تتوقع وأنت تحضر الفعاليات الثقافية والفنية، حضور عدد أكبر من فئات المجتمع المختلفة، لكنك تفاجأ باختفاء الأدباء المتواصل بشكل عام، أو بتغيبهم عن بعض الأنشطة بشكل خاص، وأيضاً، نلاحظ التغيب الجماهيري اللافت، ولذلك، تساءلنا: أين ولماذا يختفي الأدباء والفنانون والمثقفون بعيداً عن حضور الأنشطة والفعاليات الثقافية والفنية؟ هناك أسباب مختلفة، تحدثت عنها الشاعرة الهنوف محمد، المسؤول الثقافي لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات، رئيس الهيئة الإدارية لاتحاد الكتاب ـ فرع دبي، فقالت: أولها المبدع كائن هوائي، حضوره مرتبط بطريقة مزاجية، ليس بالضرورة أنه لا يحب الفعاليات، بل غالباً، ما يتقوقع على نفسه وعزلته، ليجدد إبداعه، أو يتنقّل بين جنس أدبي وآخر، من الشعر إلى السينما، ومن الرواية إلى المسرح، وثانيها مسألة العلاقات الاجتماعية المتقاربة بين فئة ما، وهي لا تتعلق بمضمون النشاط الثقافي الذي قد يكون نوعياً، لكن، لأن الأديب لا ينتمي لأية مجموعة فإن عدد الحضور يقل، وثالثها يتعلق بشخصية الكاتب، بعض الكتّاب نكديون، لا يتمتعون بقبول جماهيري، وبعضهم يتمتعون بالاختلاف المريح، فيكثر الحضور بعيداً عن المجموعات، وهذا ما نأمله، أي أن تكون هناك بيئة أكثر صحية وإيجابية، سائدة بين الأدباء، محورها النشاط لا الأشخاص والعلاقات.
بينما رأى الكاتب د. محمد عبد الله المطوع، عضو الأمانة العامة للعويس الثقافية، أنه لو تمّ التنسيق بين المؤسسات الثقافية الحكومية والأهلية، لاستقطبنا الأدباء والمتلقين والجمهور بطريقة أفضل، لأن التنسيق لا يوزع الحضور على الأنشطة التي تحدث أحياناً، في الوقت ذاته، وأضاف: يجب عدم تكرار الأسماء، خاصة تلك التي لا تجدد تجربتها، لأن الناس تقول: 20 مرة سمعناه يقول الكلام ذاته، ولا بد من التنويع والتجديد من خلال إعطاء الفرصة للأجيال الجديدة.
الجو غريب، إننا نتطور بأسرع مما نتخيل في زمن الضخ المعلوماتي، وهذا الموضوع يحتاج لدراسة من قبل أخصائيين نفسيين واجتماعيين وثقافيين، قال الشاعر طلال سالم، وتابع: ربما لأن منهجية العقول في التعامل ما زالت قديمة، ثقافياً وإعلامياً، فضلاً، عن غياب الإبداع من قصيدة وقصة في الصحف اليومية، بلا شك، هناك أناس تميز بين الإبداع والركاكة، فتحضر، حسب ظروفها، لأدباء يقدمون الجديد، بينما تبتعد عن (أدباء الركاكة) بعدما تجرب الحضور مرتين وأكثر، ثم تغيب إلى الأبد. كنا سابقاً نتسابق لنسمع قصيدة ونتعرف إلى الشاعر، بينما الآن نسمع من يقول في نفسه: لماذا أحضر لأدباء لا أعرفهم؟ سمعت هؤلاء الأدباء أكثر من مليون مرة؟ الأفضل أن أختار شعراً أسمعه من «اليوتيوب» وأنا أقود السيارة. إذن، لماذا لا توظف المؤسسات وسائل التواصل الحديثة، وأهمها «اليوتيوب» مثلاً، في خدمة أنشطتها؟ ربما، حينها، يأتي الحضور من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي.
وأكد المهتم بالثقافة سالم النقبي (وزير مفوض) على ضرورة تأسيس الاهتمام الثقافي منذ الصغر، وهو من أصعب أنواع التحدي الذي تنجزه أطراف عدة، الأهل، المدرسة، المؤسسات الثقافية المختلفة، متسائلاً: لماذا لا تطلب المؤسسات الثقافية من المدارس ترشيح (10) مواهب أدبية كل عام؟ لماذا ليس هناك رحلات مدرسية للمباني الثقافية مثل متحف اللوفر أبوظبي، أوبرا دبي، اتحاد الكتاب؟ ولماذا لا يصطحبون الطلاب إلى الفعاليات الثقافية للحضور والتفاعل وإبداء الآراء؟ وأضاف: لعل المدارس تحتاج إلى مسؤول ثقافي وإعلامي ليكون حلقة وصل بين الأهل والمدرسة والمؤسسات الثقافية.
غالية خوجة (دبي)