فاطمة عطفة (أبوظبي)
«أينما حملته خطاه، يكنْ سموُّ سماه، ووضوح سمته، سأقول القصيدة أو لا أقول/ سأقول القصيدة كالموت ضيقة/ وكالموت فضفاضة/ وأبكي، فقد يكتب الدمع مطلعها المستحيل».
بهذا المقطع الشعري للشاعر الراحل حبيب الصايغ، استهل سامح كعوش محاضرته عن «شعرية حبيب الصايغ»، في أمسية أقامها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في أبوظبي، مساء أمس الأول، وقدمتها الشاعرة نجاة الظاهري التي فتحت الباب للدخول في عوالم الشاعر الراحل، معلنة أن «الكتابة رحلة استكشاف عميقة لجوانب الصايغ».
ومن ثيمة الموت، بدأ كعوش رحلة تأملاته في إبداع الشاعر الراحل، معتبراً أن «البداية مع الصايغ تبدأ دائماً بالموت، الموت الذي يؤسس لحياة أخرى، يبني عوالم ما بعد الخراب الجميل، ويؤنسن الأشياء بوحدة الانمحاء، أو الإمحاء القسري الذي يمارسه الصايغ لكل كائنات الحبر والبشر والورق»، مشيراً إلى أنها «لعبة الخلود عند الصايغ، مؤامرته ضد الحياة، محوه لكل ما كان لأجل ما سوف يكون، كما في طقوس الخصب والولادة في الأساطير والميثولوجيات القديمة، وهو العربي فيبقى الأقرب إليها، والأقدر على التماهي بها، وإن برمزيات التشكيل اللوني الحداثي، أو لعبة الأضداد سبيلاً إلى الخلود الكلي والبقاء الشعري في المطلق».
ثم أورد مقطعاً من قصيدة «البطريق» للصايغ، مشيراً إلى ما فيها من دلالات بقوله: علاقة جدلية يرسخها نص الصايغ في مساحة الشعر الذي يتجه إلى الإجابات تواً، فلا الموت موت ولا الحياة شكله البدائي، بل إن الموت الذي يشكل الهاجس الأول لدى الصايغ ظاهرياً، كأن تتكرر مفردة الموت في فعل يموت/ تموت عشرين مرةً في نص واحد، هو قصيدته (رسم بياني لأسراب الزرافات)، موضحاً أن «هذا ما هو إلا احتيال الشاعر على موته(...) هي حكاية الشعراء الذين يحتفلون بالموت في سبيل الخراب/ التجدد/ الحياة الأخرى/ العالم كما يكتبونه هم، والذين يعترفون بقدرة الموت العليا، ولكنهم يعلمون أنه دربهم إلى الخلود، ولهذا لا يؤخرونه إلا قليلاً».
أما الثيمة الثانية في شعرية الصايغ فهي «الحرية»، يقول كعوش: «إن حبيب الصايغ موارب ماهر، ينشد الحرية في أقصى حالاتها، ولا يقبل بأقل من ذلك، حتى لو كان ذلك الإنشاد نشيداً للإنشاد المنبثق من اندماج عجيب على يدي الصايغ بين الفلسفة والشعر والميثولوجيا، جامعاً بين النظريات التي اختلفت، والأخرى التي ائتلفت، في نشوء الكون، والموت الذي يعني حياة أبقى وأطول في عوالم الخلود، ويستند في كل ذلك إلى كم الأساطير التي أرخها في القصيدة».
ولفت كعوش، أن الصايغ «عرف من أين تبدأ القصيدة، ليقول إنها لا تبدأ من هنا بل من هناك، وليضع كلامه بين قوسين، وهما كلاهما حتفه وفتحه الجميل».