19 يناير 2012
لا أحد يشكك في موهبة وقدرات محمد سعد الذي حصدت أفلامه الملايين، واستطاع أن يفرض لسنوات أسلوبه الخاص في الأداء من خلال نوعية من الكوميديا تفرد بها، وفي أحدث أفلامه السينمائية “تك.. تك.. بوم” للمخرج اشرف فايق، وبطولته مع درة ولطفي لبيب ومحمد لطفي وجمال إسماعيل وسليمان عيد، حاول سعد تجنب بعض الأخطاء ليستعيد مكانته بعد غياب عامين عن الساحة، واختار فكرة للمنتجة إسعاد يونس مواكبة للأحداث التي مرت بها مصر، وهي فكرة اللجان الشعبية والدور الذي لعبته بعد ثورة 25 يناير، ولكنه استهلك طاقته في ممارسة “السبع صنايع”، ويبدو أن هناك عناصر أساسية مهمة وضعتها إسعاد يونس كأساس للسيناريو قبل أن تطلق العنان لسعد الذي تولى تأليف الأحداث، ومنها الثورة المضادة والخلط بين الثوار والبلطجية ومحاكمة بعض الثوار على أنهم بلطجية، والانفلات الأمني، والتعدي على المستشفيات، وهروب المساجين، وبين كل تلك العناصر المهمة نسج محمد سعد أحداث الفيلم.
تخلى سعد عن “الليمبي” شكلاً واسماً، لكنه لم يتخل عن روحه وحركاته وإيماءاته في شخصية “تيكا” تاجر البمب، وقدم نموذجاً لشاب مكافح مطحون يجد صعوبة في تحقيق أبسط أحلامه، ومع يوم زفافه على حبيبته وجارته “قطيفة” درة تندلع أحداث الثورة ويهاجم البلطجية واللصوص المنطقة الشعبية التي يعيش فيها “تيكا” وجيرانه، ويتعرض أحد جيرانه، وهو “جورج” لطفي لبيب صاحب محل الذهب للاعتداء، وتستولي عصابة “شلضم” محمد لطفي على المصوغات والنقود، ويصاب “جورج” بطلق ناري، ويظهر “تيكا” بطولة وشجاعة وينجح في إنقاذ حياة “جورج” وأسرته، ويتآلف أهل الحي الشعبي، ويجتمعون في المسجد لوضع خطة للتصدي للبلطجية، ويرشحون “تيكا” ليصبح مسؤول الحماية الأول ويعاونه الجميع.
أسئلة معلقة
يطرح الفيلم العديد من الأسئلة التي ما زالت حائرة على ألسنة المصريين جميعاً؛ بعضها على لسان “تيكا” محمد سعد نفسه، وهو يسأل شيخ الجامع جمال إسماعيل: هل ستنتهي تلك الحالة سريعاً أم سنظل فترة طويلة نعاني حتى نصل إلى بر الآمان؟
وتأتي الإجابة من الشيخ الخبير: “العدل أساس الملك”، أما بقية الحوار فهو يغيب وسط صخب الأحداث المتتابعة، وتظل “قطيفة” تنتظر إتمام زفافها وتحول الأحداث الساخنة دون ذلك، مما يفجر العديد من المفارقات الكوميدية. تتوالى الأحداث ويرصد الفيلم الجو المشحون والخوف وانتشار الشائعات المسمومة ليقدم تبريرات - غير منطقية وغير محبوكة درامياً - لاعتداء بعض الثوار على رجال الأمن، بسبب شائعة مغرضة وراءها “شلضم” وعصابته بأن بعض البلطجية استولوا على سيارات الشرطة، ويرتدون ملابس الضباط والجنود وينوون اقتحام الحي. يقرر “تيكا” وسكان الحي أن يبادروا بالهجوم على أي سيارة شرطة تقترب من الحي.
معروف أن الفيلم تمت كتابته في زمن قياسي، وأراد محمد سعد والشركة المنتجة رصد أحدات الثورة في أول فيلم كوميدي مما جعل الفيلم يهتم بتسجيل الأحداث الواقعية من دون العناية بالحبكة الدرامية، وخلق المواقف الكوميدية القوية التي تفجر الضحك من القلب، ولولا أن محمد سعد يصر على أن يضع يده وبصمته في كل التفاصيل ليظهر الفيلم بشكل أكثر جاذبية لرفرفت روح الكوميديا التلقائية إذ تولى مسؤولية السيناريو سيناريست محترف يملك خيالاً واسعاً في الكتابة الكوميدية.
تنتهي الأحداث بعد أن قدم سعد شخصيته الأولى “تيكا” الشاب البسيط بائع البمب والثانية ضابط السجن المتعجرف “رياض المنفلوطي” والذي جاءت على لسانه عبارات ذات دلالة مباشرة مثل: “النظام القديم” و”الشرطة في خدمة الشعب بس بالأدب”.
سعد كما يحب
قدم المخرج أشرف فايق “محمد سعد”، كما يحب سعد دائماً بحركات ولزمات “الليمبي” نفسها مع إضافة بعض المشاهد الإنسانية أو الميلودرامية، ولم تظهر بصماته في تغيير طريقة أداء سعد، وجاء أداء درة لشخصية الفتاة الشعبية البسيطة تلقائياً، وأضافت بحضورها وخفة ظلها حيوية كسرت الملل وتكرار فكرة عدم إتمام زفافها على عريسها “تيكا” الذي أصبح بطلاً شعبياً. أمأ لطفي لبيب، فقد تألق في المساحة المحدودة التي أتيحت له كعادته، وظلم محمد لطفي نفسه بدور “شلضم” الذي لم يضف لرصيده شيئاً، ومنح جمال إسماعيل بريقاً لدور شيخ الجامع والذي لا يتعدى مشاهد محدودة.
ويطل اسم مدير التصوير عاطف المهدي بشكل واضح كأحد الأبطال الرئيسيين، فقد استطاع تقديم صورة سينمائية جذابة من خلال توظيف الإضاءة والظلال في مشاهد الحارة الضيقة، ومشاهد القلعة والسجن، ونجح مهندس الديكور سامح الخولي في إضفاء الصدقية بلمساته الفنية، وانسابت الموسيقى التصويرية لمادي في تناغم مع الأحداث رغم تجاربها السابقة المميزة، وتبدو المونتيرة مها رشدي غير مطلقة اليدين وهي تتعامل مع الشريط السينمائي، فلم تتمكن من إجراء النقلات السريعة التي تحفظ للفيلم إيقاعاً مناسباً.