السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

النموذج الإماراتي.. وصفة ناجعة لحماية الشباب من التطرف

النموذج الإماراتي.. وصفة ناجعة لحماية الشباب من التطرف
13 سبتمبر 2018 04:03

محمود إسماعيل بدر

الحديث عن مشكلات الشباب حديث شائك، ذلك أن فئة الشباب تشكل الغالبية العظمى من أي مجتمع، فهم الطاقة الحقيقية التي يعتمد عليها في إنجاز الأهداف وتحقيق الآمال في مسيرة التحديث والتنمية، وفي هذا السياق يشير الدكتور محمد علي محمد، في كتابه الموسوم بـ«الشباب العربي والتغير الاجتماعي» إلى التالي: «إن أهم ما يسهم به الشباب في مسيرة التنمية والتحديث، هو ما يتمتعون به من قدرة على الإبداع والابتكار، فالشباب يتطلع باستمرار إلى تبنّي كل ما هو جديد، ومن ثم فهم مصدر من مصادر التغير الاجتماعي والثقافي في المجتمع، ومن الحقائق المعروفة أن كمال الثورة التكنولوجية هو أن يتحوّل شباب العمّال من مجرد عمال تنفيذيين مقيدين بالروتين، إلى عمّال مبدعين قادرين على إيجاد حلول للمشكلات التي تواجههم أثناء أداء مهامهم».

لعب إيقاع العصر اللاهث بسرعة مذهلة، دوره الخفي في ظهور ما يمكن تسميته بـ«حالة التمرد الشبابي»، وهذه الحالة لم تتحول في أي عصر إلى ما انتهت إليه في عصرنا الحالي من تشتت ذهني وفكري. وبروز الشباب على هذه الشاكلة كطلائع قلقة غير مستقرة ولا مطمئنة إلى مستقبلها، هو حلقة من السلسلة المتصلة التي يتكون منها دائماً، وعلى مر العصور، ما نسميه عادة «صراع الأجيال» في المجال المعنوي.
وظاهرة تمرد الشباب الحاضر، وهو تمرد عميق ودقيق، لأنه لا يقف عند نطاق الصراع المعهود بين الأجيال المتلاحقة، وإنما يتعداه إلى ما هو أشمل أثراً وأبعد غوراً في طبيعة العصر ومتطلبات وجوده وحقائقه، فهو صراع أو تمرد لا يحكمه عامل الاختلاف في النظرة، بقدر ما يحكمه تراكم الحلول الحاسمة التي أسفر عنها الصراع بين القديم والجديد، وبالتالي ما يولده هذا التراكم من تنكّر شامل للماضي، وتمرد كلّي على الحاضر وقلق غامض في التطلع إلى المستقبل. (1)

اختلال
يجب أن نعترف بأن إيقاع العصر قد اختل وفقد توازنه المعهود، فالقضية لم تعد قضية تلاحق أجيال متعارضة تتوالد عن صراعاتها نزعات أو ميول، إنها في الواقع قضية الزمن الذي لم يعد يأخذ مجراه الطبيعي بين الأجيال، فهذه السرعة الجبارة في ثورة تكنولوجيا المعلومات، وهذه السرعة في تلاحق الأحداث وتسارع التغيرات السياسية وانهيار الأحلام والقيم والمبادئ والمشاريع النهضوية، وبخاصة المشاريع الثقافية، شكلت كمّاً من المتناقضات المتراكمة، صنعت بمجموعها حالة من ترقب المستقبل في قلق ظاهر، كان في الأصل هو مبعث التمرد الحقيقي للشباب المعاصر، وقد ارتبط هذا التمرد بأشكال وأوضاع كثيرة أهمها: بروز الانحرافات والثقافات الانعزالية والتطرف وشيوع خطاب الكراهية، وغيرها من مظاهر الاحتجاج والعنف التي توحي وتنبّه إلى خطورة الموقف، وتدق جرس إنذار للانتباه إلى احتياجات الشباب كفئة رئيسية في المجتمعات، تبحث عن: تأكيد الذّات في ظل أزمة الهوية، الناجمة عن حالة التناقض التي يعاني منها العالم العربي بشكل واضح، ففي الوقت الذي يجري فيه استيراد أرقى وأعظم ما توصلت إليه التكنولوجيا الحديثة، نجد هؤلاء الشباب ومن الناحية الاجتماعية والقيمية ما زالوا مشتتين ما بين النموذج الغربي، والنموذج الماضي (الموروث وتاريخ الأمجاد العربية والإسلامية)، حتى باتوا يعيشون حالة فريدة من الاغتراب، ولّدت لديهم الكثير من مركبات النقص والانبهار أمام الحضارة الغربية.
ويحضرنا في هذا المقام حديث الدكتور عزت حجازي عن البنية الأساسية أو التركيب الاجتماعي لمعظم الدول العربية: «إن هذه الدول تتميز بزيادة سكانية لا تواكبها زيادة مماثلة في الخدمات -مما يؤدي إلى تدهور في بعض فرص الحياة، فتسلط بعض العناصر الطفيلية أو ناقصة الكفاءة والوعيالثقافي والسياسي، لا تساعد في تحقيق الثورة الاجتماعية، بل ولا النمو الاقتصادي المنشود، ولهذا لا تتردد كثيراً في استيراد آخر صيحة في مجال التكنولوجيا، ولكن حين يأتي الأمر إلى قيم الحرية الشخصية والحريات العامة نغلق أعيننا». (2)
في الامتداد المعنوي لنتائج هذا الكلام، نتذكر تلك الشعارات التي رفعها الشباب الفرنسي في أعقاب ثورة مايو 1968، حين كتبوا على جدران جامعة السوربون: «الثورة البرجوازية، ثورة قانونية، والثورة البروليتارية ثورة اقتصادية، أما ثورتنا نحن فهي ثورة نفسية»، كما نتذكر ذلك التقرير الدقيق والعميق الذي أصدرته هيئة الأمم المتحدة عام 1999، حول الأزمات الطلابية وفورات الشباب التي اجتاحت العالم آنذاك، وانتهى إلى أن كافة هذه الاضطرابات تتفق في طبيعة واحدة «الاحتجاج الصارخ» على معظم الأوضاع والقيم وبصورة عشوائية أدى معظمها إلى الاحتكاك وردود أفعال مؤسفة. لقد قدّر القائمون على هذا التقرير: «أن شباب العالم ممثلاً في طلابه من الجنسين ستكون لهم الغلبة في السيطرة على الرأي العام باطراد متصل، بحيث يصبح رأي الشباب هو الغالب، وبحيث ينتهي صراع الأجيال التقليدي ويأخذ مفهوماً لم يسبق لنا تصوره».
تأكيداً لهذا التصور الذي مضى عليه وقت طويل، ألا نرى اليوم العالم وطلابه (الصين وكوريا الجنوبية واليابان والهند -أمثلة صريحة) من جميع الفئات والطوائف قد باتوا على استعداد دائم للقيام بأعمال خارجة عن المألوف، وتحت شعارات وآراء ونظريات قد لا تمثل رغبة بقية فئات المجتمع ولا إرادة الأغلبيات ولا حتى الحكومات التابعين لها؟.
في مطلع الستينيات تحدث الدكتور محمد حافظ نائب وزير التربية والتعليم والخبير الفني لرعاية الشباب في جامعة الدول العربية، عن مستقبل الشباب العربي فقال: «إن أبناءنا يولدون ويعيشون في عالم وهنت تقاليده وضاعت معاييره، بعد هذا ألا ترى أن للشباب كل العذر إذا لمس في المجتمع -بشتى الصور والطرق- الكذب والخداع وتزييف الحقائق، فنشأ ضمناً كذاباً ومخادعاً، وإذا شعر أن الجماعة لا تتعاون ولا تتساند ولا تعمل للخير، فتطبّع بالأنانية والانتهازية، وإذا اكتشف أن الحرية ليس لها حدود ولا مفهوم واضح عند من يعيشون حوله، فشبّ عابثاً مستهتراً؟» (3)

مما سبق، نستشعر مدى التحدّي الذي يواجهه هذا الجيل، الذي يعيش بلا شك حالة من الإحباط العنيف، وقد زاد من خطورة هذه الحالة تمدد وانتشار (النّعرات الجاهلية)، التي تنخر في جسد الأمة، حيث أصبح الولاء عند بعض الفئات للأوطان الصغيرة ممثلة في أشكال من التطرف الفكري، بل والأدهى من ذلك أن تتجه الدعوة للولاء للطائفة والقبيلة وعبادة الأسماء والشعارات، واستغلال الدين لتحقيق المصالح الشخصية، بدل أن تكون قيم الانتماء والولاء للوطن الأم، ويحمل بعض الشباب هذا الولاء الجاهل الأعمى دون روية أو تمحيص، ولاء نزق متطرف متعصب متشدد، وجد في التعصب حركة حياة وتقليد لا علاقة له بالأخلاق السّامية، وهي الثمرة التي يحققها الالتزام بالأحكام الشرعية والإنسانية.
ولعل هذا هو أخطر ما في هذه الظاهرة (التطرف) التي تزحف على وطننا العربي، وعلى العالم كما النار في الهشيم، مضاف إلى هذا كله، جملة المشكلات المتشابكة المعقدة التي يواجهها شبابنا، وبخاصة المشكلة الاقتصادية التي فرضت نفسها عليهم في إطار مرعب ممثلاً في (البطالة) وضعف فرص التشغيل ومستوى الدخول، وما يترتب على ذلك من آثار بالغة في مجالات السلوك والهروبية نحو أعمال غير قانونية، تسهم في توسيع المسافات بين الأفراد والفئات في المجتمع الواحد، ولذا فإن التعرف على الاتجاهات الاقتصادية للشباب مطلب ضروري تفرضه مقتضيات استثمار طاقاته ومواهبه وإبداعاته، خاصة إذا علمنا أن أعلى نسبة في قوة العمل هي التي تضم قطاع الشباب، ولكننا في النهاية هل نستطيع حسم كل هذه القضايا عبر استراتيجية عربية واضحة المعالم بمعزل عن المؤثرات الخارجية؟ وما هو العمل في مواجهة هذه التحديات؟ سؤال كبير بحجم خطورة النتائج التي من المتوقع أن يواجهها شبابنا في السنوات المقبلة، بعد أن أصبحت ظاهرة الإرهاب عالمية، في ظل تنامي تأثير الثقافة المستوردة، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الموازي، وأشياء كثيرة باتت تسيطر على عقول شبابنا وأفكارهم وسلوكهم ونظرتهم للحياة والمستقبل.

أزمات
إن جيل الشباب العربي، ونتيجة لعديد الهزّات التي تعرض لها، يقف حالياً على مفترق الطرق من أزمات تعاني منها معظم البلدان العربية، وتفرض عليها جملة من الضغوطات والتحديات، ومن الضروري هنا الإشارة إلى بعض المشكلات التي نعتقد أنها تشكل القاسم المشترك بين فئات الشباب المختلفة:

أولاً: أزمة تعليمية
في الوقت الذي نرفع فيه شعار التعليم العالي كمشروع قومي يجب أن نركز عليه للدخول بثقة في قرن المعرفة القادم، نجد أن هذا الجيل الشغوف بالإنترنت وثقافة وسائل التواصل الاجتماعي، يعيش حالة من التخلّف العلمي والثقافي في عصر يتميز بالانفجار المعرفي الهائل. ومن الواضح أن هناك مظاهر سلبية عديدة للنظام التعليمي، من بينها: أن هذا التعليم لم يضع في الاعتبار احتياجات المجتمع الفعلية من التخصصات، وأنه لم يمنح ذلك الاحترام الكافي للتعليم الفني (المهني) بحيث تسهم العملية التعليمية أساساً في تعديل أفكار وثقافة الناس حول هذا النوع من التعليم (الفني، الحرف والأعمال اليدوية) بقصد إكسابهم المهارات والتصورات اللازمة للمشاركة الإيجابية في خدمة قضايا التنمية الوطنية، فإذا تأملنا هذه المواجهة بين هذين النوعين من التعليم، سنجد أن اتجاه الشباب لا يزال متوقفاً عند الشهادة والتعليم الأكاديمي (تصل النسبة إلى نحو 88% في معظم البلدان العربية)، ما يدفعنا إلى استيراد العمالة من الخارج، ومثل هذه النتائج تخلق في حياة الشباب نوعاً من الارتباك وسوء التكيّف والعزلة الاجتماعية وتكريس ظاهرة (البطالة المقنّعة)، ما يدعونا إلى ضرورة الانتباه والاهتمام بإعادة النظر في مسألة تشكيل الوعي الإنساني والاجتماعي والثقافي في حياة الشباب الجامعي، لانتزاعه من دائرة التخصص المحدود، وذلك من خلال تصميم وتنفيذ برنامج عمل ثقافي وطني يتبناه الإعلام الرسمي لتوجيه الشباب المتعلم وإشراكه في تشكيل وتطوير البنية الاجتماعية.

ثانياً: أزمة ثقافية وإعلامية
يعطي الواقع الإعلامي والثقافي صورة يمكن التعبير عنها بـ«غياب الخطط الثقافية» واستناد الإعلام العربي في معظم أحواله إلى البرامج الغربية خاصة قطاع التلفزيون، إنّ هذا أثّر بصورة سلبية وخطيرة في ثقافة الشباب، في الوقت الذي لم توجد فيه خطوط دفاع أو أرضيات صلبة (تحصين ومناعة) لمواجهة (عولمة الثقافة)، حيث إن الأفكار الثقافية الغربية تتسرب ببطء ممنهج إلى نفوس الشباب وعقولهم فتتركهم فريسة للأوهام والاستلاب والاغتراب، وفي حال عدم قدرة أي أمة على تحصين شبابها، سيكون مصيرها التبعية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تصدر وكالة «رويترز» يومياً أكثر من 42 مليون كلمة تنشر في شكل أخبار ومعلومات توزع على أكثر من 80 دولة، في حين لا توجد وسائل إعلام فعالة في العالم العربي تستطيع بموجبها المجابهة أو حماية الشباب -لا توجد وكالة عربية مشتركة للدول العربية. ولا شك أن الثقافة الرصينة تلعب عادة دوراً مهماً في الرقي والسمو النفسي والعقلي والاجتماعي للشعوب، ولكن للأسف يعاني عدد كبير من دول العالم العربي حالياً من تدهور في الثقافة الجماهيرية في جميع اتجاهاتها وأنشطتها. بما يعني أن الإعلام العربي يستورد، ربما عن غير قصد، الغزو الثقافي عبر الأفلام والدراما التلفزيونية والبرامج والإعلانات والمنوعات والأغنيات (هناك شبهات حول مصدري هذه المواد، والتي يعزز بعضها ثقافة الكراهية)، وضخ العادات والتقاليد الغريبة، إلى جانب المعلومات بمختلف صورها، والتي يتبنى بعضها شركات ومؤسسات مضللة تنجح غالباً في مخاطبة عقول شبابنا، وتشوّش عليها، وذلك نتيجة غياب نموذج البطولة الحقيقي لدى الشباب.

الرؤية المستقبلية
يواجه قطاع الشباب العديد من التحديات المؤرقة، مثل: التعليم، النمو السكاني، المعلومات والاتصالات، والمخدرات والبيئة والفراغ، وفقدان الهوية والضغوطات الاقتصادية، والأمراض المستعصية، إضافة إلى الجانب الأمني، والتحديات السياسية كالديموقراطية وحرية التعبير والمشاركة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، ومن هنا لابد من وجود محاور يجب أن تقوم عليها عملية تنمية المؤسسات ذات الصلة بالشباب وإعداد القادة، وتتمثل في: تعلم إدارة الذات، وإدارة الوقت وإتقان فن الريادة والإقناع، إضافة إلى توسيع قاعدتهم المعرفية حول بناء العلاقات الاجتماعية والتصرف في المواقف المختلفة والمشاركة في التخطيط والمتابعة والتقييم، تحت مظلة تعزيز مفهوم الثقافة الجماهيرية. إن الرؤية المستقبلية لدور الشباب ووظيفتهم تتركز في محورين، الأول: هو مستقبل الشباب في المجتمع، والثاني: هو مستقبل المجتمع على يد الشباب، وعندما يتقاطع هذان البعدان تتضح الرؤية المستقبلية للشباب كفاعل للتنمية وصانع للمستقبل، ومكون لمقومات حياة المجتمع، مثلما تتضح جهود المجتمع التي ينبغي بذلها والخطط الوطنية والبرامج والمبادرات التي يتحتم وضعها من أجل أن يشكل قطاع الشباب مستقبل المجتمع وحدوده الحضارية ومقاماته الثقافية.

الإمارات.. تجربة مضيئة
في ظل هذه القتامة تقدم الإمارات نموذجاً مضيئاً حقاً لكيفية العناية بالشباب ورعايتهم وحمايتهم من كل فكر ظلامي أو هدام.. والقيادة الحكيمة في دولة الإمارات اهتمت بالشباب وطموحاتهم ووضعتهم في أعلى سلم أولوياتها، كون الشباب ركيزة الوطن وطاقته المتجددة والمحرك القوي للابتكار والتنمية، ضمن الاهتمام بمشروع (بناء الإنسان)، وقد كان اهتمام القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد «طيب الله ثراه» بتنشئة الشباب بالغاً وواضحاً، فكل الإنجارات التي قام بها، وكل البناء الذي شيّده، لا يمكن أن يستمر وينمو في المستقبل إذا لم يعدّ الشباب لتحمل تبعته ومواصلة المسيرة الحضارية. وكان افتتاح الدورة الرابعة لمجلس وزراء الشباب والرياضة العرب في 14 مارس 1981 مناسبة وطنية كي يعلن فيها الشيخ زايد «طيب الله ثراه» ستة مبادئ ودعائم للنهوض بالشباب العربي حضارياً وتربوياً وثقافياً وفكرياً، وقد تمثلت هذه المبادئ والدعائم في:
أن يكون الإنسان محور أهداف النهضة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الناشئة هم أول الغرس. الاهتمام بقطاع الشباب بأبعاده الثقافية والعلمية والرياضية والنفسية، وإعطاؤه الأولوية عند وضع السياسات أو الخطط أو النظم والبرامج والمبادرات الوطنية. شمولية السياسات الشبابية وتنفيذها، يعبّر عن الوظيفة الحقيقية للدولة، أن حركة الشباب العربي تتجه إلى القضايا الرياضية البحتة، والواجب أن تعتمد الأولوية للفكر والثقافة الرصينة، فهما السبيل إلى الوفاق والتضامن المنشود. الاهتمام بالإنسان من أعلى، من عقله وفكره، فبهما كرّم الخالق ابن آدم. وكان هدف الشيخ زايد من كلمته هذه أن يقف عند قضية بناء الإنسان بصفة عامة وتنشئة الشباب بصفة خاصة، وقفة حضارية وتربوية.
إن هذا النهج القويم للقائد المؤسس، هو ما تقتدي وتستنير به القيادة الحالية في الإمارات، حيث يحتل الشباب صدارة أجندة مؤسسات الدولة ذات الصلة، إيماناً منها بأن الشباب المتسلح بالانتماء والعلم هو القادر على تحمل المسؤولية والجدير بالمحافظة على المكتسبات والإنجازات، فوفرت لهم الفرص المناسبة لتأهيلهم وتمكينهم من لعب أدوار قيادية في مسيرة البناء والتحديث والتطور، عبر ضخ دماء جديدة في مختلف الوظائف والمناصب القيادية، بجانب الاهتمام بتنمية هذا القطاع، وزيادة معارفه، في إطار ما يمكن تسميته بإشاعة روح (ثقافة المشاركة) ووضعه على خط المسؤولية من إطلاق المبادرات الثقافية التي تخدم قطاع الشباب والناشئة، وتزيد عن 30 مبادرة، بجانب البرامج التثقيفية والمعرفية والابتكارية والتنموية التي أعدت خصيصاً لدعم طاقات ومواهب الشباب. ويعكس قول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي «رعاه الله»: «إن الحكومات لا تستطيع بناء تنمية راسخة لشعوبها من دون شراكة حقيقية مع شبابها»، مدى حرص القيادة الحكيمة على إشراك قطاع الشباب في بناء الوطن وأنهم بالفعل عماد التنمية والتقدم في أي مجتمع، وتبدو لنا نتائج هذه المشاريع واضحة وإيجابية في أكثر من مسار، ولنا أن نتذكر (مرحلة التمكين) التي أطلقها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة «حفظه الله» خلال عام 2005، والتي استهدفت تمكين المواطنين من عناصر القوة اللازمة ليصبحوا أكثر إسهاماً ومشاركة في جميع مجريات الحياة السياسية والإنتاجية والمعرفية والثقافية، باعتبارهم العمود الفقري لبناء الوطن، ومن ثم تحصينهم ضد ثقافة التطرف.
ولا نغفل أيضاً تلك المبادرة النوعية (عام 2016.. عام القراءة)، التي أطلقها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة «حفظه الله»، لتمثل خطوة نوعية في مسيرة الدولة، نحو ترسيخ ثقافة العلم والمعرفة والاطلاع على ثقافات العالم في نفوس المواطنين والمقيمين على أرض الإمارات، وبخاصة الجيل الجديد من الناشئة والشباب، بعد أن تمّ -ولتحقيق هذه الغاية- إطلاق صندوق وطني للقراءة بقيمة 100 مليون درهم، وواضح جداً أن هذا الحدث، تجاوز فكرة الاحتفاء، ليكون عصباً لمشروع قومي، يستثمر جدّياً في المعرفة والإنسان، ويجعل من القراءة (حالة مستدامة)، في إطار مبادرات وخطة قوامها (القراءة) مدى الحياة، وفي ذلك قال صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»: «إن كافة سياسات واستراتيجيات القراءة، هي سياسات لبناء أمة وترسيخ شعب مثقف واع متمكن ومتسامح».

عناية منذ الصّغر
من أهم ركائز رؤية القيادة في الإمارات للشباب تنشئتهم منذ الطفولة، ومن هذا المنطلق جاءت أحدث المبادرات الوطنية التي وجهت بها سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية «أم الإمارات»، بوضع استراتيجية وطنية تجعل من الإمارات صديقة للأم والطفل واليافع، تزامناً مع احتفال الدولة بيوم الطفل الإماراتي الأول في مارس الماضي، وتعمل بنود الاستراتيجية، على تضمين حقوق الأم والطفل واليافع كمكون أساسي في توجهات واستراتيجيات التنمية وأهدافها وسياساتها ومبادراتها ومشاريعها، كما ستساهم في إيجاد إطار منظومة متكاملة تشمل مختلف الوزارات والهيئات والدوائر الحكومية الاتحادية والمحلية ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل لصالح الأمهات والأطفال واليافعين، والتأكيد على حقوقهم، تحت مظلة تعزيز نشر ثقافة حقوق الطفل في كل مراحله العمرية، ما يفضي في النهاية إلى إعداد جيل مستقر آمن، يعيش في بيئة آمنة، توفر له كل فرص النجاح وبناء المستقبل، وتبعده عن أي فكر متطرف أو عدائي تجاه وطنه ومجتمعه.
إن الحديث عن جهود دولة الإمارات العربية المتحدة في دعم الشباب وحمايته ورعايته وصونه من آفات العصر، حديث طويل، والإنجازات على الأرض، تفرض نفسها، ومن ذلك الاهتمام برسم استراتيجية وطنية طويلة الأمد للشباب، سواء من خلال جهود وزارة الدولة للشباب، أو من خلال إطلاق برنامج مشترك مع البعثة الدائمة للإمارات لتطوير مهارات الشباب لدى الأمم المتحدة في تمثيل الدولة عالمياً، وعلى صعيد متصل، يولي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، قطاع الشباب اهتماماً نوعياً، وعناية خاصة، باعتبارهم طاقة إبداعية خلاّقة، ففي حديث سموه مع الطلبة المشاركين في (برنامج سفراء الإمارات) قال سموه: «إن الذي يريد أن يبني دولة أو جيلاً أو أمة، لا بد أن يكون إيجابياً يستشرف المستقبل بعين من الرضى والتفاؤل والثقة بالنجاح، فنحن في دولة الإمارات ننظر إلى 25 سنة و50 سنة إلى الأمام، ننظر إليكم أنتم أيها الشباب، عندما تقودون بلادكم إلى الأفضل والأحسن».
ومما نعتز به في هذا المقام إطلاق حرم سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، سمو الشيخة منال بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين، رئيسة مؤسسة دبي للمرأة، مبادرة (الفنانون في المدارس) التي تتضمن في العادة ورش عمل تكوينية، وحوارات وندوات تثقيفية، بهدف تحفيز الإبداع لدى الطلاب والطالبات واكتشاف الموهوبين منهم وتنمية مهاراتهم، وتعويدهم على حب الجمال والفنون والإبداع والتعلم الفني، والاطلاع على الثقافات الأخرى، ما يعزز في نفوسهم ثقافة التعايش وفهم الآخر.
ولا ننسى جهود دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، سواء من خلال دعم المواهب الشبابية في مجال الكتابة والنشر، أو على صعيد تنظيمها العديد من المؤتمرات التي تكرس صون الموروث الشعبي والهوية الوطنية، ومن ذلك تنظيمها للمؤتمر الخليجي للتراث والتاريخ الشفهي، فقد ركزت النسخة الخامسة منه التي عقدت في أكتوبر 2017، على ضرورة الحفاظ على قضية التربية الأخلاقية وموقعها في الأولويات لبناء الأجيال الجديدة في الحاضر والمستقبل، والتأكيد على رؤية القيادة لمنهاج التربية الأخلاقية موضع التطبيق.
ومن ذلك أيضاً ما تقدمه هيئة دبي للثقافة والفنون (دبي للثقافة)، من رعاية للشباب الموهوب في مجالات المسرح والفنون، في إطار تنظيمها لمنافسات (مهرجان دبي لمسرح الشباب)، إلى جانب جهود دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة من خلال تنظيمها لمهرجان الشارقة للمسرحيات القصيرة، وهو فضاءمفتوح لطاقات الشباب للإبداع في مجالات الكتابة والإخراج والتمثيل. ناهيك عن جهود وزارة الثقافة وتنمية المعرفة الواضحة في هذا المجال، ومبادراتها العديدة مثل: منصة المعرفة التي تتيح فرصة القراءة لأفراد المجتمع من خلال الوصول إليهم في مواقع تجمعهم كالمراكز التجارية، الحدائق العامة، النوادي، ونقرأ للإمارات، جائزة لكتابة القصة، إعداد المؤلفين الشباب، مكتبات المقاهي، وغيرها من المبادرات التي تؤسس لشباب واع مثقف.
تبذل حكومة الإمارات جهوداً حثيثة لتمكين الشباب من مختلف الجوانب، وهذه المساعي في الواقع ليست بجديدة، وإنما تسير في نسق متواصل واستراتيجية ممتدة نابعة من الإيمان بقدرة وعزيمة هؤلاء الشباب في المشاركة في مسيرة البناء والتطوير، ومن هنا وفرت لهم الفرص التعليمية المتميزة في إطار سياسة تعليم واعية لمستجدات وتحديات العصر، كذلك توفير الدعم للشباب الإماراتي في مجال ريادة الأعمال والمشاريع من خلال دعم عدد من الصناديق المالية: صندوق خليفة، جائزة محمد بن راشد لدعم مشاريع الشباب، مؤسسة محمد بن راشد لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مسابقة التاجر الصغير. ثم البرامج المعتمدة من مؤسسات الدولة لتوفير الوظائف للشباب، ومنها: المختبر الابداعي، مساعد المعلم، كفاءات ومشاريع التطوير الوظيفي، بالعلوم نفكر. هذا بالطبع إلى جانب نجاح الاستراتيجية الوطنية لتمكين الشباب بالتعاون بين وزارة الثقافة وتنمية المعرفة والهيئة العامة للرياضة، من أجل تحقيق رؤية الإمارات 2021، وتنص المبادرة على التزام الدولة التام برعاية الشباب وتحديد الأولويات والاتجاهات ومجالات العمل التي تجسد هذا الالتزام، فيما تكمن أهمية هذه الاستراتيجية في تحقيق: تجسير الفجوة بين واقع الشباب ومتطلبات تحقيق أو تنفيذ استراتيجية الدولة في مختلف المجالات، وتمثل الاستراتيجية استجابة عملية لشباب الوطن وتحديداً الفئة العمرية بين 15- 45، إذ تمثل 45% من مواطني الدولة، ثم نشير إلى (مجلس شورى الشباب) الذي تم تأسيسه في الشارقة عام 2010 بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وقرينته سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة، ليكون نموذجاً لتعميم التجربة البرلمانية في أوساط الشباب الإماراتي، ودعم الثقة في المشاركة المجتمعية الفاعلة لخدمة الوطن.
إن إطلاق دولة الإمارات لأول أجندة وطنية، يدعو لمزيد من الفخر والاعتزاز، بهذا المشروع الوطني الكبير الذي يسعى لإطلاق قدرة الشباب القيادية، وتوفير فرص جديدة أمامهم لتحقيق القدرة على الابتكار والإبداع والريادة لتحقيق طموحاتنابمزيد من الرقي والتقدم، وتسعى هذه الأجندة لتعزيز روح الريادة لدى الشباب، وتهيئة البيئة المناسبة التي تتيح لهم تحمل المسؤولية وتحقيق الاستقرار على جميع المستويات، ومن ثم تحقيق الأمن الثقافي المنشود، وهو بدوره القادر على أن يكون حائط صد أمام كل موجات التطرف الفكري والإرهاب بأنواعه. وبعد كل هذه الجهود الصادقة والصافية، لا خوف على شبابنا من مصائد الجماعات المنغلقة المتشددة المضللة، لأن من كان في عقله وعمقه الوجداني والروحي كل هذا الحب لوطنه وأمته ومجتمعه وأهله وقيادته، وكل هذا الشغف بالجمال والإبداع والفنون والكتابة وكل ما هو إنساني شفيف، واحترام ديانات وثقافات وحضارات الآخر، لن يكون في يوم من الأيام إرهابياً.

...........................................
المراجع والهوامش
(1) نعمان عاشور، شباب اليوم، دار التعاون للطبع والنشر والتوزيع، القاهرة، 1975.
(2) الدكتور عزت حجازي، الشباب العربي والمشكلات التي يواجهها، سلسلة عالم المعرفة، القاهرة.
(3) د. محمد علي حافظ، مستقبل الشباب العربي، دار المعارف، القاهرة 1963.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©