26 يونيو 2011 22:14
استُقبل إعلان أوباما بسحب الولايات المتحدة لحوالي 33 ألف جندي أميركي من أفغانستان مع نهاية الصيف المقبل بقلق مكتوم في كل من باكستان والهند، حيث سارع صناع القرار والعسكريون في البلدين مباشرة عقب الإعلان عن القرار إلى دراسة تداعياته وتقييم مفاعيله على الدولتين معاً. ورغم إطلاع واشنطن لإسلام آباد ونيودلهي بخططها منذ فترة، فإن الإعلان جاء أسرع وأكبر مما كان متوقعاً.
وضمن هذا الإطار، في باكستان استُقبل الخبر عموماً بالترحيب، لاسيما بعد الاستياء العام الذي أبدته إسلام آباد من تنامي النفوذ الأميركي في المنطقة واستخدام وكالة الاستخبارات الأميركية لمجالها الجوي. فضلاً عن انتهاك سيادتها في شهر مايو الماضي خلال الغارة التي انتهت بقتل أسامة بن لادن بمدينة أبوت آباد.
وفي هذا السياق، يقول "طلال مسعود"، الجنرال الباكستاني المتقاعد والمحلل في الشؤون العسكرية إن الإعلان الأميركي عن الانسحاب من أفغانستان "يمثل خبراً ساراً في باكستان على أن يكون متدرجاً، لأن ذلك في رأينا سيساعد المنطقة".
والحقيقة أن تخفيف أميركا لحضورها في جنوب آسيا سيساعد إسلام آباد على بسط نفوذها في أفغانستان، كما أنه سيقلل الضغوط الأميركية على المسؤولين الباكستانيين لقطع العلاقة بين أجهزتهم الأمنية والجماعات المسلحة الناشطة في أفغانستان الذين تعتبرهم الأجهزة الباكستانية محاربين شرعيين تدعمهم في خصامها التاريخي مع الهند.
لكن الهند من جهتها عبرت على لسان العديد من مسؤوليها عن قلقها من الاضطرابات التي قد يولدها الانسحاب الأميركي الكبير نسبياً في المنطقة، ما قد يصعد احتمال تسرب العنف المتشدد في باكستان وأفغانستان إلى داخل حدودها وانتقال عدوى العنف إليها.
ومع ذلك تشعر الهند بثقة في علاقاتها مع أفغانستان، لما يتقاسمانه من توجس مشترك من الأهداف الحقيقية لباكستان في أفغانستان وسعيها إلى تعزيز حضورها وصوتها مع جارتها الصغرى.
وستسعى باكستان من خلال توسيع نفوذها إلى منع الهند من التقارب مع التحالف الشمالي الذي يعتبر خصماً عنيداً للمصالح الباكستانية، كما تخشى إسلام آباد من ربط الهند لعلاقات مع جماعات متمردة في جنوب أفغانستان بمنطقة بلوشستان التي تناضل من أجل الانفصال عن باكستان.
لكن ومع ذلك تبقى قدرة الهند على تعزيز تواجدها في أفغانستان ومنافسة باكستان على مناطق النفوذ داخل البلد محدودة للغاية بالنظر إلى المعطيات الجغرافية التي تعطي لباكستان حدوداً طويلة مع أفغانستان فيما الهند تظل بعيدة عنها.
هذا المعطى يمنح إسلام آباد إمكانية السيطرة على الطرق الرئيسية المتوجهة إلى أفغانستان، بالإضافة إلى المنافذ البحرية التي تفتقد إليها البلاد، كما تستطيع باكستان إغلاق أنابيب نقل النفط التي تمر عبر أفغانستان إلى الهند وباقي بلدان آسيا الوسطى، وهو ما يؤكده "ديبانكار بانرجي"، الجنرال السابق في الجيش الهندي ومدير معهد نيودلهي للسلام ودراسة الصراعات قائلاً: "هناك حدود لما يمكن للهند أن تقوم به في أفغانستان، وعلى الهند أن تقبل هذه القيود".
لكن عدا التنافس التقليدي بين الهند وباكستان واحتمال انعكاس ذلك على علاقتهما بأفغانستان، فهما يقتسمان مصلحة مشتركة في رؤية انسحاب تدريجي ومنظم للقوات الأميركية من أفغانستان يعطي للمنطقة الوقت الكافي للتأقلم مع الوضع الجديد وملء أي فراغ سينجم عن الانسحاب الأميركي، هذا بالإضافة إلى قطع الطريق على الحركات المتطرفة ومنع اندلاع العنف مجدداً، ذلك أن نشوب حرب أهلية كتلك التي أعقبت انسحاب القوات السوفييتية في التسعينات سيؤثر على البلدين.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن باكستان لن تتحمل تدفق الآلاف من الأفغانيين على حدودها على غرار ما حدث في الثمانينات خلال الغزو السوفييتي بالنظر إلى الصعوبات الاقتصادية لباكستان ومخاوفها من تصاعد قوة الإرهاب المحلي.
ولا ننس أيضاً أن باكستان والهند لديهما مصلحة مشتركة في عدم رؤية "طالبان" أفغانستان تتقوى وإنْ كان لأهداف مختلفة، فالهند تخشى من تنامي التطرف الإسلامي في المنطقة واحتمال استهدافها بهجمات تشبه تلك التي استهدفت مدينة بومباي عام 2008، والتي اتهمت فيها باكستان على الأقل بشكل جزئي.
أما باكستان، فتتوجس من "طالبان" أفغانستان التي قد تعيد ربط علاقتها مع "طالبان" باكستان ما سيعقد الوضع الأمني الهش في باكستان ويضاعف من انشغالاتها الداخلية على استقرارها السياسي والاقتصادي في وقت بدأت ثقة المجتمع الدولي تتراجع في قدرة البلاد على حماية منشآتها النووية ومنع سقوطها في أيدي المتطرفين.
مارك ماجنير - نيودلهي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«إم. سي. تي. إنترناشونال»