السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الطاهر بن جلون من دبي: الفن.. خلاص العالم

الطاهر بن جلون من دبي: الفن.. خلاص العالم
20 أغسطس 2018 00:41

ماذا حققنا منذ الحرب العالمية الثانية؟ يتساءل الكاتب المغربي الفرنسي الطاهر بن جلون، الذي يعد من أهم الكتّاب الفرانكفونيين، ويجيب من كتاباته أيضاً: كما لو أن الأمر بالمصادفة، أجد نفسي في مصائب العالم، أتعرف على نفسي في عذاب الأبرياء.
وهذا العذاب يتحول إلى روايات تشارك مؤلفها السرد اللوني التشكيلي، وتعكس بنسق شعري رؤيته بدءاً من روايته الأولى «طفل الرمال»، مروراً بالعناوين الأخرى، مثل «السعادة الزوجية»، «أن ترحل»، «الاستئصال»، وروايته «ليلة القدر» التي نالت جائزة الكونكور الفرنسية، وصولاً إلى معرضه الفردي الأول في الشرق الأوسط، انطلاقاً من دبي، السركال أفنيو، القوز (1)، متحف (لا غاليري ناسيونال/‏‏‏ La Galerie Nationale)، الذي افتتح مع انطلاقة «أسبوع الفن بدبي»، في 19 مارس الماضي، والمستمر لغاية 15 سبتمبر القادم، والذي يتضمن أكثر من 20 لوحة، تتسم بالشفافية العميقة، تجمع البساطة التعبيرية مع البنية الدلالية الإيحائية، لتجعل من كائناتها الطبيعية والهندسية والحروفية تخطو مع طفل الرمال على البحر، وتحلق قريباً من الصحراء، بعيداً إلى الطيور، شمالاً نحو الفراشات، جنوباً نحو الرياح، شرقاً نحو الفراغ، غرباً نحو التساؤلات، ثم تمزج موسيقاها بألوان مبهجة، تتمتع بطاقة إيجابية تنتج عن صفاء الألوان الأساسية والثانوية وتدرجاتها المتنوعة.
وغالباً، ما تكون ألوان بن جلون زيتية، خلفيتها قماش أبيض، وأحياناً، لون أزرق، مما يساهم في توزيع البنية الدلالية بطريقة إشراقية، ناتجة، بدورها، عن كيفية توظيفها من قبل الفنان، ضمن كثافة تأويلية، من خلالها، يمتد الأزرق البارد مع تدرجاته ليلتقي بالأحمر الناري وتدرجاته، ثم لتلتقي هذه البنية اللونية مع الأخضر والأصفر والترابي والبرتقالي والبنفسجي والأسود، التقاء إيحائياً يصبح الكتلة المضيئة الموازية لظلال الفراغ، وهذا يجعل البوابات المؤلفة من أنصاف الدوائر أمكنة، أمواجاً، كثباناً، كما يجعل من الحروف والكلمات العربية والفرنسية فسحة متكلمة ليس نيابة عن صمت اللوحة، بل عن الذات وتداخلاتها مع الآخر والكون، والرغبة في الابتعاد عن الجاذبية المألوفة للمكونات.
ولهذا السبب، ربما، جاء عنوان المعرض (مفترق طرق ثقافي)، أو (تقاطعات ثقافية)، لتكون اللوحات حالة من الالتقاء مع الذات والآخر والكون، تحديداً، في تلك النقطة التي تتقاطع فيها الثقافات والحضارات الإنسانية، من أجل استشفاف ما يترسب من الزائل في الخلود، وهو ما نجده مكتوباً بالألوان، وبالعربية والفرنسية على إحدى اللوحات: «تبقى لنا رائحة الزمن الذي يغمره حضور جوهري»، ووجود هذه الكلمات في مركز الدائرة اللونية، يدل على إشارات فصحى تصرّح بأن الروح والجوهر والزمن واللغة والإبداع هم المحور الأساسي الذي تدور حوله عناصر الموجودات والكائنات والعوامل اللونية الموزعة إلى رباعية تؤلف الدائرة التي تتألف منها اللوحة المائجة بالجبال والبحار والشموس والزخرفة والقلوب والورود والغيوم والأشجار والفصول، ومن زاوية تلقّ أخرى، نجد أن جميع هذه التشكّلات تحتضنها النجمة كوحدة كبرى تضيء ما تضمه بداخلها من متحولات، مازال بن جلّون يؤكد من خلالها على أن الهجرة هروب لا حل، وهو في أعماله الكتابية والتشكيلية دائم البحث عن الذات والهوية والعالم، لذلك يبدع ما يذكّـره بالوطن، ويستخرجه من أقاصي عالمه الخيالي، ليراه مشاهد حياتية ملونة تواصل اعتقادها الجميل الذي يعبّر عنه بن جلون قائلاً: «الفن سيكون خشبة خلاص العالم».
نذكر أن هجرة الروائي الشاعر الطاهر بن جلون إلى عوالمه البصرية التشكيلية بدأت مع طفولته، لكنه أصر على الغوص في الكلمة الشعرية والروائية كونها طموحه الأساسي، موقناً أنها منقذة العالم، ثم أضاف إليها الفن، وبدأ يمزج ما ينبع من ذاته الداخلية مع الألوان بفطرية، ثم بتقنية، وذلك منذ (2010)، حيث بدأ يعرض أعماله في مدن العالم، منها: روما، تورينو، باليرمو، مراكش، طنجة، وفي معهد العالم العربي بباريس عام (2017)، وأخيراً في دبي.

غالية خوجة (دبي)

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©