عبير زيتون (دبي)
ما الذي يتأمله الكاتب البرتغالي جوزيه ساراماغو في رواية «العمى» التي نالت جائزة نوبل عام 1998؟ ولماذا يَعتقد أننا بشر عُميان يستطيعون أن يَروا لكنهم...لا يَرون«؟ ولماذا ترك عجوز الرواية البرتغالية، النهاية مفتوحة الاحتمالات وترك ناجياً واحداً من متاهة العمى الأبيض؟ هل يريد القول بأن خلاص البشرية من فوضى المفاهيم والقيم مؤجل إلى حين؟ والأهم بين (روايتي العمى -والكهف) إلى أين يريد ساراماغو أن يوصلنا في تأملاته العميقة داخل النفس البشرية في زمننا المعاصر؟
على إيقاع تأملات الكاتب البرتغالي «جوزيه ساراماغو1922-2010» ناقش صالون القراءة في ندوة الثقافة والعلوم مساء أمس الأول روايته «العمى» بحضور عدد من أعضاء مجلس الندوة والصالون القرائي وجمهور من المهتمين.
وتساءلت عائشة سلطان رئيسة اللجنة الثقافية في افتتاح النقاش: لماذا اخُتيرت رواية «العمى» لجائزة نوبل دون سواها وقد تبعها الكثير من الأعمال الأدبية مثل «كل الأسماء» و«الآخر مثلي» و«قابين» و«مسيرة الفيل»، وكشفت أعماله التي تزيد على ثلاثين مؤلفًا في الرواية والشعر، عن رؤاه الفلسفية والفكرية في قلقها، وخوفها على مصير البشرية وهذا ما عبر عنه في وصيته بالقول «بعد موتي قد يذكرون في الصحف أني كنت كاتباً، ونلت جائزة نوبل للآداب، ولكن إذا كان من الممكن أن يضيفوا إلى هذه المعلومة أني ساهمت بشكل ما في «تعزيز السلام» على هذه الأرض، فأتمنى أن يوردوا هذه الجملة قبل خبر جائزة نوبل».
وفي رأي سلطان: «عمى ساراماغو» من أهم الروايات التي صدرت في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، وتُصنف ضمن روايات«الديستوبيا» السوداء المعاصرة، رواية تختصر برمزيتها بالعمى، قضايا وجودية في مجتمعاتنا البشرية، والعمى في الرواية قد يكون فكرياً وإنسانياً وغياباً للقيم والضمير، وهذا ماعبرعنه «ساراماغو بقوله»: صوتي الروائي عرف منعطفًا حاسمًا عندما كتبتُ العمى. لقد افتتح ذلك الكتاب مرحلة جديدة في حياتي ككاتب، إذ شعرتُ بأن المشاغل والمخاوف التي أملكها إزاء مصير البشرية تستطيع أن تجد مكانًا لها في الرواية، على نحو مجازي طبعًا، وبعيد عن الوعظ».
ورأت الناقدة الدكتورة مريم الهاشمي أن الرواية دالة على عبقريّة صاحبها، وتصف أدقّ الحالات، وتكشف عمق ما فينا، وما في الحياة من الزيف والقسوة، حين تفقد الكلمات معناها الحقيقي، والقيم جدواها، ويفقد التفكير أيضاً أهميته والزمن مفعوله، حين تتساوى الحياة والموت، الحق والباطل، الخير والشر، الحاضر والمستقبل، الفقر والغنى، وهذا ما جاء على لسان زوجة الطبيب مخاطبة أصدقاءها العميان: «لقد انحدرنا حتى بلغنا الدرك الأسفل من الذل والهوان، كل ضروب الذل والهوان»، ويكشف لنا الكاتب في سبره لأغوار النفس البشرية أن عالم العمى هو عالم اختلال المفاهيم وانقلاب القيم. وأجمعت آراء الحضور على جمالية الرواية، وقوتها في تعرية المجتمع الإنساني.