دينا محمود (لندن)
أكدت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية واسعة الانتشار، أن دولة الإمارات تشكل نموذجاً يُحتذى به للتسامح الديني، وإتاحة الفرصة لأبناء مختلف الديانات لممارسة شعائرهم بكل حريةٍ، مُبرزةً في الوقت نفسه الاستعدادات الجارية حالياً على قدمٍ وساق لاستقبال قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، خلال زيارته التاريخية للدولة الأسبوع المقبل.
وفي تقريرٍ مطولٍ من دبي، سلطت الصحيفة المرموقة الضوء على الخطوات التي اتخذتها الإمارات على مدار سنواتٍ طويلةٍ، لتذليل أي عقباتٍ تحول دون أداء معتنقي الديانات المختلفة من المقيمين على أراضيها لشعائرهم وطقوسهم من دون قيودٍ من أي نوع، في إطار نهج الوسطية والاعتدال المنبثق من تعاليم الدين الإسلامي.
واعتبرت «وول ستريت جورنال» - في التقرير الذي أعده مراسلها إيسا فيتش - أن هذه الجهود والخطوات تُوِّجَت بإعلان القيادة الإماراتية 2019 «عاماً للتسامح»، وذلك لـ«تعزيز فكرة أنه بوسع الناس مختلفي الثقافات والديانات أن يجدوا أرضية مشتركة» للتحاور فيما بينهم.
وفي التقرير الذي حمل عنواناً فرعياً يقول «الإمارات تحتفي بالتسامح الديني، وتستعد للترحيب بالبابا فرنسيس»، أكدت الصحيفة الأميركية الرصينة أن الزيارة التي سيقوم بها بابا الكنيسة الكاثوليكية إلى الدولة بين يوميْ الثالث والخامس من الشهر المقبل، هي الأولى على الإطلاق لرأسٍ للكنيسة الكاثوليكية - وهو في منصبه - إلى شبه الجزيرة العربية. وأبرزت ما يتضمنه جدول الزيارة من مشاركة البابا في «ملتقى الحوار العالمي بين الأديان حول الأخوة الإنسانية»، تلبيةً لدعوة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
ومن المقرر أن يجري البابا فرنسيس خلال الزيارة كذلك، لقاءاتٍ مع كبار علماء الدين الإسلامي، وفي مقدمتهم فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، الذي سيزور الدولة في الفترة نفسها لكي يحضر بدوره ملتقى «الأخوة الإنسانية»، المقرر عقده في أبوظبي بحضور رجال وعلماء دينٍ من مختلف الديانات والطوائف.
وأشارت «وول ستريت جورنال» أيضاً إلى أن بابا الكنيسة الكاثوليكية سيحيي صباح الخامس من فبراير قداساً في مدينة زايد الرياضية. وحرصت على الإشارة إلى أن المكان الذي سيُقام فيه القداس يستوعب نحو 120 ألف شخصٍ، وسط توقعاتٍ بأن يحضره أكثر من 135 ألفاً، ليكون بذلك أحد أكبر التجمعات التي تشهدها الإمارات، وتُبرز ثراءها وتنوعها الحضاري.
واستعرضت الصحيفة الأميركية في تقريرها أمثلة متعددة، تؤكد مناخ التعددية الدينية والتعايش الحضاري والتسامح القائم في دولة الإمارات، قائلةً إن ذلك «يعكس انفتاحاً على أتباع مختلف الديانات من المقيمين في الدولة».
وألمحت إلى أن ذلك الانفتاح والتسامح ليسا بالأمر الغريب على الإمارات في ضوء أن سلطاتها سمحت بتأسيس الكنائس منذ أكثر من خمسة عقود، وأن الدستور يكفل حرية العبادة لغير المسلمين.
المعروف أن أول جمعية مسيحية تأسست في الإمارات عام 1968، وذلك بعد ثلاث سنوات من إقامة أول كنيسةٍ كاثوليكية في أبوظبي. كما وجد علماء آثار بقايا كنيسة ودير على جزيرة صير بني ياس يرجع تاريخهما للقرن السابع الميلادي. فضلاً عن ذلك، قررت أبوظبي في يونيو 2017 إعادة تسمية أحد أشهر مساجدها باسم مسجد «مريم أم عيسى». وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن الخطوات المُتخذة على صعيد ترسيخ دعائم التسامح والتعايش في الإمارات آخذةٌ في التسارع، مؤكدةً في الوقت ذاته حرص الدولة على توطيد صلاتها مع القوى الدولية «التي تُقدّر حرية العبادة، وتستكشف السبل الكفيلة بتقويض قوة التطرف» الديني.
وتضمن تقرير الصحيفة صوراً تُظهر حشوداً من المقيمين المسيحيين - من جنسياتٍ مختلفةٍ - وهم في طريقهم لأداء شعائرهم في كنيسةٍ بدبي، وخلال تجمعهم للاحتفال بليلة عيد الميلاد أواخر ديسمبر الماضي. كما شَمِل التقرير رسماً بيانياً يكشف عن مدى التنوع الديني في الإمارات، في ظل احتضانها للمقيمين فيها من مختلف العقائد.
وأشار التقرير في هذا الصدد إلى وجود معبدٍ بوذي في إمارة دبي مُخصصٍ للمنتمين لهذه العقيدة من دولٍ آسيويةٍ، مثل سريلانكا وكمبوديا وتايلاند، وذلك بجانب تواصل أعمال البناء في معبدٍ آخر للهندوس.
وفي سياق هذا المناخ الذي تنعم به الأقليات الدينية المقيمة في دولة الإمارات، لم يكن مستغرباً أن يزيد عدد المقيمين الذين يمارسون شعائرهم وطقوسهم دون أي قيود، حسبما أشارت «وول ستريت جورنال»، التي قالت - على سبيل المثال - إن العدد الإجمالي لمن يشاركون في القداديس الأسبوعية التي تُقام في بعض الكنائس بالدولة صار يصل إلى آلاف الأشخاص. وأوضحت أن هذا الجمع الكبير يتألف غالباً من مغتربين قادمين من دولٍ آسيوية وأوروبية وأقطارٍ أخرى في العالم، مُشيرة إلى أن عدد المباني الكنسية المٌرخص بها في البلاد يصل إلى 45 مبنى. وشددت الصحيفة الأميركية على أن الدعوة للتسامح التي تقودها دولة الإمارات، تحظى بدعم مختلف القوى الكبرى في العالم، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، لافتةً الانتباه في هذا الشأن إلى اللقاءات التي عقدها مسؤولو وزارة الخارجية الأميركية مع شخصياتٍ تمثل الجاليات الدينية المقيمة في الإمارات، وذلك «في غمار جهودٍ تستهدف تعزيز التفاهم الديني في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وهو ما يتحقق جزئياً عبر محاربة الإرهاب». ونقلت «وول ستريت جورنال» في تقريرها عن قادة هذه الجاليات الدينية قولهم إن التقدم الجاري في الوقت الحاضر في الإمارات «يُشعرهم بالتشجع، وكذلك بالأمل في المستقبل».