الجمعة 11 يوليو 2025 أبوظبي الإمارات 34 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نصف مليون قتيل وأعمال تخريب في ثورة «الزنج»

نصف مليون قتيل وأعمال تخريب في ثورة «الزنج»
29 يونيو 2015 21:05
أحمد محمد (القاهرة) تولى العباسيون الخلافة بعد سقوط الدولة الأموية، وحكموا خمسمئة وأربعاً وعشرين سنة، وتعاقب على الدولة سبعة وثلاثون خليفة، وشهدت عدداً من الحوادث المهمة في مقدمتها تلك الثورة التي كادت تعصف بالدولة الإسلامية وتسقطها، والتي استمرت أكثر من أربع عشرة سنة، دخلت فيها الدولة عشرات من الحروب والمعارك للقضاء عليها، وقتل خلالها أكثر من نصف مليون إنسان، واستنزفت أموالاً طائلة، الا وهي «ثورة الزنج». والزنج هم جماعات من العبيد السود كان العباسيون يأتون بهم من أفريقيا الشرقية للعمل في استصلاح الأراضي بين مدينتي البصرة وواسط، وكان عددهم كبيراً بالآلاف ويعملون في جماعات ويعيشون وضعاً سيئاً، ولا يتقاضون أجوراً يومية، وكانت تؤخر أجورهم، ولا يعطون كفايتهم من الطعام. العمال الفقراء كانت البصرة أهم المدن في جنوب العراق، المشحون بالرقيق والعمال الفقراء الذين يعملون في مجاري المياه، ويقومون بكسح السباخ والأملاح، لتنقية الأرض كي تصبح صالحة للزراعة. في السنة 255 هـ ظهر رجل بالبصرة زعم أنه ينسب لعلي بن أبي طالب، ولم يكن صادقاً، بل كان أجيراً واسمه علي بن محمد بن عبد الرحيم، وأصله من قرية من منطقة الريّ، أخذ في دعوة الزنج العبيد، وكلمهم عن الحرية والعدل والمساواة وتوزيع الأموال بين الناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستخدم ملته الكاذبة بآل البيت، ليخدع الجهلة من الناس، فالتف حوله جماعة من الزنج، وعبر بهم دجلة ولم يكن عددهم كبيراً وإنما لا يزالون قلة، ففكر في توسيع قاعدته. وانتقل هذا الكاذب الخبيث إلى بغداد ليدعو لثورته، وقال لأصحابه إنني أحفظ سوراً من القرآن في ساعة واحدة جرى بها لساني من غير أن يحفّظها لي أحد، وزعم أنه يعلم ما في ضمائرهم، وأن الله يطلعه على ذلك، فراج أمره في بغداد على الأغبياء والجهلة، فكثر جمعه، وعاد بهم إلى البصرة وأخذ في الاصطدام مع «والي» المدينة، وانتصر عليه مرات عدة، وهُزم هو عدة مرات، ولكنه كان قوي العزيمة ثابت الرأي، وحتى يستميل الناس إليه لم يكن يتعرض لأموالهم، ولا يؤذي أحداً، وإنما يأخذ مال السلطان، فقوي شأنه واستفحل أمره. خطورة الرجل شعر الخليفة العباسي المعتمد بخطورة هذا الرجل، فأرسل إليه عدة جيوش لمحاربته، ولكنه انتصر عليها، ثم انتقل هذا الخبيث بثورته إلى فارس ليدعو الناس، ومكث هناك فترة حتى جاءته الأخبار بأن أهل البصرة قد اتسعت أملاكهم وكثرت أموالهم ومؤنهم، فقرر الهجوم عليها. هجم ومن تبعه على البصرة فدمروها تدميراً كاملاً، وأحرقوا جامعها وقتلوا من فيها من الرجال والعلماء والأعيان، وهرب والي المدينة ومن معه وتركوا أهل المدينة لمصيرهم المحتوم، ونادى أحد أمرائه في أهل المدينة، من أراد الأمان فليحضر، فاجتمع عنده خلق كثير، فغدر بهم وأمر بقتلهم جميعاً، واستخدم الزنج كلمات «الشفرة» للإشارة بينهم إلى القتل، فيحملون على الناس بالسيوف، وظلوا يفعلون ذلك عدة أيام، وحرقوا الزروع والكلأ، وقُتل في هذه الواقعة عشرات آلاف من المسلمين، وكانت إيذاناً باندلاع الثورة الشاملة للزنج وظهور قوتهم بشكل علني ضد الخلافة العباسية، واستمرت الثورة قرابة خمسة عشر عاماً، ونجحت دعوته لأنه دعا لتحرير العبيد من الرق، لأنهم بعد إيمانهم لم يعودوا عرضة العبودية. دولة مستقلة وفي عشرات المعارك التي وقعت بين الدولة العباسية والزنج، كان النصر غالباً للزنوج، وتأسست لهم كثمرة لهذه الانتصارات، دولة مستقلة قامت فيها سلطتهم وطبقت بها أهدافهم، وبلغت درجة من القوة فاقت بها كل ما عرفته الخلافة العباسية قبلها من أخطار وثورات. أقام هؤلاء الثوار لدولتهم عاصمة، سموها «المختارة»، في منطقة تتخللها فروع الأنهار، كما أنشأوا مدناً أخرى عدة، وضمت دولتهم قرى ومناطق كثيرة مثل البحرين والبصرة والأهواز والقادسية وواسط والمنصورة والمنيعة وعبدان وأغلب سواد العراق. فشلت ثورة الزنج في أن تكون ثورة اجتماعية، بسبب الجرائم الوحشية التي ارتكبوها من اغتصاب واسترقاق النساء الكريمات وسلب ونهب وقتل مئات الآلاف والاعتداء على الأطفال والشيوخ وتدمير للمدن والنيل من صرح الحضارة الإنسانية، وإن كانت الثورة قد لفتت انتباه المجتمع الإسلامي إلى حقوق العبيد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض