خولة علي (دبي)
كشف البروفيسور نايف المطوع، الأستاذ بجامعة الكويت واختصاصي في الطب النفسي السريري عن أن الاكتئاب والقلق سيكبدان الاقتصاد العالمي تريليون دولار في صورة خسائر إنتاجية، وبحلول سنة 2030 ستبلغ التكلفة التقديرية لمشكلات الصحة النفسية 16 تريليون دولار، مؤكداً أنه وفقاً لمؤشرات منظمة الصحة العالمية، فإن الإمارات من الدول الأقل تعرضاً للاكتئاب، مدللاً على ذلك باستطلاع آراء أجرته مؤخراً مؤسسة YouGov البريطانية المتخصصة في أبحاث السوق وتحليل البيانات.
وخلال محاضرة عقدت مؤخراً في أبوظبي بعنوان «تحسين الصحة النفسية»، قال إن «ثقافة العار» أو الوصمة، المرتبطة بالأمراض النفسية تعد عائقاً كبيراً أمام علاجها على مستوى العالم، وسط مخاوف من تقليل فرص العمل، وعدم تقبل الأسرة والمجتمع، وكذلك التنمر والمضايقات.
وحسب تقارير الأطباء تظهر على المراهق في العالم، علامات حزن، ارتباك، غضب، وسرعة استياء.. قد تتفاقم وتقوده إلى العزلة وفقدان الثقة، مما يؤثر عليه بصورة قوية، فيرفض التفاعل مع المحيطين به، نتيجة دخوله في حالة من الاكتئاب، وربما يعود ذلك إلى طبيعة المراهق وتغيراته الفسيولوجية والجسمانية في هذه المرحلة العمرية، التي قد تكون سبباً في التعاطي مع مختلف المواقف التي يتعرض لها بصورة قوية وعنيفة، حيث تشير منظمة الصحة العالمية حول الصحة النفسية إلى أن غالبية الاعتلالات النفسية تبدأ في سن 14 عاماً.
العزلة والانطواء
وعن تعامل الآباء مع حالات أبنائهم، تقول حورية علي: عانيت كثيراً مع ابنتي، حيث أصبحت تكره المدرسة، بعد أن كانت مولعة بالدراسة، وبدا عليها الحزن والضيق والميل إلى العزلة والانطواء، وحاولت مراراً معرفة سبب هذه الحالة، لكنها كانت تصدني، وتلزم الصمت، فكنت لحوحة في مجاراتها والنقاش معها، والعمل على كسر عزلتها، إلى أن اتضحت لي الرؤية ومعرفة سبب الخوف من مواجهة الآخرين، فاستطعت من خلال محاولة تجديد الثقة، وذلك بإعادتها إلى صلب اهتمامها والمجال التي تشعر فيه أكثر بالسعادة بحثاً عن الرضا النفسي، حتى عادت إلى طبيعتها.
وأضافت بدرية عبدالله: نزعج عندما نلمح التغيير السلبي على سلوكيات أبنائنا، ويصعب التعامل والتعاطي معهم، خصوصاً في مرحلة المراهقة، التي تحتاج إلى الحذر في التعامل معهم وعدم الدخول في صدام معهم، خاصة عند إصابتهم بالاكتئاب، حيث يجب مراجعة الأحداث التي تعرض لها المراهق، والتأثيرات الخارجية التي ساهمت في أحداث هذا التغيير، والعمل على مخاطبته بأسلوب يعزز فيه الثقة بقدرته على تخطي أصعب المراحل.
أصدقاء السوء
ويقول الدكتور عبدالله الكمالي محاضر وواعظ في هيئة الأوقاف والعمل الخيري: هناك بعض المراهقين في مقتبل العمر يعانون الاكتئاب المستمر، وهذا قد يؤدي إلى مسائل أخرى من التدخين والسهر وتعاطي المواد المخدرة ومرافقة أصدقاء السوء، ومن أعظم أسباب الاكتئاب عندهم: وجود تفكك أسري وخلاف قوي بين الوالدين في الأسرة، فالأبناء يلاحظون هذا الخلاف ويصيبهم الحزن الشديد، وستؤثر فيه هذه المشاهد لمدة طويلة من حياته، مشيراً إلى أن ما يحدث داخل البيوت، فالأب يعود متعباً من عمله وفي وقت متأخر، ثم يخلد إلى الراحة، وكذلك الأم تعود متعبة إلى المنزل بعد يوم عمل شاق، فلا يوجد أي تقارب بينهم وبين الأولاد، لذلك علينا أن نجود على أولادنا بمشاعرنا كما نجود بأموالنا.
وحذر من وجود شدة وقسوة وحرمان في التعامل معهم، بل قد يمتد الموضوع إلى ضرب وسب وشتم من إخوانهم الكبار أو حتى من آبائهم وأمهاتهم، فهذه الشدة ستولد حتماً نوبات من مشاعر الحزن والاكتئاب. لعلاج مثل هذه المسائل، نبه الكمالي إلى ضرورة الحرص على إيجاد أجواء مناسبة من التواصل الأسري، وعدم الحديث عن الخلافات في حضور الأبناء، ويمكن علاجها بهدوء بعيداً عنهم، وتجنب الصراخ والخصام، مع ضرورة السؤال عنهم والخروج والسفر معهم، لأنه من أسباب السعادة والفرح، مشيراً إلى ضرورة عدم ترك الأولاد بالانعزال عن العالم والانشغال التام بالأجهزة الذكية، فهذه الأجهزة قد تكون من أسباب العزلة والاكتئاب.
دوامة العزلة
وحسب الاختصاصية النفسية هالة الأبلم، ينتاب المراهقين مواقف تسبب لهم الحزن والضيق وتدخلهم في دوامة من العزلة والانغلاق على أنفسهم، من جراء الشعور بالإهمال من أقرانهم والمحطين بهم، أو من بعض المشكلات التي قد يمر بها المراهق، وما يتعرض له من ضغوط نفسية وتغيرات جسدية ونفسية، مما يكون معه عرضة للاكتئاب، مما يجعله في حاجة للعلاج والاستشارة النفسية.
وقالت: تختلف أعراض الاكتئاب في الحدة، فمنها عاطفية تقود إلى تغيرات سلوكية انفعالية، حيث يمكن ملاحظة بعض الأمور التي تطرأ على عواطف المراهق، كالحزن الذي يتبعه نوبات من البكاء دون سبب واضح، والإحساس باليأس والإحباط والفراغ، وانخفاض مستوى الثقة بالنفس، والتركيز على الفشل ولوم الذات.. ومن الأعراض السلوكية، العزلة وعدم الرغبة في مخالطة الناس، انخفاض الأداء الأكاديمي، الظهور بمظهر مهمل، الشكوى المتكررة من آلام جسدية كالصداع والمعدة، والأرق وقلة النوم. وتؤكد الأبلم: في أحياناً كثيرة قد تفسر بعض هذه الأعراض كونها طبيعة يمر فيها الفرد في فترة المراهقة، هنا لا بد من التوقف إذا ما تمادت الحالة لدى المراهق، من خلال فتح باب الحوار معه من قبل والديه، ومساعدته في التغلب على مشاكله، وإذا عجز عن ذلك لا بد من تدخل الطبيب النفسي، حتى يضع حداً لهذا الاكتئاب الذي قد يقود المراهق إلى التفكير في أشياء خطيرة... موضحة أن الاكتئاب آفة مرضية نفسية، يسهل علاجه في بدايته من خلال الحوار والتقرب من المراهق، ومحاولة إخراجه من عزلته، وقد يتفاقم إذا ما تم إهماله وتركه، وهنا لابد من تدخل الطبيب النفسي وتحديد العلاج المناسب للتخفيف من أعراض المرض.
الثقة بالنفس
أوضحت نوف سعيد السقطري الاختصاصية الاجتماعية بمدرسة النوف النموذجية في الشارقة، أن المراهق يمر في طور من النمو والتغير النفسي والجسدي، وهذا بدوره يجعله حساساً أكثر عند أي مشكلة يتعرض لها، الأمر الذي ينعكس سلباً على نفسيته، فهو كثيراً ما يقارن بينه وبين أقرانه، عندما يجدهم أكثر تفاعلاً وحضوراً واهتماماً من محيطيهم، فيدخل في دوامة الحزن، الذي يقوده إلى العزلة والاكتئاب، مؤكدة أن الأسباب الرئيسية لاكتئاب المراهقين، التنمر والتقليل من قيمة الذات، حيث إن التنمر المستمر يفقد المراهق ثقته في نفسه فتراوده أفكار بأنه بلا قيمة أو فائدة، والتقليل من قيمة الذات يكون عندما يسمع كلاماً يقلل من شأنه ومن تقديره لذاته ممن حوله سواء من المعلمين أو زملائه أو حتى في محيط منزله على سبيل المثال عندما لا يفهم الطالب درسه لا يعني أنه قليل الذكاء، لكن ربما كانت طريقة شرح الدرس لا تتناسب مع استيعابه، لذا على المعلم أن يعي أهمية توصيل معلوماته بطرق مختلفة، مشيرة إلى أن التفكك الأسري، سبب في اكتئاب وعزلة الطلبة، وعلينا ملاحظة تغير السلوكيات وتأثيرات أصدقاء السود، وأن نتعامل مع الطالب في عمر المراهقة كرجل له كيان له صوت مسموع وله قيمة، وعند الحوار نبدأ بذكر السلوكيات الحسنة قبل السلبية، ودائماً نقول له: «أنت لست بإنسان سيئ، لكن التصرف الذي فعلته هو السيئ».
كسل وخمول وإعراض عن الحياة
أوضحت الدكتورة سامية آبل متخصصة في الطب النفسي أن الاكتئاب من أكثر الأمراض النفسية شيوعاً في العالم، فهو يصيب كافة الفئات العمرية، حيث نجد الفرد المصاب بالاكتئاب لا يستطيع أن يمارس حياته اليومية بشكل طبيعي، لأن الاكتئاب يسبب له شعوراً بعدم الرغبة في الحياة، ونجده يقل نشاطه، ويشعر بالخمول والكسل والتعب ويضطرب نومه، بالإضافة إلى البكاء والحزن والكآبة وصعوبة التركيز، مشيرة إلى أن الإصابة تؤدي إلى أمراض أخرى، وتسبب المشاكل سواء في المنزل أو المدرسة مع ضعف التحصيل العلمي.
وقالت: هناك علاجات يخضع لها المريض وفقاً لمستوى وحدة المرض، فيمكن استخدام العلاج الدوائي، باستخدام مضادات الاكتئاب، وهي فعالة وناجحة في كثير من الحالات، وعادة ما نربط العلاج النفسي بالدوائي من خلال جلسات المحادثة النفسية والاستشارة والعلاج النفسي الاجتماعي، وفي حالات أخرى يتم استخدام الصدمات الكهربائية عن طريق تمرير تيار كهربائي عن طريق الدماغ لإحداث فيضان للمشاعر.
دور البيت والمدرسة في احتواء المراهق
أشار الدكتور علي الجسماني أستاذ علم النفس والتربية، إلى عدة عوامل يجدر بالآباء والمعلمين الالتفات إليها لدى معالجة الأزمات النفسية للمراهقين، أولاً طبيعة القيم التي تجذب المراهقين ولا تنفرهم، التكوين الطبيعي للشخصية والعوامل الانفعالية، الخبرات السابقة التي مر بها المراهق ومحاولة فهم التكوين النفسي للمراهق بدلاً من التركيز على مظاهر الموقف الذي يكون فيه، الابتعاد عن تقديم اللوم والانتقاد له.
ووجه دعوة للآباء والمدرسين، بأن يقبلوا على أبنائهم وطلابهم بتفهم ومحبة، وأن يستمعوا إليهم وأن يتفهموا مشكلاتهم وما يخالجهم، وهذا ما يشجعهم عل الإفصاح عما يعتمل في نفوسهم وما يقلقهم وهذا يستوجب تعاوناً بين البيت والمدرسة، ولا بد أن تكون مجالس الإباء والمعلمين فعالة في محاولة احتواء المراهق من خلال الكثير من المناشط الترويحية كالألعاب الرياضية والمطالعة والرحالات الكشفية والعلمية، التي تبث روح التعاون بين الطلبة، وهذا من شأنه يخرج المراهق من طوق العزلة والتردد والخوف، ويعزز الثقة في نفسه من جديد، لذا نجده يبادر ويشارك، يفرض حضوره بين زملائه، كل هذا يساهم بشكل أو بآخر بجعله أكثر توازناً في علاقته مع الآخرين.