ناصر الجابري (أبوظبي)
أكد المهندس عبدالله خليفة شاهين المرر، مدير مشروع القمر الاصطناعي «مزن سات» في وكالة الإمارات للفضاء، أن من المتوقع إطلاقه خلال الربع الأول من العام المقبل 2020، حيث سيتم الإطلاق من روسيا للقمر الذي يعمل عليه 30 طالباً من طلبة الدراسات العليا في جامعة خليفة وطلبة مرحلة البكالوريوس بالجامعة الأميركية في رأس الخيمة، ضمن مختبرات «الياه سات» في جامعة خليفة بأبوظبي.
وقال عبدالله المرر في حوار مع «الاتحاد»: سيصل مشروع القمر الاصطناعي المصغر إلى مرحلة الفحوص البيئية، والتي تتراوح مدتها الزمنية للفحص الفعلي من أسبوع إلى أسبوعين تقريباً، حيث شهدت الفترات الماضية منذ البدء في المشروع خلال منتصف عام 2017 الانتهاء من عدة مراحل شملت مراجعة مفهوم المشروع، والتصميم المبدئي للقمر الاصطناعي، والانتهاء من التصميم النهائي، إضافة إلى الانتهاء من مرحلة تجميع القمر الاصطناعي والمتمثلة في شراء وتصنيع وتسلم القطع والأجهزة وفحص المكونات وتجميعها بعد التأكد منها والتي تمت خلال العام الجاري، إضافة إلى فحص نظام القمر وكيفية تفاعل مكوناته لتأدية غرض المهمة ككل.
وأضاف المرر: ستشمل مرحلة الفحوص البيئية وضع القمر الاصطناعي المصغر ضمن بيئة مشابهة للظروف التي ستجرى فيها العمليات، حيث سيتم وضعه ضمن مرافق تحتوي على أجهزة معينة تقوم بفحص نظام التشغيل للقمر وسط ظروف مطابقة للفضاء تتضمن متغيرات درجات الحرارة وبيئة الجاذبية الصغرى وفحص الاهتزازات التي ستمر بها مركبة الإطلاق وحجم تأثر القمر بها، حيث ستعمل الفحوص الميكانيكية على قياس هذه الاهتزازات والتأكد من سلامة مكونات القمر وقدرته على استمرارية التشغيل والقيام بمهامه بعد الانتهاء من هذه الظروف البيئية.
وأشار إلى أنه عادة في المشاريع التعليمية الخاصة بالأقمار الاصطناعية المصغرة، يتم الإطلاق مع أقمار اصطناعية أخرى، ولذلك يتمثل دور شركات الإطلاق في التأكد من نتائج الفحوص، بحيث لا يكون هناك تأثير للقمر المصغر على الأقمار الأخرى، خاصة أثناء مرحلة الإطلاق، ضمن عوامل منها حجم الاهتزازات التي تحدث والتغيرات التي يمر بها القمر خلالها، لافتاً إلى أنه سيتم شحن القمر الاصطناعي «مزن سات» إلى شركة الإطلاق نفسها في نهاية العام الجاري أو مطلع العام المقبل، وسيتم بعدها انتقال مسؤولية أطلاق القمر الاصطناعي إلى الشركة والتي تقوم بالتجهيزات التي تحتاج إليها وتشمل نقل القمر إلى المحطة وإجراء عملية الإطلاق.
وأوضح أنه سيتم الإطلاق من روسيا، حيث سيتم تحديد قاعدة الإطلاق قريباً، والتي ستكون إما من قاعدة «بايكنور» التي انطلق منها هزاع المنصوري أول رائد فضاء إماراتي أو عبر قاعدة فوستونشي، لافتاً إلى أن سبب اختيار روسيا للإطلاق يعود إلى تناسب توقيت فرصة الإطلاق مع الجدول المخصص للقمر «مزن سات» وتوافقه مع التواريخ المعتمدة للمراحل التي يمر بها القمر وتوقيت الفحوص، إضافة إلى وجود الوقت الاحتياطي اللازم الذي يهدف إلى تفادي الظروف الطارئة التي قد تنشأ، وهو ما جعل فرصة الإطلاق من روسيا الأنسب.
وحول مرحلة ما بعد إطلاق القمر الاصطناعي، بين مدير المشروع أنه سيتم خلال الفترة الأولى والتي تتراوح مدتها من شهر إلى شهرين متابعة عمليات القمر وتشغيله والتحكم به عبر المحطات الأرضية، والتأكد من أن كل شيء يسير وفقاً للخطط المعتمدة وضمن تصميم المهمة، وضمان وجوده ضمن المدار الصحيح الذي تم اختياره وعمله بالطريقة التي صمم لأجلها وضمن ظروف البيئة التي تم محاكاتها وتجريبها سابقاً خلال مرحلة الفحوص ويقوم بإرسال النتائج والمعلومات.
وأشار إلى أنه بعد نهاية المرحلة الأولى لما بعد الإطلاق، فإن مرحلة العمليات الأساسية ستبدأ وتشمل نقل البيانات العلمية، خاصة بيانات غازات الانبعاث الحراري والاستفادة منها في الدولة، حيث تشمل الفائدة العلمية المتوقعة من «مزن سات»، قياس غازات الانبعاث الحراري، من مثل غاز الميثان وغاز ثاني أكسيد الكربون، حيث ستتم الاستفادة من البيانات والمعلومات التي ستوفر من قبل عدد من الجهات ذات العلاقة بالشؤون البيئية في الدولة والتي سيتم الاجتماع بها لتوفير المعلومات ذات الارتباط والأهمية بها، وفقاً لنوعية البيانات ودقتها، كما سيتم دراسة إمكانية الاستفادة المشتركة للبيانات.
دور الجامعات
أكد عبدالله المرر، أن الهدف الرئيس من المشروع يتمثل في بناء القدرات والكوادر وإدخالهم ضمن مشروع فعلي للأقمار الاصطناعية، حيث يسهم المشروع في منحهم الخبرات المطلوبة والمعارف العلمية اللازمة حول بيئة العمل الشبيهة بالأقمار الاصطناعية، انطلاقاً من منحهم المسؤولية والتواجد ضمن إطار حقيقي تنفيذي للقمر «مزن سات»، والذي يمثل تجسيداً للدور الهام للكوادر الشابة في رفد قطاع الفضاء بالمزيد من المنجزات. وأشار المرر إلى أن «مزن سات» يعد أول مشروع للأقمار الاصطناعية بالتعاون بين جامعتين بالدولة، حيث تم ترسيخ فكرة التعاون والتشارك والتكاتف بين المؤسسات العلمية بالدولة والقدرة على الإنجاز بوجود التكاملية في خطط العمل والتنسيق بين الجهات المشاركة، وهو ما نلاحظه في عدد من المشاريع الدولية المقامة في الولايات المتحدة الأميركية وعدد من دول أوروبا وروسيا، والتي تبني مشاريعها الفضائية وفقاً للتعاون بين الجامعات والشركات المختصة، وهو ما سنعمل على استمراريته عبر المشاريع المستقبلية والتي ستضمن تحقيق أكبر قدر من الاستفادة من التجارب المتنوعة للجامعات المختلفة.
اهتمام القيادة
قال عبدالله المرر، إن اهتمام القيادة الرشيدة بالفضاء والعاملين به وحرصها على توفير كافة المستلزمات والاحتياجات للقطاع وتقديم الرعاية الكاملة، ساهمت في ترسيخ مكانة الإمارات فضائياً، مضيفاً: نحظى بقيادة تتسم بالرؤية الحكيمة والثاقبة وتستشرف المستقبل وتؤمن بأهمية الفضاء في إلهام الطلبة وإيجاد الحلول للتحديات الأرضية وتحقيق مستهدفات دولة الإمارات في الانتقال من الاقتصاد المبني على النفط إلى الاقتصاد المبني على المعرفة.
من التلقي للمعرفة
أوضح عبدالله المرر أن المشاريع والبرامج الفضائية التي تحققت خلال العامين الماضيين وشملت إطلاق «خليفة سات» أول قمر اصطناعي بكفاءات إماراتية بنسبة 100%، والرحلة الناجحة لهزاع المنصوري أول رائد فضاء إماراتي، وإعلان مشروع «مسبار الأمل» والفعاليات والمؤتمرات الدولية سواء التي نظمتها الدولة أو شاركت فيها خارجاً، جميعها عوامل ساهمت في نقل مستوى الاهتمام بالفضاء من مستوى التلقي إلى مرحلة الدراية والمعرفة الحقيقية بأهمية الفضاء، حيث أصبح مجتمعنا المحلي مدركاً للاستخدامات الفضائية وأهمية القطاع وأوجه الاستفادة منه، كما يعد مجتمعاً فخوراً ببرنامجه الفضائي الطموح الذي يستمر في تقديم الإنجازات.
تكامل لتحقيق الهدف المنشود
لفت المهندس عبدالله خليفة شاهين المرر إلى أنه تم اختيار مختبر «الياه سات» للعمل في المشروع نظراً لتضمنه التجهيزات اللازمة والمعدات للفحص ووجود المرافق المطلوبة للعمل على مختلف مراحل المشروع وإجراء الفحوص وعملية التجميع، كما تمت الاستفادة من تجربة جامعة خليفة في إطلاق القمر المصغر «ماي سات 1»، الأمر الذي ساهم في دمج خبرات طلبة الدراسات العليا برغبة طلاب السنة الأخيرة من مرحلة البكالوريوس في العمل بالمشاريع الفضائية، حيث يعد لهم المشروع والجزئية التي يعملون ضمن إطارها، مشروعاً للتخرج.
وبين أنه تم الحرص على تبادل الخبرات بين الطلبة الخريجين خلال فترة المشروع والطلبة القادمين لاستكماله، عبر ضمان وجود الطالب الجديد خلال الفترة الأخيرة لزميله الذي يوشك على التخرج، حيث تحصل عملية التدريب والتثقيف بين الطلبة بأنفسهم وبإشراف المختصين، وهو نظام التدوير المتبع في المشاريع الكبرى التي تتطلب مرونة في نقل الخبرة وتبادلها بين العاملين في المشروع الواحد، بقناعة مطلقة بأهمية التكامل والتفاعل بين الجميع وتوظيف الإمكانات المتاحة لتحقيق الهدف المنشود.