1 يناير 2012
سلك العاهل المغربي الملك محمد السادس طريق الدستور لامتصاص غضب الشارع الذي خرج متاثرا بثورة تونس وبعدها مصر للمطالبة بالاصلاحات والعدالة الاجتماعية، وقرر بعد تصاعد الاحتجاجات من فبراير الى يونيو والتي اسفرت عن سقوط عدد من القتلى والجرحى اجراء اسفتاء في اول يوليو لتعديل الدستور وتعزيز سلطات رئيس الوزراء والبرلمان تبعه انتخابات تشريعية في 25 نوفمبر تصدر نتائجها حزب «العدالة والتنمية» الاسلامي بفوزه بأغلبية 80 مقعدا من اصل 395 وتكليف زعيمه عبد الاله بنكيران برئاسة الوزراء.
بدأت اولى التظاهرات في 11 فبراير حيث خرج حوالى الف من خريجي الجامعات المغاربة في الرباط للمطالبة باستيعابهم فورا في الوظائف العمومية بعد تعليق تحركاتهم التي تزامنت مع «ثورة الياسمين» التونسية. واستمر تكرار المشهد حتى 20 فبراير حيث عمت التظاهرات الدار البيضاء والرباط مطالبة باصلاحات والحد من سلطات العاهل المغربي، وسقط 5 قتلى في احتجاجات بالحسيمة في اليوم الثاني. واستمرت التظاهرات والتي تحول بعضها الى صدامات في 16 و20 مارس رافعة المزيد من الشعارات تطالب بمزيد من الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
وسط هذه الاجواء، فوجىء المغاربة باعتداء ارهابي دام في 28 ابريل استهدف احد المقاهي بمدينة مراكش مما اسفر عن سقوط 16 قتيلا بينهم 11 سائحا اجنبيا و20 جريحا. وشنت قوات الامن التي كانت اعلنت في 5 يناير عن تفكيك خلية ارهابية واعتقال 27 شخصا يشتبه بانتمائهم الى تنظيم القاعدة في الصحراء الغربية حملة تعقب للمتورطين في الاعتداء بمساعدة عناصر من الشرطة الفرنسية و»الانتربول « وتمكنت في 6 مايو من اعتقال المنفذ الاساسي والذي تبين انه كان طرد من ليبيا والبرتغال بعد أن اقام في البلدين وفشل في السفر للقتال الى كل اماكن التوتر في العالم. كما اعلنت عن اعتقال خلية ارهابية مرتبطة بـ»القاعدة» في 24 سبتمبر.
في 5 يونيو، ومع عودة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بتغيير الحكومة والدستور، اقر العاهل المغربي اجراء استفتاء على تعديل الدستور في 1 يوليو لتعزيز سلطات رئيس الوزراء والبرلمان حيث ايد 98,49% التعديلات الدستورية. وفي 25 نوفمبر، ادلى المغاربة الادلاء بأصواتهم في اول انتخابات برلمانية بعد اقرار الاصلاحات وفاز حزب العدالة والتنمية الاسلامية في مواجهة تحالف موال للملك محمد السادس الذي كلف في 29 نوفمبر زعيم الحزب برئاسة الوزراء وتشكيل حكومة ائتلاف.
شدد بنكيران في الخطوط السياسية العريضة لحكومته على التحديات الاجتماعية التي سيواجهها حزبه الاسلامي الذي يصل الى السلطة للمرة الاولى، وسعى الى طمأنة الجميع عبر تأكيد استعداده للقطيعة مع الماضي. وقال «انه حان الوقت لتحسين كل ما يمكن تحسينه، معددا خمسة قطاعات تحتل اولوية هي القضاء والتعليم والبطالة والصحة والسكن.
وتحدث بنكيران عن الظروف المعيشية الصعبة لحوالى 35 مليون مغربي وارتفاع نسبة البطالة التي تفيد الوكالة المغربية للوظيفة ان نسبتها بين الشباب بين 15 و24 عاما تبلغ 17,6 بالمئة وتصل الى 27 بالمئة بين خريجي الجامعات. ومد بانكيران الذي قال استطلاع للرأي ان اكثر من ثمانين بالمئة من المغاربة «يثقون» به يده الى حركة الاحتجاج في الشارع التي دعت الى مقاطعة الانتخابات الاخيرة، وعبر عن امله في اجراء «حوار في اقرب وقت» مع حركة 20 فبراير بعد تشكيل الحكومة. وطمأن بنكيران الغرب حول الحريات العامة، وقال «ان الاوروبيين مخطئون فانا لن اهتم بالحياة الخاصة للناس»، واضاف «لا تعتمدوا علي للتحقق من طول فساتين النساء ولن نفرض الحجاب على احد.. ان الله خلق الانسان حرا شرط ان يحترم قوانين بلده، وحزبنا لا يخيف..انهم يحاولون تخويف الناس من حزبنا».
واذ تخوف عدد من المستثمرين الأجانب أن تفرض الحكومة الجديدة قوانين إسلامية، قال بنكيران انه أكد في أكثر من مرة أن حكومته لن تتدخل في الشؤون الخاصة للناس لكن في نفس الوقت هناك القانون الذي ينظم حتى في بعض الدول الأوروبية ولا أظن أنه يسمح لإنسان بالتعري في مكان عام». واضاف معلقا على رفض الحزب قبل نحو عامين إستقبال المغني البريطاني التون جون المعروف بمثليته في إحد المهرجانات الموسيقية المغربية الشهيرة «إن رفضه لإلتون جون كان من منطلق أنه قال كلام مرفوض في حق النبي عيسى..وتعرفون أهمية النبي عيسى بالنسبة لعقيدة المسلمين».
وعلق بنكيران على تعيين العاهل المغربي فؤاد علي الهمة صديق الملك من أيام الدراسة والرئيس السابق لحزب الأصالة والمعاصرة الذي أثار الكثير من الجدل قائلا «أظن أن الشوط الأول إنتهى لما خرج الهمة من وزارة الداخلية والشوط الثاني بدأ بدخول الهمة إلى القصر مستشارا»، وأضاف أنه شخصيا يرى الهمة في منصب مستشار ملكي أكثر منه رئيس حزب.
وينظر إلى عالي الهمة على نطاق واسع على أنه من أركان ما يعرف بالمخزن وهو نخبة في البلاط الملكي احتفظت دائما باليد العليا فوق صندوق الاقتراع بتعيين مسؤولين حكوميين وتحديد السياسات الرئيسية. وسينضم عالي الهمة (49 عاما) إلى مجموعة من الوجوه الجديدة التي عينها الملك في الآونة الأخيرة مستشارين له ومن بينهم وزير السياحة في الحكومة المنتهية ولايتها ياسر الزناكي ووزير العدل السابق عمر عزيمان ووزير الداخلية السابق مصطفى الساهل.
وشدد محمد يتيم عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية ايضا على ان الحزب لن يفرض نظاما أخلاقيا متشددا لكنه سيدعم الفنون التي تعكس التراث الثقافي المغربي، وقال «نحن في العدالة والتنمية لا نبالي بالحياة الخاصة للأشخاص وليس من مهامنا التدخل لا في عقائد الناس ولا في تصرفاتهم..أولوياتنا هي تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمغاربة، لكن لابد أن تكون للحكومة الجديدة سياسة في هذا المجال.. لكن لن تكون شرطة الأخلاق مثلا ولن تجبر السياح على ارتداء الحجاب ولن تمنع الناس من شرب الخمر لأن هذه مسائل تتعلق بالإيمان والقناعات الشخصية».