محمود إسماعيل بدر (عمّان)
صنّفت الشاعرة والروائية والكاتبة المسرحية الإيطالية غراتسيا ديليدا (27 سبتمبر 1871 ـ 15 أغسطس 1936) كأعظم أديبة تحدثت عن الأم، من خلال روايتها الشهيرة «الأم» التي تمت ترجمتها إلى سبع لغات، بل كانت سبباً وراء انتزاعها لجائزة نوبل في الأدب لسنة 1926، لتقدّم بعدها أعمالاً روائية نوعية من أبرزها «عجوز الجبل» 1900، و«الياس بورتولو» 1903، ثم روايات «رماد»، و«أموت أو أحبك»، و«سيدة كئيبة»، و«نصوص سردينيا» 1892، و«زهور سردينيا»، و«أرواح شريرة» ونشرت عام 1894، وقد كتب لها المقدمة الكاتب الإيطالي الكبير روجيرو بونجي.
كذلك حققت ديليدا الشهرة العريضة من خلال كتابها «البحر الأزرق»، وهي مجموعة قصصية نشرت عام 1890، ونالت نجاحاً كبيرًا، أما كتاباتها فتتميز بالواقعية في تصوير الحياة على جزيرة سردينيا موطنها الأصلي، واهتمامها بمعالجة المشكلات بعمق ووجدانية في رواياتها، التي يتناول أغلبها قصص الحب غير المتكافئة اجتماعياً، والتي تدور بين شخصيات لها قدرة على التميز والإدراك، تعيش في بيئة تأسرها المبادئ الدينية والعادات والتقاليد، وكل تلك الملامح رسمتها بدقة من خلال معايشتها لسكان ريف جزيرة سردينيا.
تعتبر رواية «الأم» الأشهر للأديبة غراتسيا ديليدا، وتدور أحداثها حول أم القسيس «باولو» التي اشتبهت بعلاقة ابنها غير الشرعية بامرأة تدعى «آنييس»، صارحت الأم ابنها وأخذت عليه عهداً بقطع هذه العلاقة، إلا أن عذاب ولدها جعلها تشفق عليه وتشعر بأنه مجرد ضحية للقانون. وفي متن الرواية تهتم الكاتبة بوصف الأزمات النفسية التي يمر بها أبطالها، في لغة شاعرية جميلة خففت من سوداويتها، فهي الرواية التي وصفها نقّاد الأدب بأنها «أسود روايات المؤلفة التي لا تكتب إلا روايات سوداء»، وعلى هذا المنوال تقريبا كتبت غراتسيا روايات: «قصب في مهب الريح»، و«قوى خفية»، و«أبيض غامض»، و«الحب والحقد»، و«كوكب الشرق»، و«النفوس الشريفة»، و«بعد الطلاق»، و«الحب الحديث»، و«في الصحراء»، و«الغرقى في الميناء»، و«خاتم الحب»، و«بيت الشاعر».
وفي الواقع يمكن لنا من خلال مواضيع وأجواء هذه الروايات التعرف على الأدب الإيطالي الواقعي في هذه الحقبة من أوائل القرن العشرين، ويذكر أنها كانت من المعجبات بأدب وشعر فيكتور هوجو صاحب رواية «البؤساء»، وشاتو بريان الكاتب الفرنسي الذي أبدع رواية «رينيه».
ركزت غراتسيا في أعمالها الروائية على تصوير الحقائق القاسية في حياة الإنسان، وإظهار أنماط الحياة الصعبة، وإبراز الفلكلور والتقاليد الشعبية، وانتقاد القيم الاجتماعية البالية التي تجعل الناس ضحايا لظروفهم الحياتية، كما يظهر في كتاباتها الأثر المأساوي للغواية والخطيئة بين البسطاء، وفي سياق متصل فقد ترجمت أعمالها إلى الكثير من اللغات الأوروبية، كما أن رواية «رماد» 1904، حوّلت إلى فيلم سينمائي عام 1916، وتحكي قصة طفل غير شرعي كان سبباً في انتحار أمّه.
ويقوم أسلوبها الأدبي على أربعة أركان: إظهار العنصر العاطفي النفسي الذي يصنع النبض الدرامي في السرد، التركيز على فكرة المأساة في حياة النّاس، التركيز على فكرة الخطيئة وإغراء الجسد، كشف التفاصيل الاجتماعية المتعلقة بالفقراء وعاداتهم وهواجسهم من المستقبل، اعتمادا على القصص والحكيات الشعبية والطابع الفلكلوري لجزيرة سردينيا، مع إظهار العمق النفسي للطبيعة البشرية، وهذه القيمة الفنية تقترب كثيراً من أسلوب الروائي الروسي الشهير دوستويفسكي.