18 يناير 2012
لم يصادفني طفل في رياض الأطفال، أو بالمدرسة في المرحلة التأسيسية الابتدائية، إلا واشتكى مر الشكوى من ثقل وزن حقيبته المدرسية، كما أصبحت الظاهرة شكوى أمهات مثل هؤلاء الأطفال المزمنة، وهن عادة ما يلقين اللوم على عدم التزام المدرسة بتوزيع جدول يومي للحصص، من شأنه أن يخفف عن الأطفال حمل هذا الثقل من الكتب والأدوات المدرسية كل يوم. وعندما نقلنا الشكوى إلى عدد من إدارات الحضانات أو المدارس، نتفاجأ بأنهم يدركون طبيعة الشكوى، بل يقرون بالضرر الصحي البالغ الذي يمكن أن تسببه هذه الحالة من انعكاسات صحية سلبية على العمود الفقري للأطفال في هذا العمر، من جراء ثقل وزن الحقيبة المدرسية، وجهل كثير من الأبناء الطريقة المثلى لحملها لتقليل الضرر، بل ويلقون بالمسؤولية على الأسرة في عدم تعاونها مع المدرسة أو الحضانة لترتيب حقيبة أطفالهم بشكل يومي.. وأيا كانت المسؤولية الموزعة هنا أو هناك، إلا أن الضرر موجود، ويظل وزن الحقيبة المدرسية، وحجمها، وطريقة حملها، خطراً جاثما على “العمود الفقري”، للأبناء، وأصبح كثيرون منهم مهددين بتشوه في عمودهم الفقري، أو تقوس في الساقين، وغير ذلك من أضرار لاحقة.
الدكتور ولاء الأسيوطي، استشاري جراحة العمود الفقري والعظام ومدير “إكستر ميديكال سنتر”، في أبوظبي، يوضح مخاطر ثقل وزن الحقيبة المدرسية على الأطفال، على سلامة القوام، وسلامة العمود الفقري لهؤلاء الصغار، ويحذر من التشوهات المحتملة من جراء هذه الظاهرة، ويقول:” يتميز سن الطفولة بالنمو المتسارع لجميع أجهزة وأعضاء الجسم بما فيها الهيكل العظمي وتتأثر تلك العظام بالمؤثرات الخارجية لاسيما إذا كانت مستمرة، وبشكل عام علينا أن نتصور أن العمود الفقري في جسم الإنسان يتكون من مجموعة من الفقرات التي يتوسطها تجويف يمر من خلاله الحبل الشوكي، الذي يتفرع منه مجموعة من الأعصاب تمتد إلى الجذع والأطراف العلوية والسفلية، وتجمع هذه الفقرات مع بعضها البعض كتل من الأربطة والعضلات وتفصلها وسائد غضروفية تمنع احتكاك العظام مع بعضها. وفي الأطفال الأصغر سنا يبدو التقوس في الساقين احد مظاهر تشوه العظام عندما يتعرض الجسم لمثل تلك المؤثرات “ كحمل وزن ثقيل” بشكل مستمر أو متقطع ومتكرر فان ذلك قد يؤدي إلى تكوين تشويه للعضو الضحية لاسيما وأنه كما ذكرنا في طور النمو. ففي حال حمل الحقيبة المدرسية ثقيلة الوزن ، قد يؤدي إلى انحراف العمود الفقري وانحنائه، أو عمل إجهاد أو تمزق عضلي في المنطقة المشدودة. فضلا على أن أي تغير للفقرات عموما قد يؤدي إلى الضغط على الأعصاب المتفرعة من الحبل الشوكي محدثا بذلك تغيرات حسية وحركية فضلا عن الألم المصاحب”.
انحراف
يوضح الدكتور الأسيوطي، كيفية انحراف العمود الفقري، ويقول:” انحراف العمود الفقري هو حالة مرضية تصيب العمود الفقري وتسبب له انحرافا، وهو عادةً ما يسبب الألم عند الصغار والبالغين وكبار العمر. ويظهر في الأشعة السينية العمود الفقري إما على شكل حرف S” “ أو حرف “ C”. وتنتشر انحرافات العمود الفقري الأكبر من 10 درجات وتصيب حوالي 2- 3% من الناس، وما دون ذلك يكون غير ملاحظ وغير خطير، لكن يجب التأكد من عدم زيادة الانحراف. أما الانحرافات التي تزيد على 20 درجة، فهي تصيب شخصا واحدا من بين 2500 شخص. وقد سجل أن الميلان إلى الجهة اليمنى أكثر منه إلى الجهة اليسرى. والانحراف الفردي -أو على شكل “ C”- أكثر شيوعا من الانحراف المزدوج “ S”.
وكثيراً ما يسبب الانحراف في العمود الفقري ألما أثناء فترة البلوغ، خصوصاً إذا ترك الانحراف من دون معالجة سواء بالجراحة أو العلاج الطبيعي. ولكن، تجدر الإشارة هنا إلى أن العمليات الجراحية لتصحيح انحراف العمود الفقري هي غالباً لا تزيل الألم بشكل كامل، لكنها لغرض التجميل ومنع الميلان من الزيادة والتقوس.
الوضعية السليمة
يضيف الدكتور الأسيوطي:” لا يقتصر الضرر فقط على الاختيار والحمل غير الصحيح للحقيبة المدرسية بل يمتد الأمر إلى ضرورة أخذ الوضعية السليمة عند حمل بعض الأشياء الثقيلة سواء للأطفال أو البالغين فلا ينبغي مثلا حني الجسم بوضعية الركوع لحمل بعض الحاجيات الثقيلة، إذ أن ذلك يضع ارتكاز ذلك الحمل في نقطة واحدة من الظهر وعدم توزيع الثقل على الفقرات جميعا مما قد يؤدي إلى الانزلاق الغضروفي، وقد يعاني منه الطفل بشكل مزمن، في حين أنه يستطيع تفادي ذلك باتباع الطريقة الآمنة لحمل مثل تلك الأشياء الثقيلة. كذلك ينبغي الانتباه إلى وضعية جلوس أبنائنا الطلاب وخاصة الصغار منهم على مقاعد الدراسة بطريقة صحيحة وعدم الجلوس بظهر مقوس، إذ أن ذلك يحمل ضررا لا يقتصر فقط على العمود الفقري والهيكل العظمي فحسب، بل أن ذلك قد يطال جميع أعضاء الجسم الداخلية بما فيها الدورة الدموية وضمان وصول الدم وتدفقه بشكل مرن وسهل إلى جميع أنحاء الجسم”.
ويكمل الدكتور الأسيوطي: “تؤكد الأبحاث أن حمل التلاميذ حقائبهم المدرسية على الظهر في فترة ما قبل المدرسة وحتى صف الثالث المتوسط، تحدث تغيرات غير صحية في وضع الجسم تتعاظم إذا كان وزن الحقيبة التي تحمل على الظهر يزيد على 5- 15 % من وزن جسم الطالب أو الطالبة، ويفترض أن يكون وزن الحقيبة المدرسية دون هذه الحدود، وغالبا ما يغفل الأهل عن أهمية اختيار الحقيبة المدرسية بما يتناسب مع جسم الطفل كطوله ووزنه، إضافة إلى كيفية حمل تلك الحقيبة ومدى تأثيرها على صحة الطفل.
والملحوظ أن معظم الأطفال غالباً ما يحملون حقائبهم بطريقة قد تؤذيهم على المدى البعيد، حيث إنها تظل معلقة على ظهره أو كتفه لوقت ليس بالقصير ويظل الطفل يحمل حقيبته بنفس الطريقة الخاطئة والتي يدعمها ثقلها، والتي قد تؤدي بالتالي إلى مزيد من الضرر مع كل عام دراسي، ولخطورة الحقيبة على ظهر الطفل، حذرت الجمعية الأميركية للعلاج الطبيعي الآباء من خطورة حمل الحقيبة المدرسية على الظهر بشكل خاطئ أو كونها ثقيلة للغاية فيجعل الأطفال عرضة بشكل متزايد لإصابات الظهر والإجهاد العضلي، فالضرر إذن لا يقتصر فقط على الوزن، بل يمتد الأمر إلى ضرورة أخذ الوضعية السليمة عند حمل بعض الأشياء الثقيلة سواء للأطفال أو البالغين، فلا ينبغي مثلا حني الجسم بوضعية الركوع لحمل بعض الحاجيات الثقيلة، لأن ذلك يضع ارتكاز ذلك الحمل في نقطة واحدة من الظهر وعدم توزيع الثقل على الفقرات جميعا مما قد يؤدي إلى انزلاق غضروفي قد يعاني منه الشخص بشكل مزمن، في حين أنه يستطيع تفادي ذلك باتباع الطريقة الآمنة لحمل مثل تلك الأشياء الثقيلة، فإذا كان عمر التلميذ 11ـ 14 عاما، ووزنه بين 37 و 41 كغم، فالوزن المثالي للحقيبة هو 3.7 4.1 كغم، ويعتبر الوزن. (7.4 ـ 8.2) كغم أقصى حد للتحمل، أما الوزن (11.1 ـ 12.3 ) كغم، فيعتبر ذا خطورة عالية، وقد يؤدي إلى انزلاقات غضروفية أو تمزقات في عضلات وأربطة الظهر وذلك لأنه يرتفع إلى نسبة 30 % من وزن الجسم. وإذا كان عمر التلميذ “ 13 14 “ عاما ووزنه 47 53 كغم، فإن الوزن المثالي للحقيبة هو 4.7 ـ 5.2 كغم، ولكن الوزن 14.3 ـ 15.6 كغم للحقيبة يعتبر خطيرا جدا. وفي حال كان عمر التلميذ “ 15 ـ 16 “ عاماً ووزن جسمه يتراوح بين “ 52 ـ 62 “ كغم، فالوزن المثالي للحقيبة هو 5.6 ـ 5.9 كغم، فهو يشكل 10 % من وزن الجسم، أما وزن الحقيبة الذي يعادل (18.3 ـ 18.6) كغم، فيعتبر ضارا جدا. ولا بد أن تأخذ الهيئات التعليمية بعين الاعتبار توزيع جداول الحصص بطريقة ذكية تراعي ما يحمله أبناؤنا، وعلى المدرسين ألا يغالوا في طلب إحضار الأدوات غير الضرورية، مع الحرص على أن يكون عدد صفحات الكراسة مناسبا للمادة. وعلى الأسرة والمدرسة الانتباه لحالة الأطفال الصحية لأن الكشف المبكر عن حالات الانحراف في العمود الفقري يسهم في زيادة نسب العلاج”.
ملاحظات واقتراحات
يشير إبراهيم سرطاوي، اختصاصي علاج طبيعي، إلى أن الإصابات أو التشوهات قد تحدث عندما يلجأ الطفل الذي يحمل حقيبة ظهر ثقيلة إلى تقويس الظهر والانحناء للأمام والالتواء أو الميل لأحد الجانبين وهذه التغيرات في وضع الجسم يمكن أن تتسبب في حدوث خلل في العمود الفقري. دور الأهل والهيئة التدريسية لتفادي مضاعفات الحمل الثقيل وعلى الآباء والأمهات مراقبة وزن حقائب أطفالهم ومعرفة ما بداخلها ومساعدة الصغار على حمل الأشياء الضرورية فقط باستخدام جدول الحصص.
ولتفادي كل المضاعفات السابقة، على الأم حماية طفلها عن طريق الاستعانة بنصائح يقدمها لكِ اختصاصيو العلاج الطبيعي ومنها حثّ الطفل على حمل الحقيبة باستخدام الحزامين معا ووضع حقيبة الظهر فوق عضلات منتصف الظهر وارتكاز حقيبة الظهر بشكل متساو في منتصف الظهر وأحزمة الكتفين يتعين تعديلها ووضعها في نفس المستوى مع التأكد من تماثل طولهما والسماح للطفل بحمل وخلع حقيبة الظهر بسهولة ويسر وشد الأحزمة، حيث لا تصل الحقيبة إلى تحت الظهر وتنظيم محتوياتها بوضع الأشياء الأثقل في وضعية أقرب إلى الظهر وثني الركبتين وليس الظهر عند رفع الحقيبة مع ضرورة انتصاب القامة، ومن الضروري توزيع الكتب حيث يتركز الوزن في منتصف الحقيبة. ومن الأفضل اختيار حقائب الظهر ذات العجلات لأنها تعتبر الاختيار الأمثل للأطفال الذين لا يغيرون فصولهم أو يحتاجون إلى صعود ونزول الدرج بشكل متكرر، ومع ذلك فهناك إجراءات وقائية يتعين أخذها في الاعتبار مع استخدام حقائب الظهر ذات العجلات أيضا، فعلى سبيل المثال، يجب أن يكون المقبض الذي يمسك بالحقيبة منه طويلا بدرجة كافية حتى لا يضطر الطفل إلى الالتواء أو الانحناء وأن تكون العجلات كبيرة على نحو كاف حتى لا تهتز الحقيبة أو تنقلب”.
المواصفات والمقاييس
يمكن حسم الجدل الدائر حول هذا الموضوع بالتحديد من خلال قيام وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع مؤسسة المواصفات والمقاييس والخبراء ذوي الشأن من وزارة الصحة وغيرها من الجهات الأخرى ذات العلاقة بوضع المواصفات الفنية الخاصة بالحقيبة المدرسية لكل مرحلة من المراحل الدراسية المختلفة ، على أن يتم اعتماد تلك المواصفات، ومن ثم توزيعها على التجار والشركات التي تقوم بتصنيع أو استيراد تلك الحقائب المدرسية للتقيد التام بها. وإعادة ترتيب الجدول الدراسي بحيث تصبح كل حصتين يوميا لمادة واحدة أي بمجموع 3 مواد يوميا و بهذه الطريقة نصف حمل الحقيبة المدرسية يمكن الاستغناء عنه وأيضا تعطي المعلم و الطالب الفرصة للتركيز على 3 مواد يوميا و يكون الوقت متسعا للمعلم لشرح المادة بإسهاب. كما يمكن تقسيم كافة الكتب المدرسية إلى فصلين، أو جزءين، ولبعض المواد، والتي لا يرجع الطالب لكتابها خلال الحصة.
المصدر: أبوظبي