محمود إسماعيل بدر (عمّان)
عاد الكاتب والروائي البرتغالي «كاميلو كاشتيلو برانكو 1825– 1890» مؤخراً إلى المشهد الثقافي العربي، والمكتبة العربية، وذلك بعد صدور ترجمة أنيقة لروايته «حبّ الضياع» بجهد المترجم المغربي سعيد بنعبد الواحد، وصدرت عن المركز الثقافي العربي بالدار البيضاء، ونشرت الرواية للمرة الأولى عام 1861، ووضعت برانكو على قائمة مصاف كبار الكتاب الأوروبيين في القرن 19، وذلك كونها كتبت بنفحة شاعرية رومانسية قوية تجنبت الإفراط في العاطفة، وجعلت من العمل الأدبي نصّاً كلاسيكياً بارزاً بامتياز في القارة العجوز آنذاك. عاش كاتب هذه الرواية حياة مليئة بالمغامرات الغرامية التي فاقت بكثير مغامرات شخصيات رواياته، والتي قادته إحداها إلى السجن. و«حب الضياع» نتاج الفترة المريرة التي أمضاها في الزنزانة، وهكذا تحدث الكاتب عن أعظم رواية حب في الأدب البرتغالي الحديث: (كتبت هذه الرواية في 15 يوماً، كانت أكثر لحظات عمري قلقاً وعذاباً ومرارة)، وقد أجمع النقاد على كون هذه الرواية الشاعرية الإنسانية بمثابة النسخة البرتغالية لروميو وجولييت، إضافة إلى كونها مستقاة من السيرة الذاتية للكاتب نفسه، هو الذي حُكم بسنة سجناً لوقوعه في غرام سيدة متزوجة، هي في الواقع ومن دون أدنى شك أحد أروع روايات الحب الخالدة في الأدب البرتغالي، بل في الأدب العالمي قاطبة، وهي مناداة صريحة لتحرير الحب من متطلبات المجتمع في القرن 19.
وفي روايته هذه وغيرها، ينبش برانكو كعادته في القاع السفلي للريف البرتغالي، كاشفاً عن كائنات بشرية تتخبط في مستنقعات الأعراف والتابوهات، ليصوّر ما تفرضه قيود هذه الأعراف على حياة البشر هناك، ومن خلال قصة حب صاخبة يختزل الروائي الريف البرتغالي بجميع إشكالياته، ذلك أن قصة الحب هذه تفضح ما هو مخبوء خلف الأبواب المغلقة، كما تعرّي هذه المجتمعات المنافقة التي لا تتورع في التخلّص مما يزعجها.
في مسيرة برانكو أنه عاش حياة صاخبة مليئة بالحوادث الغريبة، فيما تتميز رواياته بالطول والإسراف في العاطفة، وإن كان أسلوبها الشاعري بحسب عديد نقاد الأدب فريداً من نوعه، على نحو ما نجده في روايات مثل «أسرار لشبونة» 1854، و «قصة رجل غني» 1861، و «كيف نموت أحراراً» 1862، ما جعل منه رائداً لسببين: أولهما خلقه وابتكاره لجماليات سردية وتخييلية جديدة، وثانيهما تأسيسه مفهوماً أخلاقياً ثقافياً، من خلال كتاباته التي اعتبرت مشروعاً في نقد وخلخلة السائد اجتماعياً والمبني على تهميش الأقليات العرقية.
ويعتبر كاميلو كاشتيلو برانكو أول كاتب محترف في تاريخ الأدب البرتغالي الحديث، حيث كان أول مشتغل بالكلمة يعيش فقط من الكتابة من رواية وقصة وشعر ومسرح وصحافة، ورغم انتمائه المعلن للتيار الرومانسي، فإن أسلوبه يتأرجح بين الغنائية الذاتية التي ميزت الرومانسيين والسخرية اللاذعة ذات الحمولة الاجتماعية والسياسية التي طيعت أعمال كتاب الواقعية والنزعة الطبيعية في القرن التاسع عشر.
ينتمي كاشتيلو إلى عصر ديكنز، وبلزاك، وغيرهما من كتاب ذلك العصر، وقد اعتبر من خلال أعماله رائداً في الصياغة والسردية، والصور الفنية المبتكرة، وخير معبّر عن المشاعر الداخلية للإنسان.