السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

المبرمجون في "وول ستريت" يتقدمون إلى الأضواء بعد عقود من التواري عن الأنظار

المبرمجون في "وول ستريت" يتقدمون إلى الأضواء بعد عقود من التواري عن الأنظار
24 أغسطس 2018 00:08

دائماً ما كانت الحركة داخل أسواق المال تتشكل من فريقين رئيسين، المضاربون، وهم الذين يجنون الأموال، ويصرخون يميناً ويساراً، وهم متشبثون بالهواتف.
والفريق الآخر الذي لا يقل أهمية، لكنه بعيد عن الأضواء بالكامل، المبرمجون الذين يتولون برمجة أجهزة الكومبيوتر بالكود، أو الرمز الذي عن طريقه يمكن للمضاربين أن يتابعوا حركة الأسهم بشكل كامل.
هذا المشهد يبدو أنه في طريقه لأن يتبدل، حيث بدأت بعض المؤسسات المالية مثل مجموعة «جولدمان ساكس» في الدمج بين الفئتين ليعمل الجميع نفس الوظيفة داخل البورصة، فالجميع يضارب ويضيف في نفس الوقت الكود لأجهزة الكمبيوتر.
ويقول آدم كورن، وهو خبير مخضرم في بنك «جولدمان» والذي يعمل هناك منذ 16 عاماً، «عندما تقول إنه مضارب، فأنا لا أعرف حتى ما تتحدث عنه، كل من يأتي إلى العمل للمضاربة في البورصة يحتاج إلى معرفة كيفية، إضافة الكود». كورن هو الملك غير المتوّج للعاملين في البورصة، فهو قائد حركة التغيير التي ينشدها الجميع في المجال.
ومن خلال بورصة «وول ستريت»، وبعد عقد من الأزمة المالية العالمية، يقوم المضاربون الذين قضوا سنوات طويلة يصرخون في الهواتف بالتسجيل في دورات لتعلّم إضافة الأكواد.
كما يتم أيضاً تدريب المبرمجين على مهارات المضاربة في الأسواق.
ومن طبيعة عمل المضاربين أن يقوموا بشراء وبيع كل شيء من الأسهم والسندات إلى ديون بطاقات الائتمان والنفط.
وقبل انهيار بورصة «وول ستريت» عام 2008، كانوا يعتمدون على المعلومات المتاحة لتحديد من الضحية القادمة، متى نبيع لتهبط أسعار الأسهم ومتى نشتري لنصعد بالأرباح.
لقد استخدموا المعلومات لمعرفة الزبائن الذين كانوا يعانون وهم يائسون، وينتظر المضاربون اللحظة الحاسمة للانقضاض والقضاء عليهم.«هناك دماء تسيل»، هكذا قال جون ميك المدير في مؤسسة «مورجان ستانلي» المالية. «دعونا نذهب للقتل».لقد فعلوا (المضاربون) ذلك، وكانوا يكافؤون على فعل ذلك.
ذهبت تلك الأيام إلى حد كبير.
واليوم، تقوم الشفرات والكود الذي يضاف لذاكرة الكمبيوتر، التي تسمى أحيانًا الخوارزميات، بالكثير من مهام المتداول.
فهم يراقبون أوضاع البنوك، ، ويطابقون المشترين والبائعين، ويحددون مخاطر غير مرئية.
وأحدث برنامج يمكن أن يشير إلى العملاء الذين قد يكونون مهتمين بمخزون أو سندات معينة من خلال تحليل استثماراتهم الأخيرة، بنفس الطريقة التي يستطيع بها موقع «أمازون» اقتراح البضائع التي قد تناسب كل عميل المشتريات التي يقوم بها عادة.
ويعود صعود الأتمتة جزئياً إلى الاستجابة للأزمة المالية والفضائح التجارية التي أعقبتها، والتي شجعت البنوك على اتخاذ القرارات التقديرية بعيداً عن البشر المعرضين للامتثال للضغوط أو الإغراءات.
ويعود ذلك أيضاً، وبشكل جزئي إلى حرب السيطرة بين «وول ستريت» و«وادي السيلكون» في الولايات المتحدة، وهي المنطقة التي أصبحت مشهورة بسبب وجود عدد كبير من مطوري ومنتجي الشرائح والرقائق الإلكترونية، وذلك مع حرص المؤسسات المالية على التأكيد على حسن نواياها والإقدام على استخدام المزيد من التكنولوجيا.
وتزايد الاعتماد على الكمبيوتر والبرامج الإلكترونية يعد أيضا استجابة لرغبة المستثمرين في البحث عن طرق اختيار الأسهم بصورة مختلفة عن الطرق التقليدية التي تتمثل في البحث عن أنماط في السوق تشير إلى فرصة شراء أو بيع.
فعندما يأتي عميل لمؤسسة مالية، مثل «جولدمان»، فإن هؤلاء العملاء يرغبون في التحدث عن معالجة البيانات والتحدث عن الأنماط التي أدت إلى الصعود أو الهبوط في أسعار الأسهم اكثر من التحدث عن إنتاج الألبان مثلاً. وقال السيد كورن، «إن القدرة على التحدث بهذه اللغة (لغة الكمبيوتر)» أمر مهم.
وبالنسبة للمتداولين، فإن النجاح في هذا العالم يعتمد بدرجة أقل على الثقة فيما يعتقده المضاربون في البورصة ليكون الاعتماد الأكبر على التحليلات والأنماط التي يمدهم بها الكمبيوتر.«فكر في الأمر مثل التحكم في السرعة»، حسب ما قال مات تشيروين، المسؤول التنفيذي التجاري في مؤسسة «جيه بي مورجان»، يمكن أن نجعل السيارة تسير بسرعة 55 ميلاً في الساعة، ولكن يحتاج الأمر لشخص ما أن يقرر، «حسناً، هل هذه السرعة المناسبة؟».ولا تعد الأخبار المتداولة بشأن الاعتماد بدرجة أكبر على الكمبيوتر جديدة على «وول ستريت».لقد وصلوا في ثمانينيات القرن العشرين لإدخال الحوسبة في نموذج التداول والبرنامج الحسابي الذي يمكن أن يقدّر أدوات جديدة معقدة تعرف بالمشتقات.
ويتنبأ الرمز الذي يكتبوه بكيفية تأثير انخفاض سعر الدولار على أسعار الذرة، على سبيل المثال، أو كيفية تقييم قرض لفيراري إذا رفعت الحكومة الإيطالية أسعار الفائدة.
لكن هؤلاء المبرمجين كانوا مختلفين عن المضاربين، وكانوا تابعين لهم بشكل واضح، واستخدم المضاربون نماذجهم لتحديد حجم التأثير على أسعار الذرة أو قرض فيراري لتحديد القرار، سواء بشراء الأسهم أو بيعها، وفي النهاية ما يهم أصحاب الأسهم أن يحققوا المزيد من المكاسب بشكل دائم.
بالنسبة لمؤسسة «جولدمان» المالية تداول الأسهم أصبح مختلفاً الآن.
فالمبرمجون الذين كانوا يحتلون الطابق السفلى متوارين عن الأنظار قد صعدوا إلى الطابق الرئيس في البورصة ليس فقط لمشاركة المساحة مع المضاربين ولكنهم أصبحوا هم أيضاً مضاربين يحملون الترخيص والأوراق اللازمة التي تكفل لهم اتخاذ قرارات البيع والشراء. فهم الآن يمكنهم وضع رأسمال «جولدمان» عالياً أو يقذفون به في هوة سحيقة.
صعود المبرمجين للطابق الرئيس يعد انعكاساً للمشهد المالي والاقتصادي العالمي الحالي، حيث يمكن للتكنولوجيا أن تحل محل العمال، خاصة في مهام روتينية مثل عمال المصانع التي لا تحتاج وظائفهم الكثير من الإبداع.
ولقد أتمت البرامج الإلكترونية الخاصة بأنظمة الحسابات التي تتعامل مع الضرائب الكثير من العمل الجاد للمحاسبين، الذين يقومون الآن بتغيير ألقابهم من محاسب إلى مستشار. كما تخلص المهندسون المعماريون من حمل الأوراق والحسابات الدقيقة الخاصة بأعمالهم، فأجهزة الكمبيوتر تقوم بعمل الحسابات الدقيقة الخاصة بذلك.
وفي الطوابق التجارية في «وول ستريت»، لا يزال من الضروري التفكير السريع، واتخاذ القرار تحت الضغط فأي حسابات خاطئة من قبل المضاربين سيؤدي حتماً إلى خسائر قد تكون فادحة.
لذا لم يتم استبدال المضاربين بالتكنولوجيا بل على العكس من ذلك لقد تم دمجهم معاً - وهذا النهج هو ما تتبعه مؤسسة غولدمان من أجل ضمان الحصول على أفضل النتائج.
«قبل 10 أو 15 عامًا، كان المبرمجون لا يتحدثون إلى أي شخص فهم فقط منكبين على أجهزة الكمبيوتر لتغذيته بالمعلومات والكود، بينما يقوم المضاربون بالحديث واتخاذ القرارات بشكل كامل هذا الوضع تبدل تماماً الآن حسبما قال أوليفر كوك، أحد المتعاملين في بورصة وول ستريت، وأضاف «هذا الخط اختفى بشكل أساسي».وما يحدث حالياً كانت له مقدمات في السابق.
في البداية كانت طوابق التداول يملؤها الصياح لدرجة يصعب معها تفسير ما يقال بشأن أوامر الشراء، ثم تلا ذلك الاعتماد على الهواتف فخفت ولو قليلاً الضوضاء في قاعات التداول. وقال ستيف جروب، مدير الاستراتيجية في مجموعة فيديسا، التي تبيع أنظمة التداول للمؤسسات المالية، إن قاعات التداول تبدو هادئة بشكل مدهش اليوم.
وقال «أصوات الصراخ قلت كثيراً عما ذي قبل، وأصبح هناك هدوء نسبي يحتاجه المضاربون من أجل التفكير»، «إذا وضعت شخصًا ما في آلة زمنية لتعود به إلى عام 2006، فسيكون مندهشاً تماماً مما سيراه لأنه يختلف كثيراً عن الوضع الحالي».في «بنك سيتي جروب» يعمل المتداولون بجانب المبرمجين لتحليل البيانات، ولكنهم لا يتشاركون المهام.
وفي يونيو الماضي، عرض على المتداولين أنفسهم دورة تمهيدية لمدة 3 أيام لتعلم لغة الترميز وإضافة الكود إلى أجهزة الكمبيوتر.
ولقي هذا العرض شعبية كبيرة، حتى أن المضاربين المخضرمين كانوا مستعدين للابتعاد عن قاعات التداول لمدة 3 أيام، ويخطط البنك لجلسة أخرى في سبتمبر من العام الحالي، حيث يبحث حالياً عمل المبرمجين والمضاربين جنباً إلى جنب داخل قاعات التداول.
وقال لي وايت، رئيس سابق لأسواق أميركا الشمالية في «سيتي جروب»، والذي أصبح الآن رئيس بنك اليابان «تستمر الأدوات في التطور، وتستمر في أن تصبح أكثر تعقيدًا».«لقد جعلنا هذا نفكر في مستقبل التداول، وما هو نوع الشخص الذي نحتاجه ليمارس تلك الأدوار».وقد بدأت مؤسسة «جولدمان» بتقديم دروس مجانية في برمجة الكمبيوتر للعاملين فيها في العام الماضي من خلال فصل دراسي على الإنترنت.
وقال كورن، «إن البرمجة تتحول من أمر لطيف ومختلف إلى أمر حتمي».ويشعر بعض المديرين التنفيذيين بالقلق من المرحلة الجديدة التي تقبل عليها عمليات المضاربة في البورصة، حيث يوجد عدم وضوح في الأدوار مثلما كان معتاد من قبل.
ويخشى هؤلاء المديرون من أن يضع مضارب مخضرم سابق، ولكنه مبتدئ في الترميز كوداً خطأ يؤدي لحدوث كارثة.
ومما يذكر أن التهور في المضاربة كلف «يو بي إس جروب» و«جيه بي مورجان» مليارات الدولارات في السابق.
«يجب أن يكون هناك تحديد واضح للمسؤولية»، بحسب مايك دارجان، رئيس قسم المعلومات في «يو بي اس»، وقال دارجان «نريد أن يتعلم المتداولون» كيفية عمل برامجهم وإضافة الكود، ولكننا نريدهم أيضاً لممارسة المضاربة».وأثار المنظمون مخاوف مماثلة في عام 2016، ما دفع لجنة الأوراق المالية والبورصات لتغيير قواعدها لتطلب من أي شخص مسؤول عن تصميم أو الإشراف على خوارزمية التداول أن يصبح مرخصاً كـ «تاجر أوراق مالية».هذا التصنيف يفصل بين الأشخاص الذين يتمتعون بصلاحيات وضع رأس مال الشركة في خطر من أولئك الذين لا يحق لهم المضاربة.

بقلم: ليز هوفمان وتليس ديموس

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©