بيروت (وكالات)
قدم رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته إلى الرئيس ميشال عون، وذلك بعد 13 يوماً من احتجاجات شعبية غير مسبوقة عمّت كافة المناطق اللبنانية للمطالبة برحيل الطبقة السياسية بكاملها، فيما أكدت وزيرة الداخلية ريا الحسن أن الاستقالة كانت ضرورية من أجل منع لبنان من الانزلاق إلى الاقتتال الداخلي، جاءت هذه التطورات فيما اعتدى مناصرو ميليشيات «حزب الله» الإرهابي و«حركة أمل» على المتظاهرين اللبنانيين في بيروت كما أحرقوا خيامهم الموجودة في ساحة الشهداء.
وقال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في كلمة متلفزة وجهها للبنانيين: «وصلت إلى طريق مسدود وصار لزاماً إحداث صدمة كبيرة بمواجهة الأزمة». وأضاف: «أنا أصعد إلى قصر بعبدا لتقديم استقالة الحكومة لرئيس الجمهورية ميشال عون وللشعب اللبناني في كل المناطق تجاوباً مع إرادة الكثير من اللبنانيين الذين نزلوا إلى الساحات للمطالبة بالتغيير والتزاماً بضرورة تأمين شبكة أمان تحمي البلد في هذه اللحظة التاريخية». وتوجه بنداء للبنانيين بأن يقدموا مصلحة وسلامة لبنان وحماية سلمه الأهلي ومنع التدهور الاقتصادي على كل شيء آخر، كما توجه إلى الشركاء في الحياة السياسية بالقول إن «مسؤوليتنا اليوم كيف نحمي لبنان ونمنع وصول أي حريق له وكيف ننهض بالاقتصاد حيث هناك فرصة جدية يجب أن لا تضيع». وقال: «أضع استقالتي بتصرف الرئيس وكل اللبنانيين فالمناصب تذهب وتأتي المهم كرامة البلد وسلامته وليس هناك أكبر من بلده، حمى الله لبنان».
بدورها، قالت وزيرة داخلية لبنان ريا الحسن، إن استقالة الحريري كانت ضرورية من أجل منع لبنان من الانزلاق إلى الاقتتال الداخلي. وأضافت في تغريدة على حسابها في «تويتر» أن الاستقالة ضرورية ولا سيما في ضوء الخطر الذي ظهر اليوم في اشتباكات دارت وسط بيروت.
وأعرب المعتصمون في ساحات بيروت وباقي المناطق اللبنانية عن فرحتهم باستقالة الحريري، وأعلنوا عن بقائهم في الشارع حتى استعادة الأموال المنهوبة ومحاسبة الفاسدين.
بدورهم، أقفل أنصار تيار المستقبل بزعامة رئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري عدداً من الطرقات في العاصمة بيروت. وذكرت وسائل إعلام لبنانية أن أنصار تيار المستقبل قطعوا بعض الطرقات الداخلية في بيروت بالإطارات المشتعلة. وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية، بوجود انتشار كثيف لعناصر من الجيش والمخابرات والأمن العام ومكافحة الشغب والاستقصاء خصوصاً عند «مستديرة الطيونة». وردد مناصرو الحريري احتجاجاً على إعلانه استقالة الحكومة: «كلكن يعني كلن وعون واحد منن» في إشارة إلى ضرورة إسقاط سلطة رئيس الجمهورية. إضافة إلى ذلك، نظم مناصرو الحريري مسيرة راجلة وبالسيارات والدراجات النارية في مدينة طرابلس شمالي لبنان، ورفع المشاركون الأعلام اللبنانية ولافتات تطالب بإسقاط منظومة الفساد.
إلى ذلك، دعا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان، وليد جنبلاط، إلى الحوار والهدوء، وذلك عقب إعلان الحريري استقالة الحكومة. وكتب جنبلاط في تغريدة على صفحته في موقع تويتر: «منذ اللحظة الأولى دعوت إلى الحوار، وعندما رفضت الاستقالة ساد موقف من التململ والانزعاج في صفوف الحزب الاشتراكي، وتحملت الكثير، لكن في هذه اللحظة المصيرية وبعد إعلان الشيخ سعد الحريري استقالة الحكومة، بعد أن حاول جاهداً الوصول إلى تسوية وحاولنا معه، فإنني أدعو مجدداً إلى الحوار والهدوء».
كما أكد رؤساء وزراء لبنان السابقون، فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام، أن سعد الحريري تحلى بالشجاعة عندما قدم استقالة حكومته. وقال رؤساء وزراء لبنان السابقون، في بيان مشترك، إنه «حانت اللحظة ليتحمل الكل مسؤولياته باتجاه حركة إنقاذ وطنية تقي البلاد الانهيار السياسي والاقتصادي». وفي سياق آخر، أظهرت لقطات فيديو أنصار ميليشيات «حزب الله» الإرهابي و«حركة أمل» وهم يدمرون خيام المعتصمين في ساحة رياض الصلح وسط بيروت ويشعلون بها النيران ويشتبكون مع المحتجين، أمس. وكان شهود عيان قد قالوا إن أنصاراً للحزب والحركة اشتبكوا مع محتجين عند حاجز طريق وفي منطقة أخرى بوسط بيروت، مما دفع الشرطة للتدخل.
وقال شهود وتلفزيون «الجديد» اللبناني، إن قوات الأمن تدخلت لمنع تفاقم الموقف، وأطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الجموع.
وفي وقت سابق أمس، اقتحم أنصار لميليشيات «حزب الله» و«حركة أمل» جسر «الرينغ» في بيروت، حيث يعتصم متظاهرون احتجاجاً على عدم تحقيق مطالبهم، مما استدعى تدخل قوات الأمن للفصل بين المتظاهرين والعناصر الحزبية. وأوضحت المصادر أن أنصار «حزب الله» و«حركة أمل» حاولوا فض اعتصام المتظاهرين على الجسر، مما أسفر عن وقوع مواجهات. وما إن وقعت المواجهات حتى تدخلت قوات الأمن للفصل بين الطرفين واحتواء الوضع لمنع تطوره إلى أعمال عنف. وهذه ليست المرة الأولى التي يقتحم فيها أنصار ميليشيات «حزب الله» مواقع الاعتصام، إذ اقتحم الجمعة، رجال يرتدون قمصاناً سوداء يشتهر بها أنصار الحزب ساحة رياض الصلح وسط بيروت، وهتفوا «لبيك نصر الله» في إشارة إلى حسن نصر الله زعيم الميليشيات. وتدخلت قوات مكافحة الشغب للفصل بين الطرفين، ومنعت تفاقم الأحداث. واندلعت مواجهات مماثلة ليل الخميس في نفس الموقع من وسط بيروت. وسبق لنصر الله أن هدد بالزج بالبلاد في حرب أهلية، قائلا إن «المظاهرات قد تؤدي إلى حرب أهلية»، رافضاً دعوات متصاعدة مطالبة باستقالة الحكومة والرئيس.