2 يوليو 2011 21:33
تثير العطلات الصيفية الكثير من النقاش حول طريقة استغلال وقت الأطفال والمراهقين والشباب، أما بالنسبة للأطفال فإنه يسهل توجيههم واحتواء وقت فراغهم بانخراطهم نحو المراكز الصيفية سواء الخاصة أو العامة، لتنمية مهاراتهم واكتشاف مواهبهم، ولكن الفئة الأكثر صعوبة في توجيهها هي فئة المراهقين، الذين يلزمهم طرق مختلفة في التعامل والتوجيه لمحاصرة وقت فراغهم واستثماره في ما هو مفيد لهم، ويعود عليهم بالنفع مستقبلاً.
بعد أن تنتهي فترة الدراسة، وتبدأ فترة الإجازة الصيفية، والتي ينمو خلالها “غول الفراغ” داخل الطلبة سواء كانوا أطفالاً أم مراهقين أم شباباً، فنجد بعضهم منعزلين أمام شاشات صماء تحول الابن إلى متلق مشحون بالطاقة السلبية التي تبثها تلك الشاشات، والتي نجحت في عزل أفراد الأسرة الواحدة داخل نطاق البيت الواحد عن بعضهم بعضا.
خطورة كبيرة
تقول الدكتورة علياء إبراهيم خبيرة استشارات أسرية، إنه عندما تحل الإجازة الصيفية، سرعان ما تجتهد الأسرة في توجيه أطفالها لاستغلال أوقات الفراغ استغلالاً مثمراً يعود عليهم بالنفع، وإن مهمة توجيه الطفل إلى استثمار وقته في الإجازة أمر وإن كان صعباً فإنه ممكن، ولكن العقبة التي تواجه الأسرة هي قضية توجيه الأبناء من المراهقين الذين يتسمون في تلك المرحلة غالباً بالعناد والتمرد ومحاولة إثبات الذات والرغبة في الاستقلالية والارتباط القوي بالأصدقاء، بحيث يفهمون أي توجيه بأنه فرض أوامر، وهذا ما يدفعهم للتعنت، كما أن بعضهم، يصف الأهل بالتخلف عن ركب ما يريده وما يطمح إليه وما يفرضه واقعه الآني من تطور.
وترى إبراهيم أن هناك خطورة كبيرة في تعامل المراهقين مع الإجازة الصيفية، بحيث تتبعثر أوقاتهم، وتعرف حياتهم عشوائية كبيرة، أما التخطيط فيظل أمراً نادراً، ورؤيتهم للموضوع أنهم يريدون التخلص من قيود الدراسة وروتين المدارس، ورتابة الحياة، ويسمحون لأنفسهم بتجاوز كل هذه الحواجز ويتخطونها نحو السهر وتعويض ذلك في ساعات النهار.
وتقول إن الفراغ يفتح أبواباً خطيرة جداً على المراهقين إن سمح لهم بالاستفادة منها دون تخطيط مشترك، وبطرق غير مباشرة. وتضيف “الإجازة خاصة الممتدة، ليست وقتاً مقتطعاً من عمر الإنسان بل إنها أهم فترات السنة التي يجب الاستفادة منها بما يحقق التوازن بين الحالة البدنية والنفسية والعقلية، والحقيقة أن هذا التوازن لا يحدث في معظم الأسر، والأسباب عديدة فنحن لا نمتلك ثقافة التخطيط للإجازة والجلوس في حوار يضم أفراد الأسرة ليعرض كل فرد أفكاره عن كيفية قضاء هذه الإجازة الصيفية”. وتتابع “نحن لدينا ثقافة “عشوائية الإجازة”، وأبناؤنا من المراهقين والشباب وقعوا في أغلب الأحيان بين أسر غير واعية بأهمية توجيه طاقات المراهقين والشباب لاستثمار فترة الإجازة الاستثمار الأفضل، وبين مناهج مدرسية لم تؤهلهم لمواجهة واقعهم مسلحين بمهارات حياتية كإدارة الوقت والأولويات، وكيفية تنمية قدراتهم، وصقل مواهبهم، ثم تنتهي مراحل الدراسة ليصبح الشاب خريجاً لا يمتلك مهارات التواصل وفن الحوار وكيفية تنمية الثقة بالنفس بل مجرد اجتياز المقابلة الشخصية، وغيرها من المهارات التي تؤهله لمواجهة الواقع المعاصر.
وتوضح إبراهيم أن هذا نقص في المهارات تعوضه المؤسسات، في ما بعد تخرج الشباب بالتطوير من خلال إخضاعه لبرامج تنمية الموارد البشرية سواء كانت في صورة دورات أو برامج مكثفة ليضيع على الشباب والدولة وقتاً وجهداً ومالاً كان من الممكن توفيرها. وأثبت الدراسات أن ما يصرف على الطالب بعد التخرج في خوض التداريب والدورات المهنية ضعف كلفة الدراسة طوال حياتهم، لذا يجب إخضاعه لبرامج تنمية الموارد البشرية سواء كانت في صورة دورات أو برامج مكثفة، بحيث يمكن توفير الوقت من خلال المدرسة والجامعة، وهو ما يحدث في نظم التعليم في الدول المتقدمة.
عادات سيئة
تشير إبراهيم إلى أن الفراغ هو الذي يفتح الباب أمام ارتكاب بعض المشكلات، أو الفراغ الذي لا يستثمر بالطريقة الصحيحة يعود على المجتمع بالخسارة. وتقول “يجب أن تدرك الأسرة والمؤسسات المجتمعية أن الفراغ الذي يعانيه معظم المراهقين والشباب في فترة الإجازة أمر يمس أمن وأمان المجتمع، فلعل من أكثر ما يثير في النفس الحزن والدهشة، هؤلاء الشباب الذين يسيرون في الأسواق والمراكز التجارية والشوارع لقتل هذا الفراغ الذي يعانونه، وينتج عن هذا التسكع معاكسات وممارسات لا أخلاقية، كما تخلف حوادث السيارات نتيجة السرعة الجنونية التي يقود بها الشباب والمراهقين مركباتهم عاهات مستديمة إن لم تكن قاتلة، وهناك من يمارس القيادة دون الوصول للسن القانونية، ناهيك عن حوادث الدراجات الهوائية والنارية”.
وتضيف أن الفراغ يكسب العديد من العادات السلبية من تدخين بأنواعه المختلفة، ومنهم من يتعرف إلى آخرين يشجعونه على إدمان المخدرات، وإدمان الجلوس في المقاهي وكل ذلك إهدار للطاقات الشابة، الذين هم الثروة الحقيقية للدولة وعماد تقدمها، أما الشعور بالملل والرتابة الناتج عن الكسل واختلال الساعة البيولوجية لديهم يولد نوعا من الرغبة في عمل شيء غير مألوف حتى وإن كان ضاراً، خاصة وأن طبيعة مرحلة المراهقة تفرض على المنتسب إليها الكثير من التغيرات والتي منها الرغبة في المجازفة والمخاطرة، وربما يقوده ذلك إلى التمرد على الواقع ظناً، ومحاكاة بعض الشباب المراهقين المغامرين، ومن المتعارف عليه أن الشباب والمراهقين على الأخص يدفعون بعضهم لارتكاب بعض المغامرات، ويربطون ذلك بالشجاعة والقوة والتحدي، ظناً منهم أنها تحقق لهم إثبات الذات، ولفت الأنظار من قبل الآخرين، واعتقاداً منهم أنها تحقق لهم المتعة، فالمراهقون لديهم ميل واهتمام بالأمور غير المألوفة.
وتضيف “يمضي المراهق يومه ما بين عمل قليل وفراغ طويل يقضيه أمام شاشات الفضائيات والكمبيوتر والموبايل في ظل (تسونامي التطور التكنولوجي) الذي أفرز لنا ثقافة استهلاكية لدى المراهقين والشباب أدت إلى ثقافة أخرى وهي طغيان المظهر على الجوهر، وهذا الإهدار لطاقات الشباب مسؤولية كل أفراد المجتمع؛ لأن عواقبه تمتد لتهدد أمن المجتمع خاصة في ظل الانفتاح والعولمة وتعدد الثقافات وتنوع وسائل الترفيه السلبية، فالوقت هو الثروة التي تختلف عن المال في أنها لا تعوض ولا يمكن ادخارها”، مؤكدة أن الإجازة الصيفية وما يعانيه معظم الشباب والمراهقين من فراغ خلالها، يستلزم من الأسرة والمؤسسات بمختلف أنواعها، وضع خطة لاستغلال طاقات النشء والشباب في كل ما يعود عليهم بالنفع وعلى المجتمع بالأمن والأمان.
إجهاد البدن
توضح إبراهيم أن الإجازة لا تعني إجهاد البدن بالسهر، طوال الليل والنوم طوال النهار وتدمير الساعة البيولوجية للجسم، وتناول المأكولات السريعة، وعدم صيانة الجسد بممارسة الرياضة التي تعود على الصحة البدنية بالإيجاب. وتضيف أن الإجازة لا تعني أن ننسى تقوية علاقتنا بالله عز وجل وشحن الطاقة الإيمانية التي تعود على النفس بالطمأنينة وتزيل عنها القلق والتوتر، ولأن الإنسان اجتماعي بطبعه، فلا يمكن أن نهمل علاقاته الاجتماعية بأسرته وأقاربه وجيرانه وأصدقائه، وكذلك استخدام الإنترنت والتواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا يعني الدخول في علاقات مشبوهة وإدمان “الشات”، بل من الممكن تبادل أفكار إبداعية بين الشباب والتخطيط لأعمال تطوعية وخيرية خاصة مع قرب حلول شهر رمضان الذي تنمو فيه قيم التعاون بين أفراد الأسرة والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، ويمكن استغلال الشبكة العنكبوتية في اكتساب مهارات التنمية الذاتية من تنمية الثقة بالنفس والتخلص من العادات السيئة.
وتقدم إبراهيم مجموعة من المهارات، التي يمكن للمراهق تعلمها في العطلة الصيفية، وتعود عليه بالنفع قائلة إن “تعلم قيادة السيارة للحصول على رخصة، أحد الأمور التي تزيد من الثقة بالنفس، كما أن التحضير لاجتياز اختبارات اللغة الإنجليزية كشرط للقبول بالجامعة فرصة لاستغلال الوقت في اكتساب لغة جديدة، إذ كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يوجه الصحابة لتعلم اللغات الأجنبية، كما أن تشجيع الأبناء في هذه المرحلة العمرية على ممارسة هواياتهم أمر مهما بدلاً من إهمالها بحجة أن الصيف يجب أن يكون بلا عمل”.
وبمناسبة تزامن الشهر الفضيل مع الإجازة الصيفية، تقول إبراهيم “يجب إشراك الأسرة في التخطيط لشهر رمضان وتوزيع الأدوار، كما أن مناقشة المواد الإعلامية التي ستلتف حولها الأسرة فرصة رائعة للترابط الأسري والتكاتف لتحقيق حول هدف واحد، كما أنها فرصة لتنمية الحب العائلي الذي يجب التركيز عليه، خاصة مع المراهقين، ففي غياب ضغوط الدراسة والاستذكار وقلق الاختبارات يمكن مشاركة الأب لابنه الشاب في ممارسة رياضة أو الجلوس إلى الإنترنت للتواصل الاجتماعي العائلي، وهي فكرة تزيد من مساحة الحوار المفقود والذي أوجد فجوة بيننا وبينهم. وتضيف “مشروع الصداقة العائلي يحتاج منا إلى بعض الجهد لنقلل من مساحة التفكك الأسري، فنتحدث مع المراهقة من منطلق أنها زوجة وأم المستقبل، ويمكن أن تمد الأم أواصر الصداقة بينها وبين ابنتها لتنال من خبراتها المنزلية، وفي فتح باب الحوار في المفاهيم التي لديها والتي تتغيب عنها الأم في ظل ضغوط الدراسة والعمل”.
وتوضح إبراهيم أن الإجازة الصيفية فرصة جيدة لتتبني مراكز الناشئة والشباب دورات تكسب المراهقين مهارات التعامل مع المواد الإعلامية التي تبث عبر الفضائيات، وكذلك المواد التي تبث عبر المواقع الإلكترونية، بما يتناسب مع منظومة القيم في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية؛ لأن مثل هذه الثقافة تسهم في تقوية جهازهم المناعي ضد هذا الغزو الإعلامي والتكنولوجي.
منافسات شبابية
تتساءل علياء إبراهيم: لماذا لا تتبني المؤسسات الإعلامية برامج مسابقات تستهدف المراهقين والشباب للمنافسة في مجالات الإنشاد والإذاعة وتلاوة القرآن والكتابة وتصميم الأزياء والاختراعات؟ موضحة أن هذه المواهب تشجيعهم وتسليط الضوء عليهم. وتقول إن جميع المؤسسات يجب أن تشعر بالمسؤولية المجتمعية تجاه المراهقين والشباب خاصة في هذه المرحلة التي تواجه فيها الأسرة العديد من التحديات في ظل المتغيرات التي طرأت على المجتمعات العربية.
قيمة العمل
تؤمن الدكتورة علياء إبراهيم، خبيرة استشارات أسرية بضرورة إعلاء قيمة العمل في نفوس الشباب؛ لأن المستوى الاقتصادي للأسرة لا يعني أن يحصل الشاب على كل ما يريد دون مجهود، ولذلك فإن توفير فرص التدريب للشباب يسهم في صقل شخصياتهم وتطوير قدراتهم واستثمار أوقاتهم للإحساس بنوع من المسؤولية، داعية إلى فتح العديد من المجالات أمام المراهقين من الجنسين لتفريغ طاقاتهم من خلال الأنشطة كافة التي يتم تحديد برامجها بصورة غير تقليدية، وأن يتم تدريب القائمين على هذه المراكز على إحداث أساليب التعامل مع هذه المرحلة العمرية، كما يجب نشر ثقافة التطوع بين المراهقين والشباب ليعتادوا المشاركة والتعاون والعمل داخل فريق ويجب تشجيعهم بالوسائل كافة؛ لأن مثل هذه البرامج تنمي قيمة الانتماء لديهم.
المصدر: أبوظبي