نوف الموسى
أنت تسأل عن مساحتك في الحركة اليومية، عندما تلحظ المستوى الهائل من التشكل المعماري. خيوط متوالية من تصاميم البنى التحتية، تجعلك تسير في اتجاهات متباينة بين مسافة مادية صُنعت في الواقع، وبين شعور الفضاء الكامن في ذاتك الذي لا يُمكن بشكل ما أن تفصل بينهما، لا يُصبح الأمر بالنسبة لك مجرد تشكّل بصري، مبني على مفهوم أن الأمر لا يتعدى موضوع جودة حياتك كفرد، رغم أهمية ذلك بالطبع، ولكنك تبدأ وبحس متفرد، بتشكيل نفسك عبر المكان، وتشكيل المكان عبر نفسك..
التجلي يكمن دائماً في إمكانية أن تتشارك الحيز المتشكل من خلالك مع الآخرين، الذين لا تعرف عنهم شيئاً سوى أنهم يحملون المقدرة البديعة نفسها في الدفع بتلك المساحة المشتركة بأن تكون ذات احتمالات عديدة، تحتمل مختلف الرؤى من قبلك وقبلهم، بحيث تتحركون بالمسار نفسه، ويحفظ كل منكم استقلاليته الفكرية والثقافية والاجتماعية وحتى الروحية، ما يؤهلكم بشكل ما أن تلتقوا في لحظة انسجام، تبحثون فيها عن المعنى من تحولات فضاء المكان، وهل يُقدم لكم انسيابية حركة لازمة تستطيعون من خلالها أن تتجاوزوا العوائق، وحرية مسؤولة لإنتاج أعمالكم، مهما بدت صغيرة أو ناشئة، توحي بانبثاق ثقافة جديدة في ماهية التفكير لديكم بأنكم تتشاركون استثنائية تجسيد المساحة في حياتكم، وبالتالي لن يمر عليكم شارع أو رصيف أو محطة باص أو استخدام للمترو، إلا وأنتم تعون جيداً بأنكم شكلتموه بشكل ما، وفي المقابل هو يدفعكم لتشكيله بهيئة مختلفة في مرحلة ما قادمة لا محالة.
يُمكنك أن تتصور بعد مرور 10 سنوات من انطلاق «مترو دبي»، ما هو المُكون الثقافي الذي بإمكانه أن يتشكل، ليس على مستوى استدامة الحركة والتنقل فقط، والذي عادةً يُقاس بمؤشرات الاستخدام اليومية والسنوية ذات الارتباط الوثيق بمحفزات البيئة الاقتصادية لمدينة دبي، كمركز للأعمال. ولكن ما نقصده بشكل أساسي، تجربتك في أن تختار الخروج من الصندوق المغلق (السيارة)، وتجلس في ملتقى مفتوح، وجهاً لوجه، مع أشخاص لربما يبتسمون لك، ويقدمون لك التحايا، لمجرد أنك تتشارك معهم المساحة نفسها أو أن تكتفوا بالنظر لبعضكم بعضاً، والذي بالتأكيد سيؤثر عليكم بطريقة غير واعية، مبني على اتصال غير مباشر ولكنه حيّ ونابض ومؤثر، يصعب عادةً إدراك مستوى التأثير، فهو نسبي وغير مطلق، ولذا فإن تحديد مدى كونه جيداً أو سيئاً يعتمد عادة على تجربة الفرد وخلفيته، إلا أنه في كل الحالات، فإن «مترو دبي» تجربة لفضاء مشترك قادر على تشكيل مكونات ثقافية، ومجرد تأمل ذلك، يضفي على الحراك الثقافي المحلي، أهمية طرح أسئلة جديدة، والمشاركة في البحث والتأويل والتخيل لأثر المترو على مفاهيم عدة، من بينها حرية الحركة والتفكير والمادة.
سؤال «المعنى»
لك أن تتخيل أن كبير المصممين المهندس المعماري بوران أغوستون، عبر الشركة المعمارية العريقة «إيداس»، وضع مع فريق عمله المكون من حوالي 100 مهندس معماري ومصمم داخلي واستشاري، مئات من الرسومات، خلال 4 سنوات، قبل الوصول إلى التصميم النهائي لـ«مترو دبي»، وهو بنفسه أكد أنهم كانوا يبحثون عن «المعنى الهيكلي»، المرتبط بهوية مدينة دبي، سؤال «المعنى» تحديداً، جعلهم يبحثون في الإرث الثقافي، لكونه مرتكزاً على القيم الإنسانية التي من خلالها يُعبر المجتمع المحلي عن نفسه للتواصل مع العالم. اللافت أن هناك تصاميم قُدمت من قبلهم لـ«أجنحة صقور» و«مراكب شراعية» لمحطات مترو دبي، إلا أنه لم يتم قبولها، ليشمل بحثهم بعدها تنقيباً تاريخياً لاستخراج رمز اقتصادي يشكل اللبنة التجارية للمدينة، وهو «اللؤلؤ»، ولكن الصبغة البصرية لتصميم المحطات ذهبت لـ«المحار» ذي اللمحة الصدفية بتدرجاتها اللونية ذات اللمعة الضوئية الرقيقة.
تلك البداية في البحث عن «المعنى» في تكوين المساحات داخل الفضاء العام، تبرز الأهمية الثقافية للوعي بالعمارة، لأنها نشأت من فلسفة ضمنية يتبناها المعماريون، وتؤثر على حياتنا، فكما يقول المهندس المعماري سيلفيو داسيا «العمارة وسيلة لدفع العالم إلى الأمام، لفتح آفاق جديدة، والسؤال عن الوضع الراهن»، مبيناً حول بناء محطة تربط بين مترو الأنفاق وقطار منتظم وقطار فائق السرعة وأنواع أخرى من وسائل النقل العام، بأنها ليست مجرد مساحات هندسية بحتة، ولكن مساحات حضرية مرتبطة بالمعنى التاريخي للسياق المحيط بالشارع والمدينة.
وفي المقابل لم يُسلم الكتّاب والأدباء دفة صياغة «المعنى» للمهندسين والمعماريين، بالكامل، بل انضموا في الفعل الفكري والمجتمعي، لأثر تلك المساحات المشتركة، فالكل يعلم الموقف الذي اتخذه أحد أهم الروائيين الإنجليز في العصر الفكتوري، تشارلز ديكنز، منذ افتتاح أول خط للسكك الحديدية في بريطانيا في عام 1830، حيث ذكر تفاصيله الكاتب جون مولان، عبر مقالته «السكك الحديدية في الروايات الفيكتورية»، التي ظهرت في روايته الشهيرة «دمبي وولده»، وقد نُشرت عبر سلسلة شهرية بدأت في عام 1846، وفي العام نفسه صدر قرابة 242 قانوناً برلمانياً يجيز بناء السكك الحديدية، كما أوضحت إيما كينج في مقالة تتحدث فيها عن تشارلز ديكنز وتأثره في التوسعة في سكك الحديد على عائلات الطبقة العاملة، نشرتها عبر مدونة متحف تشارلز ديكنز. ومن جهته، اعتبر جون مولان أن بعض الروايات القوية لمجيء السكك الحديدية في الأدب الإنجليزي، توحي بأن السكك الحديدية شكلت أيضاً تطوراً للخيال بطرق مادية، بينما اتجهت إيما كينج، نحو موضوع تحول سكك الحديد مكاناً للحدث، مشكلاً قوى للتقدم في مواجهة مقاومة داخلية مجتمعية تجعله في الحدث الروائي مساحة تفتيت وبناء في الفكر والسلوك الإنساني، معتبرة أنه بالنسبة للكثيرين من الطبقة الوسطى من الفيكتوريين «يجب أن تكون السكك الحديدية قد جلبت حرية جديدة».
متاحف مفتوحة
هناك مثل إنجليزي لطيف يقول: «It is not about find your way, it is about feel your way» (المسألة ليست في أن تكتشف طريقك، ولكن كيف تشعر بهذا الطريق). والشعور بالطريق الذي تسلكه والمساحة التي تتحرك فيها، يُشكل ذاكرتك التي بطبيعتها تتيح لك إدراك جزء تفصيلي من هويتك، فمن خلالها تتصرف وتتخذ قراراتك اليومية، ولذا فإن الموازنة بين التفكير والشعور، تُعد أمراً ضرورياً في تصميم الحيز الذي نتحرك فيه باستمرار. وربما من هنا كانت مهمة تصميم «مترو دبي» بالعمل على دمج «التكنولوجيا» من خلال مفاهيم المدن الذكية، من مثل أن مترو دبي يتحرك من دون سائق، ومع «الجمال» عبر الاهتمام بعناصر الحياة الأربعة الرئيسة في تشكيل الملامح الداخلية لمحطات المترو، وهي: «الأرض والنار والماء والهواء». وأخيراً مع «التفاعل المجتمعي»، بصياغة سلسلة من المبادرات الفنية والموسيقية والمجتمعية، وتحويل المساحة داخل مترو دبي، إلى نقطة التقاء ملموسة، (نموذجاً) تحويل محطات المترو إلى أنظمة المتاحف المفتوحة في مجال الموسيقى والآداب، والزخارف والمخطوطات الإسلامية، والصور الفوتوغرافية والتصاميم والرسوم الجرافيكية والمجسمات، ويمكن تصور مدى الأثر البصري الفني لأعمال الفنان الإماراتي عبدالقادر الريس المرسومة على امتداد عربات مترو دبي، والذي يُحدث سقوط أشعة الشمس عليه تبايناً لروح اللون مع العنصر التراثي في العمل الفني.
وجميعها في السرد المجتمعي، تمثل تحولاً في شكل التعبير الثقافي، إلا أن تأثيرها سيبقى ظاهرياً، حتى يتصل الإنسان بها جوهرياً، وكيف يمكن تصور ذلك في بيئة المدن الذكية التي تنتج بطبيعتها أنماطاً سلوكية جديدة، أمام ثوابت التخطيط الحضري وهي: «المساحة العامة» و«الصالح العام»، و«المواطنون»، و«الإدارة»، و«البنى التحتية»، مع الأخذ بالاعتبار بأن لكل من تلك الثوابت، مواجهة مع تحديات مختلفة منها ثقافية واجتماعية واقتصادية وغيرها، وعبر دراسة للاتحاد الدولي للسكك الحديدية حول المحطات الذكية في المدن الذكية، بأنها بطبيعتها تهدف إلى تعزيز الاندماج الاجتماعي بدلاً من استبعاده، متجنبة الصراع (الاجتماعي والاقتصادي والمالي والبيئي والثقافي)، بهدف تحسين البيئة المعيشية.
وتنظر الدراسة إلى كيف أن المحطة الذكية لا ترتبط فقط بالقضايا المجتمعية، بل بمسألة الصلة بالأعمال المستقبلية، بقدرتها على التنبؤ والاستجابة بشكل منهجي وسريع للأغراض المتعارضة، كونها مصدراً للابتكار، بما يتناسب مع الخصائص المحلية، وأنها أبعد من كونها مركز نقل بسيطاً. ومن بين أهم ما طرحته الدراسة هو «التنمية الموجهة للعبور»، جاء فيها حول ذلك: «يجب تصميم محطة القطار لإضافة قيمة إلى العمل، ليس فقط داخل جدرانها، ولكن أيضاً بشكل خاص حول مناطق المحطات في المدن، ما يجعل المحطة حجر زاوية للاقتصاد المحلي، لا يتعلق الأمر فقط بتعزيز الأعمال في جميع أنحاء المحطة، بل وتعتمد شرعية المحطة على تخطيط المشاريع والتجديد الذي سيسهم في تنويع النشاط الاقتصادي في جميع أنحاء المحطة: الأعمال التجارية أو المناطق السكنية أو الثقافية أو حتى البيئية. ويُعرف هذا النوع من التخطيط الحضري الذي يشجع التحول إلى وسائل النقل العام ويجعل استخدام السيارات الخاصة أقل جاذبية بالتنمية الموجهة نحو العبور».
تحولات التفكير المعماري
الفهم المحلي لفضاءات مترو دبي وتأثيره على السياقات المجتمعية الثقافية، شكل منحنى نوعياً في التفكير المعماري في دولة الإمارات، فالبحث عن التصورات التي قدمها المهندس عبدالرضا أبو الحسن، مدير إدارة تنفيذي، إدارة تخطيط وتطوير مشاريع القطارات في مؤسسة القطارات في هيئة الطرق والمواصلات بدبي، أثناء حديثه عن الحركة الدائرية للركاب في المحطات وانسيابيتها، يُقدم مؤشراً علمياً للنقلة التي أحدثتها منظومة النقل الجماعي، بقوله: «تم الأخذ في الاعتبار ضرورة أن تكون المساحات المتوافرة في بهو المحطات خالية من التشويش والحواجز بقصد الحفاظ على التواصل البصري». وأضاف أنه يبرز بشكل ملحوظ «في النوع الأول من محطات مترو دبي، يقع مدخلها في المستوى مع رصيف علوي، ويهدف هذا التصميم إلى الحفاظ على تواصل بصري مع البيئة الخارجية للمحطة. أما النوع الثاني فيستند إلى أعمدة، حيث يقع كل من الصالة والرصيف في المستوى العلوي، ونظراً لوقوع هذه المحطات مع محاذاة طرق سريعة مزدحمة، فسيكون بالإمكان الوصول إليها من كلا جانبي الطريق عبر المداخل الموجودة في المستوى الأرضي، وينتقل الركاب إليها عبر جسر للمشاة».
عودة إلى ما ذكره المهندس عبدالرضا أبو الحسن، حول مسألة الحفاظ على التواصل الذي يشكل المحور الرئيس للفعل الثقافي في المجتمعات التي اتخذت العديد من محطات المترو في العالم، منهجها في التصميم لجعله محركاً للهيكل الاقتصادي المحلي. والاحتفاء بتصميم «مترو دبي»، يقودنا إلى إحدى الروائع الجديدة وهي محطة هونغ كونغ غرب كولون، للمصمم العالمي أندرو برومبرج، عبر الشركة المعمارية العريقة «إيداس»، حيث يعمل أندرو برومبرج على فلسفة أساسية تُثمن «الاستدامة البشرية»، ولذا جاءت المحطة على أكثر من 3 هكتارات من «الساحة الخضراء»، تشجيعاً للناس للمشي على سطح المحطة المحاذي للأشجار والشجيرات الناضجة، وعيش متعة المناظر، لاكتساب روابط جديدة مع المدينة، عبر مساحة الأرض القابلة للاستخدام للمحطة البالغة 400000 متر مربع تقريباً، حرص فيها المصمم على الإحساس بالسيولة التي تنعكس على فكرة تلاقي القوى المختلفة في مدينة عالمية.
ترام دبي
التفكير بالسيولة يرتبط عادةً بشعور فعل الترابط مع المدينة. وعبر رحلة في مترو دبي، خاصةً عند النزول من محطة مترو داماك العقارية، المرتبطة بمحطة «ترام دبي»، يُمكن استشفاف المعنى الفعلي من فكرة المشي بين المحطتين، وهو أن يشكل المستخدم محور الحركة في مناطق العبور بمنظومة النقل ككل. ففي «ترام دبي» لا تتوقف إلا عند المحطات المحددة، ترتحل بين التقاطعات الرئيسة لحيوية مرسى دبي. وكون الترام يعمل بنظام التغذية الكهربائية الأرضية، لذا لا يمكن مشاهدة أسلاك علوية كتلك التي يمكن ملاحظتها في بعض بلدان أوروبا، مكملاً الجزء الجمالي المهتم باللغة البصرية للمدينة. عندما يتحرك الترام أنت تتحرك بمحاذاة السيارات، تقارب حركتك الشخصية، وتكتشف حريتك في التنقل، بمفهومه الذي يتجاوز فكرة الانتظار، للوصول إلى محطة أخرى، بل يحضر بصورة مختلفة وهي أن تنتظر اكتمال أثر اتصالك بالمكونات المحيطة بالترام، خاصة أن محطات «ترام دبي»، متلازمة مع أرصفة الشوارع العامة، وتتيح للمستخدم أن يمشي على الطرق، متابعاً إشارات «المشاة» المخصصة للانتباه في حالة مرور الترام، في المرحلة الأولى تعيش في مساحة الفراغ الداخلية للترام، وبعدها تجرب فكرة الفضاء الخارجي للترام، وكلاكما في حالة اتصال متبادل، فأنت تنظر إليه تارة، وتعيش فيه تارة أخرى.
تجربة ترام دبي والاتصال بالبيئة المحيطة، يوضح المنحى العالمي، في الاهتمام بمحطات القطارات ومنها ما أقيم في مدينة تيلبورغ بهولندا، حيث تم تحويل أحد مباني محطة سكك الحديد القديمة المشيدة في عام 1932 إلى مكتبة، تمت إعادة تشكيلها كمساحات معيشية حضرية، تعرف باسم مكتبة «LocHal»، ودمج فيها المصممون المكاتب مع المركز الثقافي، بحيث يشعر من خلاله الناس أنهم في مكان مألوف، وفي المقابل فإن نوافذ ترام دبي الزجاجية، تتيح ذاك التصميم المفتوح نفسه في المكتبة، أنت تجلس في لحظة حركة متصلة، وميزة الحركة أنها مستمرة ودائمة وشفافة، كل شيء يمر من خلالك ويعود لمكانه، سواء مباني الفنادق أو الناس ممن يقودون دراجاتهم الهوائية أو المستخدمين الجالسين بالقرب منك يشاركونك لحظة الاتصال بالمحيط الحيوي غير الثابت.
بإمكانك أن تسأل عما إذا الانفتاح في محطات «مترو دبي»، يرتبط فقط بنسب الفراغ المتاحة في داخلة، إلا أنه فعلياً يمثل الفراغ، إضافة إلى تفاصيل الغلاف الجوي للمحطة، وإنجاز الأمر يعتمد على الالتزام بالجانب الوظيفي والأمان لاستخدامات المحطة، وقد أوضح المهندس المعماري بوران أغوستون حول ذلك، وقتها، أنهم عملوا على أنظمة التهوية وكيفية الحصول على الضوء الطبيعي إلى شكل الألواح الزجاجية الخارجية، إلا أنه لابد من فحصها بعناية وتغييرها مرات عديدة. لأنه يجب أن تكون حالتها الوظيفية آمنة، في ظل استخدام الملايين للمترو. وهو بطبيعة الحال ما أكده مطر الطاير، المدير العام، رئيس مجلس المديرين في هيئة الطرق والمواصلات بدبي، في حديث سابق، خلال الحديث عن محطات المترو الجديدة في دبي، عبر «مسار 2020»، المتضمنة 7 محطات تمتد من محطة «نخيل هاربر آند تاور» إلى محطة «إكسبو 2020 دبي»، فالأخير مستلهم تصميمه من أحد أهم الاختراعات في العالم وهي «الطائرات»، ويمثل التصميم الخارجي لهذه المحطة جناح الطائرة، قائلاً: «أصبح لدينا خبرة في المترو وتعلمنا دروساً كثيرة، منها ما يتعلق بتصاميم المحطات والتغييرات في مداخلها والمسارات الداخلية بهدف استيعاب عدد أكبر من الأفراد، وصيانة المحطات بالنسبة للغسيل والتنظيف الخارجي، وتمت مراعاة ذلك في التصاميم الحالية، وكذلك هناك تغيرات في عملية توريد الطاقة ومراعاة تصميم عربات القطار».
مرآب مترو دبي
مرآب «مترو دبي»، من الأماكن التي لا تحظى بزيارة من قبل المستخدم العادي للمترو، فهي مخصصة عادةً للمهندسين والتقنيين والموظفين القائمين على إدارة أعمال صيانة عربات القطار، إلا أنه من الأماكن الحيّوية لفهم آليات التكوين الأولية لنشوء حركة القطار بين أرجاء المدينة، ففيه تتم عملية مراقبة عجلات القطار، وتنظيفها، وإعادة صقلها للرحلات القادمة. وللمرآب كذلك مساحاته الخاص النوعية، وبالأخص الأرضيات التي صُممت لتتناسب مع حركة عربة سحب القطارات، حيث يتم فيها تحريك العربة عن بعد، ويمكن ملاحظات انقسام الفضاء العام إلى أرضيات سفلية وأرضيات مرتفعة، تمكن المختصين من الاطلاع على الجوانب السفلية لعربات القطار، مع توزيعات متباينة للإضاءة.
يتيح الانتقال بين تفاصيل المرآب، إمكانية مشاهدة المهندسين المختصين، ومراجعاتهم للقدرة الأدائية لكل عربة قطار، واللافت أن فضاء المرآب وتحديداً السقف، يوحي للمشاهد بأنه في محطة قطار لسكك الحديد، في العهد السابق، ذات اتساع فسيح، والأعمدة الصناعية المكشوفة، ينقصها مشهد الدخان الصادر من القطارات التي كانت تعتمد مسبقاً على الفحم لتوليد الطاقة، ولافتات الانتظار وأيدي الملوحين لمحبيهم وأصدقائهم، ليكتمل المشهد.
بالنظر إلى التجويف السفلي في أرضية مرآب مترو دبي، يمكن متابعة حركة سير المهندسين، في داخله، واشتغالاتهم على البيئة التقنية العميقة لمحركات عربات القطار. والمرآب أيضاً فرصة مهمة لإلقاء نظرة قريبة للزوايا الداخلية لعربات المترو، فالوقوف بالقرب من الحد الفاصل بين عربة وأخرى، الشبيه بالمنفاخ الهوائي لآلة الأكورديون، يجعل الناظر يتأمل الحبال المتصلة بين العربات التي يمكن الاطلاع على حركتها الموجية أثناء رحلة المترو.
أما السلالم في مرآب مترو دبي، فمصممة وفق متطلبات السلامة والأمن العام للعاملين في القطاع التقني والهندسي، سواء في صعودهم لمستويات مرتفعه أو نزولهم، إلى جانب حضور اللون الأصفر كعلامة بأشكال دائرية وعمودية وأفقية ممتدة على الجدران للحركة في داخل المرآب، ويمكن دراسة تأثير اللون لكونه المحفز داخل التناغم المفتوح للمرآب، خاصةً أن مفهوم المرآب يتسع ليشمل المحطات المختلفة للإبداعات العالمية، ومن بينها انطلاق مبدع الهاتف الذكي «آي فون» ستيف جوبز، عبر منظومة العمل في المرآب، ومنه يتصور المرء كيف أن المرآب يُشكل مختبرات مصغرة لإحداث التحول في العالم. وأستذكر هنا ما ذكره الكاتب والتر إيزاكسون، في كتابه عن سيرة ستيف جوبز، إذ يقول ستيف عن والده الذي كان يعمل في مجال تجديد وبيع السيارات المستعملة: «لقد كان يحب فعل كل شيء بطريقة صحيحة، حتى إنه كان يهتم بالأشياء التي لا يمكنك رؤيتها». وحديث جوبز يؤكد الفضاء المساهم لمرآب مترو دبي، لكونه المخزون الطاقي الذي لا يُرى من قبل المستخدمين لهذا التطواف المنساب في المدينة، إلا أنه المصدر الأساسي للحفاظ على استمرارية حركة المجرى العام لحضور المترو في مجتمع مدينة دبي.