هديل وصهيل

سلمى صبحي سكن الليل وفي ثوب السكون تختبئ الأحلام جبران خليل جبران وكذا.. تنبت أحلام. الليل صحوة حنين.. صبح العاشقين.. وهديل المصلّين... الليل مدن كثيرة يرتادها البعض أو معطف سريّ يرتديه البعض.. وكذلك حين يبسط الليل فُرشه تستريح أشياء وتستيقظ أخرى وربما هي محاولة تنقيب أو إعادة ترتيب لأخرى أيضاً. فقد تحدث للمرء مرحلة صحو بِكر، فلا شيء ينام... لا شيء أبداً! وتخلو شوارع الواقع من المارّة بعكس طرقاتك حينها.. وقد يتكاثر الليل الواحد أو ينقسم إلى ليال كُثر في ذات الليلة.. هنا تسافر كل خلية منك إلى وجهتها ودون جواز سفر.. والبعض من كثرة مرافقة الليل أو لنقول ألفة الليل يصبحون جزءاً منه، يتشبّهون ببعضٍ أو كثير من صفاته. ولليل كذلك مناجاة بينه وبين أهله.. هم أدرى بها وبسرّها جيّداً وساعات ترويح للنفس.. وحديث قلب لقلب أيضاً... ومن وحي المناجاة، تذهب بعيداً إلى حيث لا يذهب الآخرون في زمنهم، تفرد لك ولمن تُحب مساحات خضراء خاصة جداً جداً.. هي تراتيل ذات قدسية لا يُدركها الا من يكون في خِضّم ونواة أحداثها.. وكذا تسعى حثيثاً أن تستعير دفئاً من وحي تفاصيل ألفتها وآثرت العيش معها فأسعدتك.. حوار داخلي يبقيك أمام ملامح وجه ما ويغسل ما علق بأستار حزنك.. فتبتسم. وكما قال الشاعر محمد إقبال: “حديث الروح للأرواح يسري وتدركه القلوب بلا عناء هتفت به فطار بلا جناح وشق أنينه صدر الفضاء” هذا الحديث قد يثيره همس بين خيال ورؤى أو رؤى وخيال.. مثال بسيط، أحدهم أو إحداهن أهدت لنا بسمة بلون التمنّي، نبعت بصدق من صندل الروح، فهل تُنسي؟؟ تلك بسمة تجد أنّك تناجي أصحابها راضياً مرضيّا أينما تكون... بسمة تضيء عتمة ليلك وتحيله إلى كرنفال من الفوانيس وإلى أحاديث وجد لا تخمد نارها... بل هي زاد لسفر طويل... ثم هل يأتي منها إلاّ العطر؟ وما بين الخيال والليل... والليل والشجون... والشجون والخيال، تناغم مثل (أعطني الناي وغنّي).. وجمع ثلاثتهم شاعرنا إدريس جمّاع فقال: “ماله أيقظ الشجون فقاسى وحشة الليل واستثار الخيالا” و.... للخيال عيون... وللعيون لغة وكذا أجنحة تشاكس المسافات... وأيادِ تصافح الغائبين وبين ميلاد الأشياء وفطامها، اللحظات تترا... وحين يصادق الخيال الواقع، هنا تكمن المتعة وقمّة البهاء...