27 يونيو 2011 20:16
كثيرون من يشكون من الأخطاء الدوائية في الممارسات الصيدلانية التي تعد من المشاكل الأزلية التي تقترن لدى كثيرين بأخطاء الأطباء. وإذا كان الواقع يشير إلى نقص في المعلومات الإحصائية عن هذا الجانب، فإن إحصائيات المعهد الطبي الأمريكي (IOM) تشير إلى موت ما بين 44 ألف إلى 98 ألف مواطن أميركي سنوياً بسبب الأخطاء الدوائية، حيث يتم صرف 3 بلايين وصفة طبية في الولايات المتحدة بمعنى أنه إذا كانت الوصفات تصرف بدقة تصل إلى 99.9،% هذا يعني حدوث 3.75 مليون خطأ. إن نسبة 1 % من 3.75 مليون تعني أذية 37500 مريض.
من هذه الحقائق يمكن القول إن الأخطاء الدوائية تعد في مقدمة أسباب الوفيات، حيث يموت بسببها أشخاص أكثر من الذين يموتون في حوادث السير أو بسبب سرطان الثدي أو الإيدز. وبالرغم من صحة استنتاجات IOM فالأهم هو أن الوفيات التي تحدث بسبب الأخطاء الدوائية والتي يمكن تجنبها لا تزال تحدث رغم كل الإجراءات والاحتياطات والتدابير، ربما لأن الأمر يتعلق بالثقافة الصحية وسلوكيات الناس اليومية. والاعتراف بالمشكلة يعد فهماً واقعياً للخطوات اللازمة لجعل استعمال الدواء أكثر أمناً بما يساعد الصيادلة من خلال خدماتهم واهتمامهم بجزء مهم وفعال جداً في الإقلال من الحوادث العكسية للدواء، وبفهمهم لآلية حدوث الخطأ وكيفية تجنب حدوثه فإن لهم الدور الحيوي في ضمان سلامة مرضاهم.
التأثيرات العكسية
يشير الصيدلي عمر عبدالعزيز الجوهري إلى أهم الأخطاء المتعلقة بصرف واستعمال الدواء، تتعلق بالتأثيرات العكسية للدواء الموصوف، فأحياناً تكون استجابة المريض للدواء مضرة له، ولكنها غير مقصودة، وقد تحدث أحياناً تأثيرات عكسية عند سحب الدواء كما يحدث في متلازمة سحب البنزوديازيين، ارتفاع الضغط الارتدادي الناجم عن وقف تناول الكلونيدين الفجائي، أو في حالة الجرعة الزائدة. وعملية استعمال الدواء عامة تتعلق بالعنصر البشري نفسه الذي تقع عليه المسؤولية عند النسيان أو الإهمال أو عدم الانتباه. وعلى الرغم من أن السبب الرئيسي للأخطاء الدوائية يكمن في النظام، فإن مسؤولية كل من المهنيين العاملين في العناية الصحية هي اتخاذ كل الاحتياطات اللازمة لمنع حدوث الأخطاء، والصيادلة هم محور النظام في عملية استعمال الدواء ويجب تشجيعهم على أن يصبحوا فعالين أكثر في الحد من وقوع الأخطاء.
ويضيف الجوهري: “من الأخطاء الشائعة أيضاً استعمال اختصارات غير مناسبة، فالاختصارات الطبية توفر الوقت بشكل كبير لكنها تزيد من خطر وقوع خطأ دوائي عندما لا تستخدم بشكل صحيح. ويتم تأويل الاختصارات بشكل خاطئ، فمن الممكن أن يكون هناك أكثر من معنى للاختصار، أو يكون الاختصار غير مألوف بالنسبة لقارئه، أو يمكن تفسيره بمعنى آخر إذا لم يكن الخط واضحاً.
كما أن هناك مصدرا آخر للخطأ هو استعمال “الفاصلة العشرية” والتي قد تتسبب بجرعة زائدة من الدواء، أو الاعتماد على التعليمات الشفهية التي يجب تجنبها ما أمكن، بالنسبة لبعض الصيادلة لا سيما الذين يعملون في صيدليات معينة فإن هذا جزء من عملهم اليومي، وفي هذه الحالة فإن الأطباء والصيادلة والممرضين يجب أن تكون لديهم الرخصة لتلقي وتلقين التعليمات الشفهية. فقد تتشابه أسماء بعض الأدوية لفظياً، لذلك يجب اللفظ ببطء وبشكل واضح ومميز في حالة التعليمات الشفهية، ويجب تهجئة الأسماء الصعبة لبعض الأدوية، ويجب أن ينقل المتلقي الأوامر حالاً ويتحقق منها ويكررها ثانية للملقن، ومن الأفضل أن يعيد المريض بنفسه التعليمات كي يتم التأكد من أنه فهمها جيداً.
ويتحمل الصيادلة مسؤولية قانونية عن دورهم في صرف الأدوية التي تكتب بشكل غامض أو ملتبس أو غير مقروء، وفي أحيان كثيرة يصعب الاتصال بالطبيب المعالج فضلاً عن مشاكل تعدد اللغات واللهجات واستعجال المريض، وربما لعدم وجود ساحة انتظار للسيارات فقد يحدث خطأ، لكن بشكل عام يجب على الصيدلي عدم وصف دواء بديل أو تغيير الوصفة إلا بعد الرجوع إلى الطبيب المعالج، وفي حالة عدم وجود نوع معين من الدواء ينبغي من الصيدلي التأكد تماماً من تأثير الصنف البديل”.
مراجعة الطبيب
يؤكد مستقيم غلام “موظف” أنه يتأكد تماماً من نوعية وجرعات وتوقيت أخذ الدواء من الطبيب المعالج بعد صرفه من الصيدلية. ويقول: “أحرص على تدوين أي ملاحظة إضافية تُسهل فهم كافة المعلومات عن الدواء لجميع أفراد الأسرة حتى لا تحدث مشاكل. وأقوم بشرح ذلك لزوجتي إذا كانت هي التي تتولى مساعدة الأطفال في تناول الدواء والانتظام فيه”.
ويقول أمجد شلبي، “موظف”: “عادة ما يصعب مراجعة الطبيب المعالج بعد صرف العلاج، لكن هناك تدابير احترازية ووقائية أحرص دائماً على الأخذ بها، مثل سؤال الصيدلي، والتأكد من الدواء والمعلومات المتعلقة به، والكتابة على العلب، ولابد من مراجعة الطبيب المعالج في حالة عدم الحصول على دواء معين، كما أنني أتجنب الأخطاء المحتملة في حالة ازدواج صرف الدواء لأكثر من طفل في الأسرة في وقت واحد بالكتابة الواضحة على العلب حتى لا يحدث خطأ، وأعتقد أن معظم الأخطاء تنتج من الإهمال، أو عدم الاكتراث، ونقص الثقافة الصحية عند البعض”.
من جانب آخر يقول الصيدلي بارديب. س: “معظم المرضى لا يعودون لمراجعة الطبيب بعد أخذ الدواء إلا عندما يكون هناك خطأ ما، لكن نحرص دائماً على شرح الدواء للمريض وجرعته وتوقيتها أكثر من مرة حتى نتأكد من فهمه تماماً، كما نقوم بكتابة الوصفة على العلبة باستخدام الإشارات المفهومة، لكن تصادفنا أحياناً مشاكل في كيفية التواصل مع بعض المرضى من جنسيات مختلفة”.
الصيدلي شمس الدين محمد، يرى أن معظم الأخطاء الدوائية تنتج عن عدم ثقافة المريض ووعيه ولا مبالاته أحياناً رغم أنني أحرص على شرح الجرعة وفاعلية الدواء وتوقيتات تعاطيه بما يضمن استيعاب المريض لما أنصحه به. والأخطاء عادة تكون بسبب السرعة، أو الإهمال، أو عدم وضوح الوصفة، أو لاستعجال المرضى بسبب عدم وجود أماكن انتظار للسيارات، أو لأنهم لا يطيقون الانتظار”.
الوصفة الآمنة
يشير الصيدلي باسم سمير إلى أن سياسة صرف الدواء في إمارة أبوظبي تتم وفق تعليمات هيئة أبوظبي للصحة، والوصفات تُكتب من قبل الطبيب المعالج وفق الاسم العلمي للعقار أو الدواء وليس الاسم التجاري أي وفق المادة الفعّالة في الدواء. وغالباً ما يكون ذلك في حالة المريض صاحب المرض المزمن كالضغط والسكر والقرحة.
أما إذا كانت المادة الفعالة في الدواء غير موجودة ففي هذه الحالة لابد من العودة إلى الطبيب لوصف علاج بديل، لكن من حق الصيدلي صرف الدواء حسب الاسم التجاري من أي شركة بشرط وجود نفس المادة الفعالة.
ويضيف سمير: “إن خبرة المريض وثقافته مهمة في هذا الصدد، ويُراعى سؤال المريض عن تاريخه المرضي أو وجود أمراض معينة تُشكل محاذير تجاه أدوية بعينها لتفادي الأعراض الجانبية، وفي معظم الأحوال يفضل الرجوع إلى الطبيب المعالج، ويُفترض على المريض أن يُخبر الطبيب بتاريخه المرضي، ومن ثم يجب على الطبيب أن يُبصِّر المريض بأي أعراض جانبية محتملة للدواء. وأُناشد هيئة الصحة أن تُجبر كافة الأطباء ولاسيما في المراكز الصحية والمستوصفات الصغيرة أن تُدون كتابة الوصفات “بالكمبيوتر” والابتعاد عن الكتابة بخط اليد كما يتم في المستشفيات الكبرى لتجنب الأخطاء اللغوية في الكتابة ولتحقيق المزيد من الوضوح، واختصار للوقت والجهد بما يُسهل على الصيدلي التعرف على المرض والعلاج نظراً لصعوبة الاتصال بالطبيب المعالج في كل الأوقات”.
ويكمل الدكتور سمير: “يجب أن تتضمن وصفة الدواء التعليمات الكاملة كاسم المريض، والمعلومات المتعلقة كالعمر، والاسم العلمي أو التجاري للدواء بشكل مثالي. وعيار الـدواء، والجرعة وشكلها، والكمية الواجب صرفها معبراً عنها بالوحدات المترية (يجب عدم استعمال وحدات التعبئة مثل زجاجة، أمبولة، أنبوب). وتعليمات الاستعمال وتتضمن طريق الاستخدام وتكرار الجرعات (إن عبارة تناول الدواء حسب التعليمات يمكن أن تكون مبهمة إذا لم تترافق مع تعليمات أخرى من الصيدلي للمريض). والهدف من استعمال الدواء: إن كتابة سبب وصف الدواء يزود الصيدلي بمؤشر إضافي على انه يعطي الدواء الموصوف الصحيح. ومدة العلاج وتعليمات تكرار الدواء. ويجب أن يضع الطبيب في اعتباره خصوصية كل مريض عند اختياره للدواء. إن إنقاص معلومات مثل عمر المريض، الوزن، وظائف الكبد والكلية، المرض المترافق، نتائج التحاليل المخبرية، الأدوية المترافقة (الموصوفة وغير الموصوفة) والحساسية يمكن أن تؤدي إلى أخطاء وتأثيرات دوائية عكسية”.
الخطأ الدوائي
هو أي حادث يمكن تجنبه، والذي قد يسبب أو يؤدي إلى استعمال غير ملائم للدواء أو إلى وقوع ضرر ما على المريض، في الوقت الذي يكون فيه الدواء تحت رقابة المسؤولين في الرعاية الصحية أو المريض أو المستهلك. ويتعلق هذا النوع من الحوادث بكل ما يخص الدواء من عمليات تداول فقد يكون متعلقاً بالمزاولة المهنية، أو بما تقدمه الرعاية الصحية من خدمات ومنتجات، أو بالإجراءات المُتبعة، أو بالأنظمة. ويشمل ذلك وصف الدواء، وطريقة تداول الوصفات الطبية بين الأشخاص المعنيين “الممرض والصيدلي والفني وغيرهم”، واللصاقات الموجودة على عبوات الأدوية، وتعبئتها، وأسماؤها، كما يشتمل على طريقة تحضير الأدوية، وصرفها، وتوزيعها، وإعطاؤها للمريض، وتعليم المريض، والرقابة، والاستعمال”.
مشاكل الخط الرديء
تمت مقاضاة طبيب وصيدلي وصيدلية بعد حدوث حالة وفاة بسبب تعليمات غير واضحة، فقد أراد الطبيب وصف إيزورديل (إيزوسوربيد دي نيترات) 20 مغ كل ست ساعات ولكن بسبب الخط الرديء أخطأ الصيدلي في قراءة الوصفة فقرأها بلبنديل (فيلوديبين: حاصر قنوات كالسيوم مديد المفعول) 20 مغ كل ست ساعات، ونتيجة لذلك فقد مات المريض بذبحة قلبية. فقد ذكر المدعي العام المدني أن الطبيب والصيدلي والصيدلية أخفقوا في تقديم الرعاية الطبية والصيدلانية بالمعايير المنطقية، كان الصيدلي مسؤولاً لأنه لم يسأل عن الخط غير الواضح أو عن الجرعة العالية رغم أن الجرعة القصوى للفيلوديبين وهي 10 مغ كل يوم. ذكرت الصيدلية أيضاً في القضية أنها أخفقت في تقديم الضوابط التي يمكن أن تمنع حدوث الخطأ مثل نظام كمبيوتر يمكن أن يعطي تحذيراً في حال تجاوز الجرعة اليومية القصوى.