محمد نجيم (الرباط)
في كتابه الجديد «سميائيات النص مراتب المعنى»، الصادر مؤخراً عن دار الأمان في الرباط ودار ضفاف في لبنان ودار الاختلاف في الجزائر؛ يدعو سعيد بنكراد إلى إعادة النظر في النقد الأدبي وصياغة طريقة أو طُرق أخرى لاستنباط المعاني الخفية في النص الأدبي، مُنطلقاً من كون الثلث الأخير من القرن الماضي، شكل مُنعطفاً حاسماً في تاريخ النقد الأدبي في كامل الفضاء الثقافي العربي. فقد أحس النقاد، بعد سقوط مجموعة كبيرة من المشاريع الفكرية والسياسية (الناصرية والقومية والاشتراكية)، بلا جدوى قراءة النص استناداً إلى الخطاطات النقدية القديمة التي كانت تتعامل مع النص باعتباره وثيقة سياسية أو إيديولوجية لا قيمة له إلا بما يمكن أن يكون له من مردودية في الصراع مع السلطة ومؤسساتها. وقد كانت هذه الخطاطات موزعة في الغالب على ما بشرت به بعض الممارسات النقدية التي كانت تحتمي تارة بالإيديولوجيا باعتبارها جواباً ممكناً عن قضايا اجتماعية أو سياسية، وتستعين تارة أخرى بما يمكن أن تقدمه كل المعارف المنتشرة في الموسوعة، أو تلك التي تعود إلى حياة المؤلف، فهي الكفيلة وحدها بتفسير النص.
وفي الحالتين معاً، ظل النص غائباً في النقد، وإذا حضر فلا يحضر عند القارئ إلا باعتباره ذريعة لقول أشياء في السياسة أو الإيديولوجيا أو الاحتفاء بذاتية ترى في نفسها مصدراً لكل معنى. لقد كان النقاد في الغالب يصفون عوالم خارجية يستثيرها النص بموحياته المباشرة وغير المباشرة، استناداً إلى أحكام جاهزة؛ لذلك لم يكونوا في عملهم ذاك ينتجون معرفة تُغطي جزءاً من أنماط حضور الناس في الحياة وفي المجتمع.
إن المخفي في النص برأي الدكتور سعيد بنكراد، ليس طاقات دلالية تقتات من الرمزي في المقام الأول، بل هو «سياسة» أو «أخلاق» أو «أحكام إيديولوجية» تُدين أو تحرض أو تحث الناس على التمرد: إن النص موقف صريح، مناهضاً كان أو مؤيداً أو ممالئاً. لذلك لم نكن نعرف إلا الشيء القليل عن عوالمه، لغته ومكوناته وعلاقاته الداخلية. فهذه العناصر مجتمعة لم يكن لها أي قيمة، قياساً على الأهمية التي يوليها الناقد للمضمون الإيديولوجي المودع فيه.