أشرف جمعة (أبوظبي)
تشكل الحرف التراثية وجه الماضي، فهي عنصر أصيل من عناصر الموروث الشعبي الإماراتي، وتظهر بجلاء جانباً من كيفية تعامل الآباء والأجداد مع مدى حاجتهم إلى ابتكار وصناعة بعض الأشياء التي تساعدهم على تلبية مطالبهم، ويحتضن مهرجان سلطان بن زايد التراثي في نسخة هذا العام مجموعة من الحرف الإماراتية التي توثق رحلة الآباء والأجداد في سباقهم مع الحياة، وقد اشتمل ركن الحرفيات في المهرجان على وجود عدد من الحرفيات اللواتي يقدمن ورشاً يومية حية للجمهور بشكل يومي يتفاعل معها الكبار والصغار، وهو ما يمثل جملة من الأهداف، خصوصاً أن المحافظة على الموروثات الشعبية تجسد معاني الهوية وقيم الولاء والانتماء، ومن ثم جعل الجيل الجديد على صلة بعناصر الموروث الإماراتي الذي يزخر بالكنوز، ويعبر عن مدى حرص الجيل الماضي على وضع أسس للحياة العملية، وقد توافد الكثير من الزوار على ركن الحرف في المهرجان الذي يحظى برعاية كريمة من سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس الدولة رئيس نادي تراث الإمارات.
مسيرة الإنجازات
تقول بخيته الفلاسي، مديرة مركز أبوظبي النسائي، التابع لنادي تراث الإمارات: «تشكل الحرف التراثية تاريخاً عريقاً في الدولة، وأن العديد من الحرفيات يؤدين دوراً مهماً من أجل الحفاظ على موروثات أصيلة، ارتبطت بزمن الآباء والأجداد طويلاً»، موضحة أن المهرجان يفسح المجال أمام العديد من الحرفيات، من أجل تقديم ورشات حية أمام الجمهور، تتسم بالمهنية والحرفية والقدرة على شرح مفردات أصيلة في التراث الوطني، وتبين أن الزوار من مختلف الأعمار يتابعون الحرف الشهيرة، وكيف تعمل الحرفيات على السدو وعلى الكاجوجة ومن ثم تشكيل الخوص، فضلاً عن الغزل بأنواعه، وهو ما يجعل من هذه الورش منصة لتعليم الصغار فنوناً أصيلة، تنبع من الحياة القديمة وطبيعتها الرحبة حتى غدت هذه الحرف تراثاً يستضاء به في المسيرة الحافلة بالإنجازات، والتي تتعلق بالحفاظ على الموروثات الشعبية العريقة.
وتذكر الفلاسي أن طلاب المدارس لديهم شغف بحضور الورش، ومن ثم تجريب العمل على الأدوات التقليدية، وكل الأعمال التي تقوم بها الحرفيات مستوحاة من الماضي، وتماثله تماماً، وأنه يتم استخدام الأدوات التقليدية التي تعبر عن طبيعة كل حرفة، وخاصة أن المهرجان يوثق لحظات باهرة في سجل حياة الآباء والأجداد الزاخرة بكل جمال، ويساهم في رفع الوعي بمحطات تراثية مهمة في المسيرة الحضارية. وترى أن تدفق الجمهور على الورش التراثية التي تقدمها الحرفيات مستمر في ظل الجهود المبذولة داخل أروقة المهرجان، والتي تشجع الجميع على العمل من أجل نشر القيم والتقاليد الأصيلة.
خيوط التليوأوضحت شريفة خادم سيف أن خيوط التلي ستخدم للزينة، وأن العمل على الكاجوجة يحتاج إلى حرفية وصبر، وأنها تعمل في هذه المهنة منذ زمن بعيد، وأن الزوار يأتون إلى منطقة الحرف، ويجلسون أمام الحرفيات، من أجل التعرف إلى طبيعة كل حرفة واكتشاف الأسرار، خصوصاً أن الموروث الشعبي الإماراتي يزخر بمقومات حضارية، ويمتلك مفردات واسعة في الحياة، وهو ما يجعل خوض التجربة يحقق لدى الجميع فرحة عارمة، وترى أن الحرف الإماراتية الأصيلة تجذب الزوار، في ظل المهرجانات التراثية التي تحافظ على كل ألوان الموروث.
وأشارت إلى أن التلي يعد من أشغال الزينة المعروفة قديماً في البيئة الإماراتية، ويستخدم لتزيين ملابس النساء عند أكمام الثوب ورقبته، وبالنسبة لخيوط التلي فإنها تستعمل من خلال ست بكرات من خيوط الحرير الصافي والخوص الذي يضفي الأناقة على الملابس النسائية كافة، مبينة أنها ورثت هذه الحرفة عن أمها وأتقنتها، وأنها تعمل على الكاجوجة بشكل مباشر أمام الزوار الذين يتفاعلون مع هذا اللون الأصيل من الحرف التقليدية.
آلة السدو
وتذكر عفراء المنصوري، التي تعمل على آلة السدو، أن السدو من الحرف التقليدية التي عملت بها المرأة الإماراتية منذ القدم، لتلبية الحاجات الضرورية لسكان البادية، ولتوفر المواد الأولية اللازمة لهذه الحرفة، والمتمثلة بالدرجة الأولى بوبر الإبل، وشعر الماعز، وصوف الغنم، يقصد بالسدو حياكة أو نسج الصوف، وهو كجميع الحرف والصناعات اليدوية يعتمد في أدواته ومعداته، وخاماته على البيئة المحلية، ومنه صنع أهل البادية بيوت الشعر، وأثاث المنزل كالأغطية والسجاد والوسائد، وزينوا إبلهم وزخرفوا أسرجتها وأحزمتها وإخراجها بأشكال وألوان جميلة، وتبين أن السدو شكل بتصاميمه المختلفة، وزخارفه وألوانه الزاهية، أشكالاً تراثية يتجلى فيها الإبداع الشعبي الإماراتي في أجمل صورة، وهو من بين الحرف اليدوية التي كانت قادرة على توفير المنتجات اللازمة لإنتاج عتاد الإبل والخيل، والمفروشات التقليدية، لا بل إمكانية المضي في تطويره لإنتاج المنتجات التقليدية بأساليب ونقوش مطورة ومبتكرة.
ولفتت إلى أن حرفة السدو في مجتمع دولة الإمارات قديمة قدم الجماعات البدوية التي عاشت على أرضه، وأنها من أبرز أنشطة المرأة في الحياة الاقتصادية، ومثال واضح على التكيف والإبداع، إذ تتم صناعة السدو بجز الصوف وقص شعر الماعز وجمع الوبر من الإبل، تليها مرحلة فرز الصوف وتصنيفه تبعاً للألوان والأطوال، ونفشه، ونفضه بالضرب لتخليصه مما علق به من نباتات وأشواك وأتربة، وغير ذلك من الأوساخ، ومن ثم تمشيطه وتسليكه بالقرداش أو المنفاشة، ليكون جاهزاً للمرحلة الأخرى التي يتم فيها غسله ثلاث مرات أو أكثر بالماء البارد أو الساخن مع إضافة الطين أو الرماد أو مسحوق نبات السدو أو الصابون، وغيره من مواد التنظيف التي كانت معروفة سابقاً، أما حالياً فتستخدم المنظفات الحديثة. بعدها ينشر الصوف على الحبال أو بيت الشعر أو على البسط لمدة يومين أو أكثر. وفي المرحلة الثالثة يُشرع في غزل الصوف والشعر أو الإبل وتحويله إلى خيوط متينة.
سف الخوص
كما لفتت سعيدة عوض الواحدي إلى أنها تعمل في مهنة سف الخوص منذ سنوات طويلة، لافتة إلى أن حرفيات لديهن خبرة في الاستفادة من كل جزء من أجزاء النخيل، وهي عادة النساء قديماً، حيث ابتكرت السلال والحقائب والمهفات «المراوح» والحصير «البساط»، وغيره باستعمال الخوص المعروف بسعف النخيل، إذ كن يغسلنه ويشرخنه ويصبغنه بألوان مختلفة ثم يحولنه إلى جدائل متشابكة تقص زوائدها لتصبح «سفة» أي على شكل نسيج ينتج منه أجمل المشغولات اليدوية، موضحة أن الزوار، وبخاصة الصغار، ينجذبون لهذه الحرفة التي تتشكل وفق قواعد معينة، وأنها تغزل أمام الزوار بشكل حي، وهو ما يعمق العلاقة بين الجيل الجديد ومفردات الموروث.
تدريب على السدو
يقدم المهرجان لزواره مجموعة من الورش التفاعلية، التي تركز على تعليم الحرف، ومنها ورش السدو التي تحظى، بإقبال كبير، بالإضافة إلي ورش الحرف المرتبطة بالحياة البحرية.
وأشار يوسف أحمد علي، مدرب تراثي، إلى أن صناعة مراكب الصيد القديمة يتقنها الكثير من الحرفيين في الإمارات لكون البحر عاملاً مهماً في حياة البحارة في الماضي الذين استخدموها في أسفارهم وتجارتهم، وبحثهم الدائم عن مصادر الرزق، حيث العمل في مهنة صيد السمك والبحث عن اللؤلؤ، ويذكر أن المهرجان يعرض نماذج لهذه المراكب، حيث إن صانع المراكب عرف في الماضي بـ«الجلاف» وصناعتها بـ«الكلفات»، وما تتضمنه من سد شقوقها وإدخال المسامير والزيت والقار.
ندوة تناقش العادات والتقاليد
شهد السوق الشعبي في المهرجان ندوة تراثية حول العادات والتقاليد الإماراتية الأصيلة، حضرها عدد كبير من جمهور المهرجان وطلبة المدارس والمهتمين بثقافة التراث، وتحدث فيها الشاعر محمد بن يعروف المنصوري عن سيرة الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وجهوده في المحافظة على تراث الدولة ونشره على المستوى العالمي، كما تحدث عن دور سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس الدولة رئيس نادي تراث الإمارات، وسيره على نهج ومدرسة والده الشيخ زايد، رحمه الله، في المحافظة على الهوية والشخصية الإماراتية، وأهمية تكريس العادات المستمدة من روح مجتمع الآباء والأجداد في نفوس الناشئة والشباب، كما تحدث المنصوري عن أهمية المهرجان، الذي يؤكد رسالة الإمارات في تعزيز مفهوم التراث ونشرها، ويعكس في الوقت ذاته مظاهر أصيلة من حياة مجتمع الآباء والأجداد.
وعلى هامش الندوة، قُدمت فقرات وورش تدريبية للحضور حول الحرف اليدوية، لإلقاء المزيد من الضوء على التراث الإماراتي وأهميته في تشكيل ملامح المجتمع والحفاظ على هويته، وتشجيع الصناعات المرتبطة بالحرف التقليدية، ومن ذلك ورشة سف الخوص، وورشة حول فن التلي وورشة حول الزي النسائي الإماراتي.
عقب ختام الندوة المفتوحة، قام الدكتور عبيد علي راشد المنصوري، نائب رئيس اللجنة العليا رئيس اللجنة الإعلامية في المهرجان، بتكريم عدد كبير من الطلبة المنتسبين، وذلك تقديراً لحضورهم فعاليات المهرجان، ثم التقط معهم الصور التذكارية على خشبة المسرح المفتوح بالسوق الشعبي، وثمن الدكتور المنصوري في كلمته جهود سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس الدولة رئيس نادي تراث الإمارات في المحافظة على الموروث والهوية الوطنية.