30 سبتمبر 2010 21:58
الإمام ابن عربي أحد الأعلام الكبار، وختام أئمة الأندلس وحفاظها، وأشهر أقطاب التصوف الفلسفي في تاريخ الحضارة الإسلامية، بل ربما في تاريخ التصوف الإنساني على الإطلاق؛ ولذلك كان لقب «الشيخ الأكبر» علماً عليه لدى العلماء والدارسين من كل الاتجاهات.
ويقول المفكر الدكتور محمد عمارة: ولد القاضي أبو بكر محمد بن علي بن محمد بن العربي، الحاتمي الطائي الأندلسي، والذي اشتهر في المشرق بـ «ابن عربي» ومحيي الدين بن العربي في سنة 560 هـ/1165م، بمدينة مرسية، ثم انتقل منها إلى مدينة أشبيلية الأندلسية في سنة 568 هـ، أي وهو في الثامنة من عمره، وفى أشبيلية استقر حوالي ثلاثين عاماً درس فيها علوم الفقه والحديث، ودرس كذلك في مدينة سبتة المغربية. ومن الأندلس والمغرب شد ابن عربي رحاله إلى بلاد المشرق فنزل بتونس سنة 590 هـ، وبعد أن أقام بها ثماني سنوات غادرها إلى المشرق سنة 598هـ، فتنقل بين عواصمه وحواضره ومدنه، مصر ثم مكة وبغداد التي زارها أكثر من مرة، ثم عاد إلى مكة وزار حلب والموصل وآسيا الصغرى إلى أن استقر به المقام في دمشق.
أئمة المتكلمين
وبرز ابن عربي في العديد من العلوم حتى قيل إنه من أئمة المتكلمين في كل علم، وعرف عنه في أصول الفقه الميل إلى المذهب الظاهري مع إبطاله للتقليد، لكن شهرته العظمى وأغلب مؤلفاته كانت في التصوف وفي التصوف الفلسفي خاصة وفيه نحا المنحى الباطني العرفاني على وجه الخصوص.
وإذا كان الحلاج قد سبق ابن عربي إلى القول بوحدة الوجود فلقد كان ابن عربي المهندس الأعظم لهذه النظرية في تاريخ التصوف على الإطلاق.
وبسبب غموض مضامين مصطلحاته على كثير من سامعيه وقارئيه ودارسيه وبسبب صعوبة مباحثه على غير الخاصة، بل وخاصة الخاصة اختلف دارسوه في مراده من نظرية وحدة الوجود، فالذين فسروها بـ «الوحدة المادية» كفروه؛ لأن معنى ذلك هو اتحاد الذات الإلهية أو حلولها في المخلوقات والذين نفوا أن يكون مراده الوحدة المادية ومنهم جمال الدين الأفغاني شبهوا هذه الوحدة بظهور الشمس مثلاً، في المرآة فهي تتجلى فيها دون أن يكون هناك اتحاد بها أو حلول فيها.
ولم يكن هذا الغموض سبباً فقط في اختلاف دارسي ابن عربي حول عقيدته، بل لقد أثار عليه الغضب والهياج من قبل كثير من معاصريه، ولقد حدث له أثناء مروره بمصر في رحلته من المغرب إلى المشرق أن هاج عليه الفقهاء بسبب ما صدر عنه من شطحات، فقبض عليه وسجن وكاد يكون مصيره كمصير الحلاج الذي أعدم من قبل في بغداد لولا أن سعى في خلاصه والإفراج عنه أحد أبناء مدينة بجاية علي بن فتح البجائي فترك مصر إلى بلاد المشرق.
ولقد لعب الصراع بين الفقهاء وبين الصوفية، وهو واحد من الصراعات البارزة في تاريخنا الحضاري لعب دوره في الاتهامات التي وجهت إلى ابن عربي وإلى فلسفته ورغم أن ابن عربي لم يكن مفكراً سياسياً، فإن أسباباً سياسية صاحبت هذا الصراع بين الصوفية والفقهاء فأثرت فيه، فالفقهاء كانوا على مقربة من الدولة أو السلطة، بينما الصوفية كانوا أقرب إلى العامة حتى لقد كانوا يسمون بالفقراء.
النهج المضاد
وفى حالة ابن عربي، كان هناك سبب سياسي آخر للشك في الثمرات التي تأتي بها أفكاره ونظرياته، فالرجل عاصر الغزوة الصليبية على بلاد الإسلام، وعلى حين وجدنا مفكراً مثل ابن تيمية والذي عاش في ظل هذا الخطر يدرك واجب المفكر التاريخي عندما تتعرض أمته لغزوة ذات أبعاد حضارية، فيبحث عن الفروق التي تميز أمته عن الغزاة وليس عن الأشباه والنظائر التي تجمع أمته بهؤلاء الغزاة؛ وذلك للحفاظ على التميز الحضاري الذي يشحن وجدان الأمة بعوامل المقاومة ويحول بينها وبين تقليد الغازي مخافة من الذوبان الحضاري.
فإننا نجد ابن عربي في ظل الخطر الصليبي والتتري يسلك النهج المضاد على الطريق فهو لا يدعو فقط إلى منهج الأشباه والنظائر في مقارنة الحضارة الإسلامية بالحضارة الغربية الغازية، وإنما يسلك في النظر إلى العقائد الدينية وإلى الشرائع الدينية المنهج الذي يذيب كل الفروق.
ولقد بلغت مؤلفات ابن عربي الأربعمئة وبقي منها مئة وخمسون أهمها واجمعها لنظرياته «الفتوحات المكية»، و«فصوص الحكم»، و«مشاهد الأسرار القدسية و«مطالع الأنوار الإلهية»، و«ترجمان الأشواق في الغزل والنسيب»، و«تنزل الأملاك في حركات الأفلاك»، و«مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم»، و«روح القدس في مناصحة النفس»، و«مشكاة الأنوار في ما روي عن الله من الأخبار»، و«التدبيرات الإلهية لإصلاح المملكة الإنسانية»، و«شجرة الكون»، و«الإعلام بإشارات أهل الإلهام»، ويعتبر تفسيره «أحكام القرآن» المشهور بتفسير «ابن عربي» مرجعاً مهماً للتفسير الفقهي عند المالكية؛ وذلك لأن ابن العربي كان مالكي المذهب كثير التعصب له والدفاع عنه.
المصدر: القاهرة