محمد حامد (الشارقة)
يحصل الملايين من عشاق الكرة العالمية على راحة «إجبارية» لمدة 12 يوماً، حيث يتوقف النشاط الكروي المحلي حول العالم من أجل الأجندة الدولية وارتباطات المنتخبات الوطنية، وقد اتفق الجميع على وصف فترة التوقف بـ«أيام الملل»، حيث تطل علينا أجندة الفيفا في الوقت الذي تشتد المنافسة، وترتفع وتيرة الإثارة في بطولات الدوري الكبرى في القارة العجوز.
بعد انقضاء ما بين 7 إلى 8 جولات في دوريات أوروبا الثلاثة الكبرى، وهي الدوري الإنجليزي، والدوري الإسباني، والدوري الإيطالي تشكلت ملامح 5 سيناريوهات خيالية، ولكنها تبحث عن مكان لها في دائرة الواقعية، فقد تظل هذه السيناريوهات مجرد توقعات وانطباعات سطحية صنعتها العاطفة الجماهيرية والإثارة الإعلامية، وقد تتحقق على أرض الواقع، وتصبح حقيقة في نهاية الموسم، فهي أقرب للخيال، ولكن دخولها دائرة الواقع لن يكون مفاجأة.
يقولون إن مان سيتي بطل الدوري الإنجليزي، قد يتنازل عن كل شيء من أجل تحقيق الحلم الأكبر، وهو لقب دوري أبطال أوروبا، وفي المقابل لم يعد الليفر متحمساً بما يكفي للقتال على الجبهة الأوروبية، دون أن يجعل طاقته تتجه صوب تحقيق لقب الدوري الغائب عن خزائن النادي منذ عام 1990.
وفي إنجلترا أيضاً، حينما نبتعد عن دائرة الصراع على الألقاب الجماعية، ونتجه صوب المنافسات الفردية، فهناك انطباع تتشكل ملامحه يقول إن السنغالي ساديو ماني بتألقه المستمر نجح في إنهاء مشروع نجومية المصري محمد صلاح للأبد.
وفي إسبانيا، ترتفع الأصوات التي تقول إن الفشل ينتظر زين الدين زيدان في العودة الثانية لتدريب الريال، وفي كتالونيا يتهامسون حول مصير إبرا الذي ينتظر جريزمان، في إشارة إلى أن اللاعب صاحب الشخصية القوية لا نصيب له من النجومية في فريق يلعب له الأسطورة ليونيل ميسي.
صلاح يتأرجح بين غيوم الشك وإشارات اليقين
بدا محمد صلاح، وكأنه هبط من الفضاء ليقتحم دائرة التوب 3 في الكرة العالمية، بعد تألقه في موسمه الأول مع ليفربول، وكان قريباً من انتزاع الكرة الذهبية، في حال كان قد حقق دوري الأبطال الذي فاز به الريال في ليلة إصابة النجم المصري على يد سيرجيو راموس، ومنذ هذا الوقت، لم يتوقف الجدل حول مقدرة صلاح على مزاحمة نجوم الكرة العالمية، وهو الأمر الذي يظل مرهوناً بمواصلته التألق في كل موسم، وإذا لم يفعل ذلك سيظل أسيراً للتأرجح بين غيوم الشك، وإشارات اليقين. وفي ظل غموض الموقف، جاء السنغالي المتألق ساديو ماني ليخطف بعضاً من الأضواء التي تحيط بصلاح، حيث يرى البعض أن ماني أكثر تأثيراً وتوهجاً، وهو الانطباع الذي يفتح الأبواب أمام من يتوقعون توقف مشروع دخول صلاح كوكب «السوبر ستارز»، ويجعل عشاق الليفر حائرين في أحقيته بلقب «ميسي الليفر» ليس على مستوى المهارة التي يستأثر بها ميسي، ولكن على مستوى التأثير في أداء ونتائج الفريق. مشروع نجومية صلاح، وانتزاع مكانة «النجم الأول» في صفوف الريدز، وأحد أفضل 5 نجوم في الكرة العالمية، سيظل مرهوناً بما سيقدمه النجم المصري في الموسم الحالي، وخاصة في منافسته مع ماني الذي سجل 8 أهداف، وصنع هدفاً، فيما سجل صلاح 6 أهداف، وصنع 3 منذ بداية الموسم الجاري في جميع البطولات.
حلم «البلو مون» أكبر من دوري الإنجليز !
قد تكون المهمة الأصعب في عالم كرة القدم أن تحصد لقب الدوري الأقوى، ودوري أبطال القارة في نفس الموسم، وهذا الأمر ينطبق على الأندية الإنجليزية أكثر من غيرها، فالدوري الإنجليزي هو الأكثر صعوبة وتنافسية وقوة، ومن ثم يصبح الجمع بينه وبين دوري أبطال أوروبا أمراً معقداً، وفي الوقت الراهن، هناك فريق يحلم بدوري الأبطال لكي يحصل رسمياً على صكوك اقتحام عالم الكبار، وهو مانشستر سيتي الذي حصد لقب البريميرليج 4 مرات في آخر 7 سنوات، إلا أنه لم يتوج أبداً باللقب القاري، وفي المقابل لم يتمكن ليفربول، المتربع على عرش أوروبا، من ارتداء التاج الإنجليزي، منذ ما يقرب من 30 عاماً.
الانطباع السائد في الوقت الراهن له ما يبرره، فقد حقق الليفر الفوز في 8 مباريات من أصل 8، وخسر السيتي 8 نقاط هي الفارق بينه وبين المتصدر ليفربول، فلماذا لا يتحول تركيز بيب جوارديولا صوب الحلم الأوروبي ؟ ولما لا يقرر يورجن كلوب أن يجعل لقب البريميرليج هدفاً دون أن يشغل نفسه كثيراً بالمعركة الأوروبية ؟ نظرياً قد يكون هذا هو الواقع الذي سيفرض نفسه على الفريقين، ولكن عملياً لا يمكن للأندية الكبيرة استبعاد نفسها من المنافسة على أي بطولة، بداية من البطولات الودية، وصولاً إلى الألقاب المحلية والقارية.
كونتي يعترف: الفجوة لازالت كبيرة مع اليوفي
من يوقف زحف اليوفي صوب لقب الدوري الإيطالي للمرة التاسعة على التوالي ؟ بالطبع يظل «إنتر كونتي» الكيان الأقرب لخوض هذا التحدي، إلا أن نسبة نجاحه في إزاحة فريق «السيدة العجوز» ليست كبيرة، ويكفي أن أنتونيو كونتي يقر ويعترف بذلك على الرغم من التحسن الكبير في أداء الإنتر، ومزاحمته لليوفي على صدارة الدوري .
كونتي لم يخجل من التمسك بالواقعية، رداً على أحلام عشاق الإنتر، وغيرهم من جماهير الأندية الإيطالية التي تشعر بأنه يجب وضع حد لسيطرة اليوفي، بل احتكاره للدوري الإيطالي، حيث قال عقب الهزيمة بهدفين لهدف أمام بطل الدوري الإيطالي: «يجب ألا نضع أنفسنا في مقارنة مع اليوفي، هناك تصنيف خاص يجلس فيه اليوفي منفرداً، وعلينا الاستمرار في العمل من أجل تقليص الفجوة معهم، لا يوجد طريق مختصر يجعلنا نقف على قدم المساواة معهم، نحن نعمل مع لاعبين يكتسبون الخبرة كل يوم، ويجب أن يستمر العمل للوصول إلى المستويات الأعلى».
المفارقة أن كونتي هو الذي صنع اليوفي الجديد، ومنذ حصوله معه على لقب الدوري موسم 2011 - 2012 لم يتمكن أي فريق من الوقوف في وجه السيدة العجوز حتى الآن، ويسعى المدرب الذي يشتهر بغرس عقلية الفوز والقتال في نفوس اللاعبين إلى وقف الاحتكار الذي يمارسه اليوفي على الكرة الإيطالية، وهي مهمة معقدة إلى حدٍ بعيد.
زيدان يبحث عن الهوية في الولاية الثانية
ليس من الذكاء أن تعود للمكان الذي صنعت فيه مجداً، بل هي مغامرة متكاملة الأركان في حال جاءت هذه العودة في ظروف مختلفة، وأجواء أكثر صعوبة وتعقيداً من أجواء التجربة الأولى، هذا هو الانطباع السائد حول عودة زين الدين زيدان لقيادة الريال في الوقت الراهن، فقد حقق كل شيء في الولاية الأولى، وخاصة في دوري الأبطال، ولم يحقق ذلك بفضل فكرة التدريبي فحسب، بل إن النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو اقتسم معه التأثير في انتصارات وبطولات الملكي..رحل رونالدو، وعاد زيدان، وعلى الرغم من أن المخاوف المحيطة بزيزو لها ما يبررها، فإنه يتصدر جدول ترتيب الليجا بعد 8 جولات، حاصداً 18 نقطة، تاركاً المركز الثاني للبارسا الذي جمع 16 نقطة حتى الآن، ولم يعرف الريال الهزيمة في الليجا الموسم الحالي، فيما تجرع المنافس الأبدي برشلونة مرارة الخسارة في مباراتين من بين 8 مواجهات، الأمر الذي يفتح أبواب الأمل أمام «ريال زيدان» للعودة إلى عرش البطولة الإسبانية. وسيظل نجاح زيدان في ولايته الثانية بمملكة الريال مرهوناً بنجاحه في العثور على هوية حقيقية للتشكيلة الحالية، فضلاً عن تألق إيدين هازارد الذي يتوجب عليه ألا يتوقف عن محاولة الاقتراب من قامة وتأثير النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، وإذا لم يحدث ذلك فسوف يكون مشروع زيدان في مهب الريح.
جريزمان يقترب من السقوط في «بئر إبرا» !
لا يمكن وصف تجربة زلاتان إبراهيموفيتش مع البارسا بالفاشلة، ولكن لا يمكن القول إنها ناجحة، قياساً بقدرات ومكانة السلطان السويدي في نفس الوقت، فقد رحل عن البارسا لأنه يملك قوة الشخصية، ولم يقبل بدور «مساعد ليو»، كما أن أليكسيس سانشيز عاش تجربة مماثلة مع «بارسا ميسي»، الأمر الذي يجعل الترقب الجماهيري لما يمكن أن تسفر عنه مغامرة أنطوان جريزمان مع الفريق الكتالوني مستمراً، خاصة أن البدايات تسيطر عليها حمى الإشاعات حول افتقاد القبول والتناغم بين ميسي والنجم الفرنسي.
الإشاعات تجاوزت الحد المقبول، وارتقت إلى مرحلة نشر تقارير صحفية عن إمكانية التضحية بجريزمان لإرضاء ميسي، وفي الوقت ذاته السعي لإعادة نيمار للبارسا من جديد، وعلى الرغم من إمكانية حدوث هذا السيناريو، فإن الواقع الحالي يؤشر إلى أن جماهير وإدارة البارسا والجهاز الفني سوف يمنحون جريزمان وقتاً وصبراً، للتأكد من قدرته على التأقلم.
ميسي وسواريز هما حجر الزاوية في البارسا، ونجح الهداف الأوروجوياني في الحصول على ما يسمى في الصحافة العالمية بـ«مباركة ميسي» منذ قدومه لصفوف الفريق، فالعلاقة بينهما تشهد تناغماً على مستوى الأداء داخل الملعب، وكذلك بالنظر إلى قوة الروابط العائلية والشخصية بينهما، الأمر الذي جعل سواريز يتجاوز مشكلات التكيف مع الأجواء الكتالونية، ويتجاوز صعوبات الاندماج مع البارسا، وتحديات التألق في «فريق ميسي».