واشنطن (أ ف ب)
بدأ الانتعاش الذي شهدته الصناعات الأميركية يتداعى، وبدأت بعض مصانع السيّارات والصلب تغلق أبوابها في وقت تعلن الشركات تسريح موظفين ومنحهم إجازات من دون راتب. ووصل إنتاج المصانع إلى مرحلة الخطر.
وتبدو التوقعات لنهاية العام غير مطمئنة، مع تزايد المخاوف من احتمال دفع الحروب التجارية الأميركية مع الصين وأوروبا عبر فرض رسوم جمركية على منتجات بقيمة مليارات الدولارات أكبر قوة اقتصادية في العالم باتّجاه الركود على وقع تباطؤ الاقتصاد العالمي.
وتشكّل سوداوية المشهد في مناطق البلاد التي أهدت الرئيس الأميركي دونالد ترامب الفوز عام 2016 مصدراً للقلق بالنسبة للرئيس في وقت يسعى إلى الفوز بولاية ثانية العام المقبل. لكن يبدو أن البيت الأبيض غير مستعد للإقرار بذلك. وفي سبتمبر، مع تباطؤ خلق فرص عمل جديدة وتراجع ثقة المستهلكين والمؤشرات الرئيسة وتباطؤ نشاط المعامل، هاجم ترامب الديموقراطيين والاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) وكل شيء عدا سياسته التجارية متّهما وسائل الإعلام بـ«استجداء» حدوث ركود.
وقال ترامب في مؤتمر صحفي 25 سبتمبر الماضي «ارتفع مؤشر مديري المشتريات الصناعي بشكل ملموس. بلدنا أقوى اقتصادياً من أي وقت مضى».
لكن في الواقع، تراجع مؤشر معهد إدارة التوريد الصناعي الذي يعد مقياس صحة المصانع الأميركية الأكثر متابعة، إلى مستوى الخطر في أغسطس لأول مرّة منذ ثلاث سنوات. وبعد أسبوع من تصريحات ترامب، تراجع إلى أدنى مستوياته منذ الأزمة المالية العالمية. وقال رئيس لجنة المسح التجاري في معهد إدارة التوريد الصناعي تيم فيور لفرانس برس، إن التراجع هذا العام كان الأشد خلال القرن برمته. وقال «إنه أشبه بهبوط»، محذّراً من تزايد مخاطر حدوث ركود. وأفاد «أعتقد أنه إذا بقينا تحت 50% لعدة أشهر إضافية، فلن يكون الأمر جيداً كثيراً».
تعامل انتقائي
واعتباراً من أغسطس، انخفض عدد العاملين في قطاع الصناعة في كل من ويسكنسن وبنسيلفانيا وكارولاينا الشمالية وميشيجن مقارنة بأواخر عام 2018، بحسب بيانات وزارة العمل.
لكن في تصريحات غاضبة على التلفزيون، اتّهم كبير مستشاري ترامب في مجال التجارة بيتر نافارو وسائل الإعلام بـ«التغنّي» بتراجع الاقتصاد. وقال عبر شبكة «سي إن بي سي» «الاقتصاد في عهد ترامب قوي كالصخرة. والصناعة قوية كالصخرة».
واعتبر أن الحديث عن خسارة الوظائف في بنسيلفانيا هو مجرّد تعامل «انتقائي مع المعلومات» والأرقام.
وفي 30 سبتمبر، حمّل حاكم لويزيانا الديمقراطي جون بيل إدواردز حروب ترامب التجارية مسؤولية إفلاس مجموعة «بايو ستيل» لصناعة الصلب والذي تسبب بإلغاء نحو 400 وظيفة.
وفي مقاطعة أوسينا في ميشيجان، حيث ازداد الدعم للجمهوريين في انتخابات 2016، أعلن مصنع لصهر الفولاذ تديره شركة «وابتيك» لصناعة القطارات الشهر الماضي أنه سيغلق أبوابه بحلول نهاية العام ويسرّح 61 عاملاً بسبب «تراجع الظروف بالنسبة للأعمال التجارية».
وفي وقت سابق خلال الصيف، سرّح مصنع «إن إل إم كي- يو إس أيه» الروسي للفولاذ نحو مئة موظّف في مقاطعة ميرسر الرائدة في هذا المجال في بنسيلفانيا، عازيا الخطوة إلى الرسوم التي فرضها ترامب على ألواح الصلب المستوردة التي يعالجها المصنع.
وناشد عضو الكونجرس مايك كيلي المؤيد لترامب البيت الأبيض المساعدة لكن من دون جدوى. ودعمت مقاطعة ميرسر ترامب بشكل كبير في 2016، حيث أسهمت الأصوات الكثيرة التي حصل عليها في منحه أغلبية على نطاق الولاية.
تسريح الموظفين
وأظهرت بيانات من معهد «بروكينجز» أنه على صعيد البلاد، تبدو المقاطعات الجمهورية الأكثر تأثّراً بتراجع الصناعة.
ويشير مارك مورو من معهد «بروكينجز» إلى أنه مع الأخذ في الاعتبار «مدى قدرة الاقتصاد على تشكيل السلوك السياسي، وهو أمر قد لا يحدث في هذه المرحلة، قد يكون هذا التباطؤ غير مناسب» بالنسبة لترامب. وقالت أوليف ماكيثان رئيسة بلدية فاريل في بنسيلفانيا حيث مصنع «إن إل إم كي» للفولاذ لـ فرانس برس إن عمليات تسريح الموظفين شكّلت ضربة كبرى للناخبين في مدينتها. وحمّلت ترامب ورسومه الجمركية المسؤولية. وقالت «آمل أن يكون جميع من صوتوا للرئيس الـ45 (للولايات المتحدة) سعيدين» بخيارهم. لكن رئيس مجلس مفوّضي مقاطعة ميرسر الجمهوري ماثيو ماكونيل، الذي كان نفسه عاملاً في مجال الصلب، اعتبر أن التأييد لترامب لم يتضاءل. وقال «إذا تمّت الانتخابات، فسيكون هناك دعم أكبر لترامب». وأضاف أن مواجهة ممارسات الصين التجارية غير المنصفة هو أمر ضروري.
وقال «لم تكن لديه أي نوايا سيئة تجاه موظفي «إن إل إم كي»، لكن كشخص مهتم بالأعمال التجارية يجد أحيانًا ضروريا اتّخاذ قرارات تصب في مصلحة الأغلبية» على حساب البعض.