أحمد مراد (القاهرة)
وصف علماء الدين التعايش السلمي بين البشر على اختلاف عقائدهم وألوانهم وأجناسهم بضرورة حياتية لا يستغني عنها الناس في أي زمان ومكان، مؤكدين أن الإسلام بتعاليمه السمحة يرسخ لثقافة التعايش السلمي في ظل التعددية الدينية، حيث اتسع المجتمع الإسلامي على عهد رسول الله ومن بعده على مر العصور الإسلامية لأصحاب جميع الأديان.
وأوضحوا أن الإسلام أسس مبدأ التعايش بين جميع الأطياف والمذاهب المختلفة في إطار من العدل والمساواة والدعوة إلى التعارف والتعاون، وتوطيد العلاقات السلمية بين الناس في الداخل والخارج.
السنن الثابتة
د. محيي الدين عفيفي، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، أوضح أن إرادة الله تعالى شاءت أن تكون التعددية من السنن الثابتة، فقد أراد الله تعالى أن تتعدد الأديان وأن يتعايش الناس في سلام، ومن هنا أصبح التعايش السلمي بمثابة ضرورة حياتية لا يستغني عنها الناس في أي زمان ومكان، مشيراً إلى أن الإسلام تميز برفضه فلسفة الصراع، لأنه يؤدي إلى أن يصرع القوي الضعيف، فيزيله، وينهي التنوع والتعدد والتمايز والاختلاف الذي هو سنة من سنن الله في سائر المخلوقات، رفض الإسلام فلسفة الصراع وأحل محلها فلسفة التدافع الذي هو حراك يعدل المواقف، ويعيد التوازن والعدل، مع بقاء التعددية والتعايش والحوار والتفاعل بين مختلف الفرقاء.
وقال د. عفيفي: من أهم ما يتميز به الإسلام هو احترام إنسانية الإنسان، لأن الله تعالى هو الذي خلقه وأرسل الرسل لهدايته وبيان دوره في إعمار الكون ودعم السلام والاستقرار والرحمة والمحبة، ولقد طبق المسلمون هذا المعيار في العلاقات مع المخالفين، فكان اليهود بدولة المدينة المنورة جزءاً من الرعية والأمة، فقد قررت المواثيق النبوية في هذه الدولة الإسلامية الأولى أن لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين، وعلى المسلمين ما عليهم، حتى يكونوا للمسلمين شركاء فيما لهم وفيما عليهم.
وأضاف د. عفيفي: لقد قرر الإسلام الحرية الدينية التي تحترم إنسانية الإنسان وعقله الذي ميزه الله به، قال تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ...)، ولم يكن الهدف أو المغزى للفتوحات العربية نشر الدين الإسلامي، وإنما بسط سلطان الله في أرضه، فكان للنصراني أن يظل نصرانياً ولليهودي أن يظل يهودياً، كما كانوا من قبل، ولم يمنعهم أحد أن يؤدوا شعائر دينهم، ولم يكن أحد لينزل أذى أو ضرراً بأحبارهم أو قساوستهم ومراجعهم، وصوامعهم وكنائسهم، وقد أكدت السنة النبوية على حرمة دماء غير المسلمين.
سلام وتسامح
ومن جانبه، أوضح د. علي جمعة، مفتي مصر السابق، أن الإسلام أسس مبدأ التعايش بين جميع الأطياف والمذاهب المختلفة في إطار من العدل والمساواة والدعوة إلى التعارف والتعاون، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى? وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا...)، «سورة الحجرات: الآية 13»، كما عمل الإسلام على توطيد العلاقات السلمية بين الناس، قال سبحانه: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، «سورة الممتحنة: الآية 8»، ومنذ أن نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت دعوته تعتمد السلام منهاجاً، والتسامح سلوكاً.
وأكد مفتي مصر السابق، أن الإسلام يرسخ حقوق المواطنة في دولته للمسلم وغيره، فالجميع سواء من حيث الحقوق والواجبات، وهو ما اتضح في وثيقة المدينة التي عقدها الرسول بمجرد وصوله إليها، وهي معاهدة تمثل دستوراً شاملاً يعالج قضايا التكامل الاجتماعي والاقتصادي والعلاقات القانونية داخل الدولة وخارجها، والسيرة النبوية المشرفة تزخر بالأمثلة والروايات التي تؤكد أن الإسلام دين السلام والتعاون والتعايش السلمي، فالدولة الإسلامية في عهد الرسول عملت على مد جسور الحوار البناء والتعايش السلمي داخل الدولة الإسلامية بين مواطنيها على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم، وخارجها في علاقاتها مع دول الجوار، وذلك عبر توطيد العلاقات السلمية من خلال المعاهدات التي أبرمها الرسول صلى الله عليه وسلم مع مختلف القبائل والدول المجاورة، دون اعتبار لاختلاف الدين أو العرق أو اللون، إذ هدف هذه الرسالة العالمية هو الحفاظ على بنية الإنسان جسمانياً وفكرياً وروحياً، ولذلك فرض الإسلام الحفاظ على النفس والعقل والدين والعرض والمال، سواءً كان ذلك له أو لغيره.
ومن أجل الحفاظ على هذه المقاصد عالج الإسلام نزعة الحرب والاعتداء والانتقام في نفس الإنسان المسلم، فنهى عن ترويع الآمنين وقتل المسالمين، ولم يشرع الحرب إلا بغية الدفاع والذود عن حياض الدولة الإسلامية.
نبذ التعصب
أما الداعية الإسلامي، د. خالد بدير، من علماء وزارة الأوقاف المصرية، فقال: جاءت قيمة التعايش السلمي بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى على رأس القيم والأسس التي رسخها النبي صلى الله عليه وسلم عند هجرته إلى المدينة، وذلك من خلال المعاهدة التي عاهد فيها المسلمين وغيرهم من اليهود والمشركين، فشرط لهم وشرط عليهم، وهي تعتبر أول وثيقة عرفتها البشرية لتعزيز حقوق الإنسان وترسيخ قيمة التعايش السلمي.وأضاف: لقد حقق الإسلام قيم التسامح والتعايش والرحمة بصورة واضحة في التعايش بين الأديان والمذاهب المختلفة، على أساس من حرية ممارسة الشعائر الدينية والتخلي عن التعصب الديني والتمييز العنصري، وقد رسخ النبي صلى الله عليه وسلم مبدأ التعايش السلمي بين المسلمين أنفسهم وبين المسلمين وغيرهم على أسس عدة تتمثل في العدالة، واحترام آدمية الإنسان، والبر وحسن العشرة والمعاملة، والمواطنة والتي تعني قبول الآخر والتعايش معه في سلام وأمان، فضلاً عن أن الإسلام ترك للإنسان حرية الاختيار دون جبر أو إكراه على الدين الحق، قال تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ...)، «سورة الكهف: الآية 29».
ثقافة التعايش
د. محيي الدين عفيفي، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، قال: لقد فهم أصحاب رسول الله هذا الدين، وأدركوا اهتمامه واحترامه لإنسانية الإنسان، فلم ينقل إلينا أن أحداً من أصحاب رسول الله اعتدى على كنيسة أو أوصى بذلك، أو حرض على قتل غير المسلمين سواءً كانوا من أهل الكتاب أم من غيرهم.
ويروى أن عمر بن الخطاب كان بالشام، وقد حانت الصلاة وهو في كنيسة القيامة، فطلب البطريق من عمر أن يصلي بها، ولكن عمر رفض لأنه يخشى أن يصلي بالكنيسة، فيدعي المسلمون فيما بعد أنها مسجد لهم، فيأخذوها من النصارى، وكتب للمسلمين كتاباً يوصيهم فيه بألا يصلوا على الدرجة التي صلى عليها إلا واحداً واحداً، غير مؤذنين للصلاة وغير مجتمعين.
وأكد د. عفيفي أن الإسلام بتعاليمه السمحة يرسخ لثقافة التعايش السلمي في ظل التعددية الدينية، فلقد اتسع المجتمع الإسلامي على مر العصور الإسلامية لجميع الأديان، وكفل عملياً حرية الإنسان غير المسلم في ممارسة شعائر دينه، وحرص على الصلات الاجتماعية والثقافية والفكرية وغير ذلك بين المسلمين وأهل الكتاب من النصارى واليهود وأرباب الملل الأخرى ليتعايش الناس في سلام وأمان.