24 يونيو 2011 21:51
تنشر صحف من وقت إلى آخر إعلانات «على ذمّة المعلن»، عن قطع العلاقة بموظفين باتوا بحكم السابقين لديها وتحمل المسؤولية القانونية لمن يتعامل معهم، متبرئة بشكل واضح من أية صلة تربطها بهذا الموظف أو ذاك. وفي الكثير من الأحيان نجد ربطاً بالإضافة إلى اسم الموظف «السابق» وجنسيته ورقم جواز سفره صورة شخصية له ترفق بهذا الإعلان. فهل هذا الإعلان قانوني أم يعتبر تشهيراً بالأشخاص الذين تذكر أسماؤهم وتربط صورهم بالإعلان؟
(أبوظبي) - بين القانون وإجراءاته وبين الشكل الذي يبدو عليه الموظف في إعلان «قطع العلاقة» تجاه محيطه ومنه الاجتماعي والمهني، أسئلة لا بد من طرحها لمعرفة مدى تقبّل المجتمع لهذا النوع من الإعلانات، وكيف نتلقفها وماذا يرسم في أذهاننا من جرائها.
الأطراف هم المعلن وهو الشركة التي تعلن قطع العلاقة، جهة قانونية توضح، تبرّر وفق القانون، وتشرح المسموح والممنوع مع وجهة نظر خاصة إنما مبنية على مبدأ قانوني كمفهوم في التعاملات بين الناس وأحكامها، والمعلن عنه أي الموظف نفسه، ولصعوبة الوصول إلى الموظف نفسه للتحدث معه، استبدلنا رأيه برأي قارئ للصحف، قرأ فيما قرأه ولاحظه إعلان شركة عن قطع علاقة مع موظف والإعلان يربط صورة الموظف المقصود.
إيحاء سلبي
في إعلانات قطع العلاقة والتي عادة ما تطبع بالبنط الأبيض على خلفية سوداء على شاكلة الإعلانات الرسمية التي تجذب عين القارئ للتعامل معها بجدية. وتأتي صورة الموظف وتحتها النص الآتي «تعلن شركة ... عن قطع علاقتها بالسيد / ... ويحمل جواز سفر رقم .... (اسم البلد) والذي كان يعمل لدينا بوظيفة... ولهذا نعلن عن قطع علاقته بالشركة وأن الشركة غير مسؤولة عن أي تصرف يقوم به المذكور باسم وصفة الشركة من تاريخ... ونحمل المذكور وكل من يتعامل معه المسؤولية القانونية عن ذلك». ويذيّل الإعلان باسم الشركة، وتضع الصحيفة التي ينشر فيها الإعلان الجملة التالية «نشر الإعلان على مسؤولية المعلن».
حول اعتبار هذا النوع من الإعلانات نوعاً من التشهير، تقول محامية، من «السلمان للمحاماة» ومقرها دبي، إن الشركات تلجأ إلى هذا النوع من الإعلانات، في الغالب حين يكون للموظف المذكور اسمه تعاملات مالية وإدارية مع زبائن للشركة من أشخاص أو شركات أخرى.
وترى، المحامية، التي فضلت عدم ذكر اسمها، أنه في المفهوم العام، ثمة نوع من التشهير بالشخص لدى وضع صورته واسمه كاملاً ورقم جوازه، إذ يوحي للقراء المتلقين بأن ثمة جرما ارتكبه هذا الشخص، كما ترى أنه حتى لو كان ثمة جرم فللقانون آليات تنفيذه بحيث لا تقتص الشركة لنفسها من الموظف، وإنما تتقدّم برفع دعوى قانونية على الموظف ليحدّد القضاء الحكم، وبالتالي نوع العقاب في حال إثبات التهمة. ومع إثباتها وإصدار الحكم، ترى أنه ليس هناك ضرورة للقيام بالإعلان في الصحف.
فمجرد القيام بتبليغ الأطراف المعنية يعتبر من الإجراءات المتبعة والأقل ضرراً على الشخص بذاته.
هذا من ناحية مناقشة المفهوم، أما من الناحية القانونية فثمة مادة قانونية، كما تشرح، تسمح بإعلانات قطع العلاقة في حال كانت طبيعة عمل الموظف في الشركة تتعلق بتعاملات تجارية مالية أو لها علاقة بوثائق وأوراق رسمية، في حين أن إعلان قطع العلاقة بهذا الشكل مع موظف داخلي ليس له علاقة بالتعاملات الخارجية للشركة، ممنوع في القانون الإماراتي المعني بإجراءات العمل والشركات والتعاملات التجارية وسواها.
وعلى الصعيد الشخصي، تؤكد رأيها الخاص بأن هذا النوع من الإعلانات «نوع من التشهير وإن لم تحمل أي عبارة فيه أي إساءة أو تشهير ولم تكن سوى مجرد إعلان قطع علاقة». وتقول «حين نرى إعلاناً مماثلاً لن نفكّر إلا بأن هذا الشخص ارتكب شيئا حتى أعلن عن قطع العلاقة معه بهذا الشكل، وقد لا ألجأ كشركة مثلاً إلى توظيفه أو التعامل معه بعد رؤية إعلان مماثل عنه». وتشير إلى أنه في بلدان أخرى، تختلف هذه الإجراءات، وإذا ما رأى موظف سابق إعلاناً مماثلاً مع ذكر اسمه ووضع صورته في الصحف، له أن يتقدم برفع قضية تشهير بحقّه.
وتعتبر أنه حتى لو كان الشخص المذكور قد طرد من الشركة على خلفية سرقة أو اختلاس أو أي شيء آخر، فمن غير العادي الإعلان عنه حتى لو ثبتت التهمة عليه، لأن ثمة قضاء هو الذي يصدر الحكم والعقاب أو الغرامة المفروضة، وليس دور الشركة الاقتصاص من مرتكب الجرم. وتتساءل لماذا لا يُعمد إلى التعامل مع الأمر مثل التعامل مع قضايا مماثلة إنما من نوع آخر؟ فإذا قبض على عصابة سرقة أو على مجرم، لا توضع الصور ولا تذكر إلا الأحرف الأولى من الأسماء وليس الأسماء كاملة، وذلك لأن المجتمع حين يحكم فيه القانون ويؤمن الحقوق لهذا المجتمع ويحميه، فهو أيضاً يحاكم مرتكب الجرم أو الجنحة أو الجناية من دون أن يقضي على الشخص، فيؤدي هذا الشخص حكمه تجاه المجتمع، وليس بالضرورة أن توسم كل حياته بخطأ ارتكبه، فبعد تنفيذ الحكم يتابع حياته بشكل طبيعي. ومن هنا أهمية عدم التشهير بالأشخاص عبر الإشارة إليهم بأسمائهم كاملة أو بتفاصيل أخرى.
وعن الوضع في الإمارات تحديداً، توضح أن الإعلان عن قطع العلاقة بالموظف الذي له علاقة بتعاملات خارجية للشركة مسموح به، وبالتالي ثمة توضيح عن طبيعة العمل، أما الذي لا علاقة له كموظف بهذه التعاملات فمن غير المسموح به الإعلان عن قطع العلاقة، وفي كلتا الحالتين يمنع استخدام عبارات حكم أو تشهير، لأنها ليست من اختصاص الأطراف، وهي من اختصاص القضاء وحده لدى إصدار حكم بحق أحد الأشخاص، بناء على قضية تمت دراستها والتحقيق فيها وإثبات التهم الموجهة وما إلى هنالك.
إجراء احترازي
تعدّدت الشركات التي تلجأ إلى هذا النوع من الإعلانات. فمحمد الفيحان، مدير منطقة من شركة أوري مكس، يقول إن الشؤون القانونية في الشركة تعمد إلى نشر إعلان مماثل كإجراء احترازي يكفله القانون في الإمارات، ويسمح باتخاذه، طالما أن الإعلان لا يذكر أي شيء سوى قطع العلاقة ورفع مسؤولية الشركة عن استمرار أطراف في التعامل مع الشخص المذكور بصفته السابقة في الشركة.
ويؤكد أن الأمر بالنسبة إليهم لا يتعلّق بتوجيه تهمة أبداً، ولكن بما أن ذهاب بعض الموظفين وعدم بقائهم في سدّة عملهم يوجب الإعلان عن الأمر، بما أن تعاملاتهم خارجية في الشركة ولها علاقة مع أطراف أخرى خارج الشركة. ولا ينفِي أن الشركة تعرضت مرة لأمر غير مرغوب فيه على الرغم من اتخاذها الإجراء الاحترازي المذكور، فقد تم التعامل مع شخص أعلنت سابقاً الشركة قطع العلاقة معه، واستخدم على الرغم من ذلك أوراقا رسمية للشركة عليها ختم الشركة. وهذا الأمر شجع الشركة فيما بعد، والشؤون القانونية فيها، على العمد دائماً للإعلان عن قطع العلاقة بالموظفين لديها في حال تم قطع هذه العلاقة، من باب اتخاذ الإجراء الاحترازي فقط لا غير، وأن الأسماء المذكورة في الإعلانات لا تعني أبداً أن أصحابها قاموا بأي شيء يضرّ بالشركة أو يعتبر جرماً قد تلجأ الشركة حياله لاتخاذ إجراءات قانونية أخرى في الدوائر القضائية وليس على صفحات الجرائد.
ويضيف الفيحان أن «وضع إعلان قطع علاقة مع موظف ليس أبدا اتهاماً له بارتكاب خطأ ما، إنما إجراء احترازي نقوم به مع الأشخاص الذين كانت لديهم في وظيفتهم معنا تعاملات خارجية، إن كانت مالية أو تتعلق بمعاملات إدارية ووثائق وأوراق قانونية، وما يماثلها».
وعلى الرغم من عدم اعتبار القانون للإعلانات عن قطع العلاقات بالموظفين الذين كانت لديهم تعاملات خارجية في الشركات المعنية، أنها إعلانات تشهيرية، إلا إذا تم ذكر ما يسيء فيها للموظف المذكور، فإن بعض الناس يرون في هذه الإعلانات حتى وإن جاءت بشكل رسمي ولا تحتوي على عبارات تشهيرية، تشهيراً بحدّ ذاتها.
إلى ذلك، يقول أحمد محروس، وهو موظف في أحد المصارف في أبوظبي «بمجرد أن أرى إعلاناً مماثلاً مع اسم الشخص كاملاً وأحياناً مع صورته، أعتقد أن هذا الشخص ارتكب جرماً.
ومن الجانب الإجرائي، أستغرب وضع إعلانات مماثلة وإن كانت مشرّعة قانوناً». ويضيف «لم لا تقوم هذه الشركات بإبلاغ الأطراف الخارجية التي تتعامل معها بواسطة بريد إلكتروني رسمي؟ ولم لا تعتبر الأوراق الرسمية المتعلقة بها ملكاً للشركة وبالتالي على كل موظف عدم إبقائها في حوزته حتى لو كان مستمراً في عمله؟ وفي حال قطع العلاقة يجب أن يسلّم هذا الشخص بطاقة عمله الشخصية والأوراق كاملة للشركة، وفي حال أنه لم يقم بذلك على الشركة اتخاذ إجراءاتها في المحاكم وليس في الصحف. وبما أنه مسموح بالإعلان عن قطع العلاقة في الصحف، فلماذا توضع صورة الشخص، فحتى المجرم المثبتة تهمته لا توضع صورة صاحبه في العادة فكيف الحال مع موظف قطعت العلاقة معه؟ وبالتالي فأنا شخصيا ضد هذا الإجراء، ولو كان هناك شخص أعرفه وحصل معه أمر مماثل فأنا أقدم نصيحتي له برفع دعوى قضائية بالتشهير، فهذه صورته الشخصية ويحق له منع نشرها في الصحف هكذا مهما كان الداعي لنشرها».
الصحف تتحقق قبل نشر الإعلان
مع أن الصحف تضع في الإعلانات المماثلة عبارة رفع المسؤولية عنها، وتتمثل بالجملة التالية «نشر الإعلان على مسؤولية المعلن»، إلا أنها تتأكد أيضاً قبل النشر من أن هذا الذي تعلن أية شركة قطع العلاقة معه، كان بالفعل موظفاً لدى هذه الشركة، ويبرز ذلك من خلال إقامته على جواز سفره. وبالتالي فإن الصحف تطلب كتاباً رسمياً من الشركة مع نسخة عن جواز سفر المعني ونسخة عن إقامته للتأكد من العلاقة بين الطرفين قبل النشر، كما تذيل الإعلانات المماثلة بالعبارة سالفة الذكر لرفع المسؤولية عنها.
في هذا السياق، يقول أحد الموظفين في قسم إعلانات إحدى الصحف المحلية «نلجأ إلى هذا الإجراء للتأكد من الأمر، ونرفع عن الصحيفة المسؤولية لأن المسألة تعني طرفين ولا تعنينا وهذا بالفعل إعلان مدفوع يعامل مثل بقية الإعلانات، إنما مع إجراءات إضافية كي لا نكون مساهمين بشيء لا علاقة لنا به». ويضيف «من الناحية القانونية يحق للشركات وضع إعلانات مماثلة للتحذير من التعامل في المستقبل باسم الشركة المعنية مع الشخص المذكور».