاماً: «يريدون استبدال عبد المهدي بشخص من حزب آخر سيكون مثله».
أما حسين نوري، متظاهر آخر يبلغ من العمر 55 عاماً، فأكد «نريد استعادة بلدنا الذي سرقوه منا».
ولفت علاء خير، البالغ 63 عاماً، إلى أنه «بسببهم لدينا نقص في المدارس والمستشفيات، لذا عليهم أن يستقيلوا جميعهم وأن تتشكل حكومة إنقاذ وطني».
بين البرلمان والشعب حالياً، جسر الجمهورية الذي يفصل المنطقة الخضراء حيث المقار الحكومية، عن ساحة التحرير التي صارت مركزاً للحراك.
وهناك تمطر القوات الأمنية المتظاهرين بين الفينة والأخرى بالغاز المسيل للدموع، لثنيهم عن التقدم.
ومنذ بداية الحراك الشعبي في الأول من أكتوبر في العراق احتجاجاً على غياب الخدمات الأساسية وتفشي البطالة وعجز السلطات السياسية عن إيجاد حلول للأزمات المعيشية، قتل 240 شخصاً وأصيب أكثر من ثمانية آلاف بجروح، عدد كبير منهم بالرصاص الحي.
وشهدت التظاهرات المطلبية أيضاً سابقة في العنف بالتعاطي معها، إذ سقط 157 قتيلاً في الموجة الأولى منها بين الأول والسادس من أكتوبر، و83 قتيلاً حتى الآن في الجولة الثانية التي بدأت مساء الخميس الماضي.
ويرى مراقبون أن عبدالمهدي المستقل غير المدعوم حزبياً أو شعبياً، لا يزال رهينة زعماء الأحزاب التي أتت به إلى السلطة، ويتهمها المحتجون بالتقصير في توفير الوظائف والخدمات، وبملء جيوب المسؤولين بأموال الفساد الذي كان سبب تبخّر أكثر من 450 مليار دولار في 16 عاماً، بحسب أرقام رسمية.
وقالت الباحثة في معهد الأزمات الدولية ماريا فانتابي: «إن استقالة أو إقالة عبدالمهدي سينظر إليها كنقطة تحول من قبل المتظاهرين».
لكن ذلك قد يؤدي إلى «استراحة» للحراك أكثر منه «نهاية للحراك»، وفق فانتابي، إذ إنه باحتلال الساحات في المدن الكبيرة من البلاد، يؤكد العراقيون وجودهم في وجه مسؤوليهم.
وشددت الباحثة نفسها على أن انتخابات مقبلة وفق القانون الانتخابي نفسه، ستأتي بنفس الوجوه إلى البرلمان وستؤدي إلى التحالفات نفسها لإيجاد رئيس للوزراء، في برلمان منقسم حيث يتبادل أعضاؤه الاتهامات.
الأمم المتحدة تدعو للحوار
دعت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جنين هينيس- بلاسخارت، إلى إجراء حوار وطني، وقالت للمحتجين إنه لا يمكن لأي حكومة حل المشكلات خلال عام واحد.
وزارت هينيس- بلاسخارت ساحة التحرير بوسط بغداد، وهو موقع المظاهرات الحاشدة المناهضة للحكومة هذا الشهر، حيث ناقشت مع المتظاهرين «السبل الممكنة لتلبية المطالب المشروعة للمتظاهرين السلميين»، وفقاً لبيان للأمم المتحدة.
وجاء في البيان: «كررت هينيس - بلاسخارت التأكيد على أنه لا يمكن لأي حكومة معالجة إرث الماضي والتحديات الحالية خلال عام واحد فقط في السلطة».
ودعت إلى إجراء حوار وطني لتحديد «استجابات سريعة وذات مغزى، وكسر حلقة العنف المفرغة، والاتحاد ضد مخاطر الانقسام والتراخي».
استعدادات في كردستان
باسل الخطيب (أربيل)
بدأت حكومة إقليم كردستان العراق استعداداتها لمرحلة ما بعد الحكومة العراقية الحالية برئاسة عادل عبدالمهدي، مع تزايد احتمالات سقوطها.
وأكد ريبين سلام، القيادي في «الحزب الديمقراطي الكردستاني» الحاكم، أن البديل ينبغي أن يكون شخصية «مستقلة وتكنوقراط»، وأن يلتزم بمبادئ التوازن والشراكة في إدارة الدولة التي اشترطها الأكراد للمشاركة بالحكومة الاتحادية. وعقدت الحكومة الكردستانية، أمس، جلسة بحثت خلالها التطورات الراهنة في العراق واحتمال استقالة رئيس الحكومة الاتحادية، والتحضير لمرحلة ما بعد المظاهرات، وموقفها من استقالة عادل عبد المهدي.
وأكد القيادي في الحزب الذي يرأسه مسعود بارزاني، ضرورة إدراك رئيس الحكومة الجديد «التقدم الذي وصلت إليه المفاوضات بين أربيل وبغداد، وعدم العودة بها إلى الوراء».
واعتبر أن عبد المهدي «لم يعطَ الفرصة كي ينجح بسبب عدم وجود كتلة برلمانية كبيرة داعمة له».