لكبيرة التونسي، أشرف جمعة (أبوظبي)
الماء العذب روح الطبيعة، وسر الحياة للكائنات على الأرض، والحفاظ عليه وترشيده ينبع من ثقافة عميقة، وإيمان حقيقي بأهميته كمانح للحيوية والصحة والنظافة، ونماء الزرع، وكل أشكال الموجودات في هذه الحياة، لكن ما السر وراء إهداره بكثره في البيوت خلال الاستخدام اليومي من طهي وغسل أطباق وتنظيف أرضيات وري حدائق.. ولماذا بعض الرجال يسرفون في استخدامه أيضاً من دون داع أثناء غسيل السيارات، وفي شؤونهم اليومية، وما الدوافع التي تدفع مجتمعنا ليغض الطرف عن ترشيد استهلاك الماء الذي يعد الملاذ الآمن والضامن للبقاء على قيد الحياة، والسد المنيع لتجنب التلوث والوقوع في براثن الأمراض والأوبئة.
على الجانب الآخر، تتحمل المجتمعات العديد من الخسائر نتيجة الاستهلاك المفرط للطاقة الكهربائية، ما يدفع الدول إلى طرح استراتيجيات وإطلاق مبادرات توعوية تهيب بالجمهور إلى اتباع أساليب جديدة لخفض استهلاك الطاقة، وقد سبق وأن كشفت دائرة الطاقة في أبوظبي عن استراتيجية أبوظبي لإدارة جانب الطلب وكفاءة الطاقة 2030، من خلال تبني نهج شراكة متعددة الأطراف لتنفيذ برامج لخفض استهلاك الكهرباء بنسبة 22%، والمياه بنسبة 32% بحلول عام 2030، مقارنةً بالمعدل المعتاد للطلب حسب خط الأساس لعام 2013، ومن تلك البرامج إعادة تأهيل المباني، وإنارة الطرق، وتحسين معايير وكفاءة الأجهزة، وتخزين الطاقة، والتوعية والتغيير السلوكي، بحيث تهدف الاستراتيجية إلى تحقيق فوائد اقتصادية وبيئية كبيرة، وضمان استقرار منظومة الطلب على الطاقة، واستدامة مصادرها في الإمارة، الأمر الذي يحتاج إلى أساليب يجب أن يتبعها المجتمع للحد من استهلاك الطاقة وتخفيض البصمة البيئية لأفراد المجتمع كافة.
تغيير جذري
كنت أركض كثيراً خلف أبنائي عندما أسمع صوت الصنبور أثناء تدفق المياه بغزارة، لمجرد غسل اليدين.. بهذه الكلمات يسرد أحمد عبدالوهاب (مقيم في دبي) حالات الغضب التي تنتابه من جراء إهدار مياه المنزل من دون داع من قبل أطفاله، لافتاً إلى أنهم حين يذهبون للاستحمام يستهلكون كميات كبيرة، وأنه عانى كثيراً معهم من أجل التوقف عن هذا السلوك الضار، حتى إنه كان يعقد جلسات معهم لتوضيح أهمية المياه كضرورة للحياة على هذا الكوكب، ويعترف بأن إهدار المياه يحدث بشكل يومي وأنه لا يزال يركض خلف أبنائه لإحداث تغيير جذري في سلوكهم.
الترشيد ثقافة
وتتحلى حليمة المهري (موظفة) بالصبر وتحاول دائماً حل المشكلات المنزلية بالحوار، حتى يتجاوز أفراد المنزل الكثير من الأخطاء، موضحة أنها أحكمت القبضة على إهدار المياه في المطبخ من قبل الخادمة، إذ كانت تلاحظ أن غسل كوب واحد يستهلك كمية كبيرة من الماء من دون داع، وأنها انتبهت بشكل أكثر من خلال ارتفاع فاتورة المياه والكهرباء، لكنها استطاعت أن توقف هذا النزيف وبشكل صارم، مبينة أن هذا ينبع من المسؤولية الاجتماعية والدينية والإنسانية، خاصة أن نعمة الماء عظيمة ووجودها مرهون بوجود الحياة، وتلفت إلى أن المطابخ في البيوت هي المستهلك الأكبر للمياه، لذا نجحت في جلب أجهزة بسيطة لغسل الصحون والأدوات، ساهمت في الحد من الاستهلاك العام للمياه داخل المطبخ وفي البيت بوجه عام.
سلوك المرء داخل المنزل لا يختلف كثيراً عن خارجه، هذا ما يؤمن به جرير الكعبي (موظف)، خاصة أنه بذل جهداً كبيراً من أجل توعية أبنائه وحثهم على ترشيد المياه داخل البيت وفي المدرسة أيضاً، لافتاً إلى أن التعامل مع عملية ترشيد استهلاك المياه يحتاج إلى توعية مستمرة، وتربية الأبناء على تقدير أهمية المياه أمر ضروري لضمان العيش في مجتمع متآلف يقدر موارده. ويبين الكعبي أن ثقافة ترشيد المياه تكاد تكون غائبة ولا يفكر في آلياتها العديد من أفراد المجتمع رغم خطورة الأمر.
أسلوب حياة
حنان إبراهيم (معلمة فنون بصرية وتطبيقية)، أكدت أن لديها وعياً كافياً بمجال البيئة، لهذا تعمل على حث طلابها على أهمية الاقتصاد في الكهرباء، وتقدم لهم مجموعة من النصائح والإرشادات، أما في بيتها، فإن تخفيض الطاقة بالنسبة لها أسلوب حياة، وقالت: "إن ترشيد استهلاك الطاقة أصبح واجباً يتحتَّم علينا جميعاً، في ظل الجهود المبذولة من الدولة في سبيل إنقاذ البيئة من الضرر والتلوث، وعلينا أن نعيد النظر في طريقة عيشنا واستهلاكنا للموارد، ما يساعدنا على اتباع عادات أكثر استدامة، لا سيما أن المؤتمرات والورش المتعلقة بترشيد الاستهلاك ترفع من الوعي البيئي لدى الفرد، ليبني حياة أفضل لنفسه ولمن حوله في البيئة التي يعيش بها، ومن أفضل الأمثلة (أسبوع أبوظبي للاستدامة) الذي يسلط الضوء على أحدث الابتكارات التي تحمي البيئة من الأضرار المختلفة".
وأضافت: "لا بد من الاتجاه إلى التقليل من استهلاك الكهرباء، باتباع عادات يومية بسيطة، كفصل الأجهزة التي لا نستخدمها عن قابس الكهرباء، وأن نستعمل الأضواء الاقتصادية التي تسهم في تقليل إجمالي استهلاك الطاقة، ومن الوسائل الفعالة لتقليل استهلاك الكهرباء أيضاً، غسل الملابس في أوقات الليل بعيداً عن ساعات الذروة، مع تشغيل المكيفات بشكل يقلل من حجم الطاقة التي نستهلكها".
الطاقة الشمسية
من جهتها، قالت د. إحسان المسيري، عضو مجلس إدارة جمعية أصدقاء البيئة، إن الجمعية تسعى من خلال نشاطها المتواصل وبالتعاون مع عدد من المؤسسات الحكومية والخاصة إلى رفع مستوى الوعي البيئي لدى جميع أفراد المجتمع، وتكثف جهودها من خلال الورش والمحاضرات للتركيز على أهمية ترشيد استهلاك المياه والكهرباء لتحقيق أهدافها النابعة من مسؤوليتها المجتمعية، موضحة أنه لا بد من تفعيل دور وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي للتعاون مع الجمعية لإطلاق حملات غير تقليدية لتبني أساليب فاعلة في هذا الجانب.
وتشدد المسيري على أهمية تكثيف الجهود في ابتكار وسائل مستدامة للحفاظ على المياه والكهرباء، موضحة أن استخدام الطاقة الشمسية بديل متوفر وعملي غير مكلف، لا سيما أن الدولة رائدة في هذا المجال إقليمياً وعالمياً، ولديها مشاريع عملاقة أثبتت نجاحها مثل مدينة "مصدر"، وعلى مستوى الأسر، فإننا بحاجة إلى الاهتمام أكثر بطرق الترشيد، خصوصاً مع العاملات في المنزل، فهن بحاجة إلى متابعة وتوجيه للمحافظة على المياه والكهرباء، أما على مستوى توعية النشء، فتركز الجمعية على الطلاب، حيث تشارك العشرات من المدارس في الأنشطة البيئية والمناسبات الوطنية، وقد وجدنا تفاعلاً كبيراً، خصوصاً في المعارض التي تتطلب إبراز إبداعاتهم وابتكاراتهم، في ما يتعلق بإعادة التدوير، وبالتالي فإن تنمية الحس البيئي تتطلب تضافر الجهود المجتمعية والحكومية، لترشد الطاقة مع طرح الألواح الشمسية بأسعار مناسبة، والترويج لها عبر وسائل الإعلام.
ثروة وطنية
أما روضة محمد عبيد، عضو مجلس إدارة جمعية أصدقاء البيئة، فترى أن المواطنة الحقة تتطلب الإحساس بالمسؤولية تجاه موارد الوطن والحفاظ عليها، مشيرة إلى أن الوعي بأهمية ترشيد الطاقة يغيب عن الكثير من الأسر، وهذا ينعكس في الاستعمال المفرط للكهرباء، مؤكدة أن الجمهور مسؤول عن المساهمة في ترشيد الطاقة والموارد الحيوية في الدولة، وأغلب الأسر لا تطبق أساليب إيجابية لخفض استهلاك الطاقة، ووجهت بأهمية تأطير العمالة المساعدة في البيت، وألقت بالمسؤولية على أرباب الأسر الذين عليهم متابعة العمالة ومراقبتها وتوجيهها، موضحة أن الوعي بأهمية هذه الموارد يغيب عن أغلب الناس، وهذا ما نلاحظه في الإنارة التي تستخدم حول المنازل والفيلات ليلاً بشكل مبالغ فيه، وأشارت إلى أن اتباع أساليب الاقتصاد في الطاقة وفي الموارد الحيوية في الدولة هو وجه من أوجه المواطنة، لأن هذه الموارد الحيوية تعتبر ثروة وطنية يجب الحفاظ عليها باتباع ممارسات وعادات صحيحة.
وأضافت "يجب تنظيم حملات لتعزيز الوعي بموارد الكهرباء، وسن بعض القوانين لردع كل من يخالف معايير الاستدامة، مع اتباع أساليب بسيطة في البيوت كإطفاء المصابيح التي لا نحتاجها، واستخدام المصابيح الموفرة للطاقة، وغيرها من الممارسات التي تؤدي إلى توفير الطاقة".
طوق نجاة
الحد من الإسراف في استخدام المياه والطاقة الكهربائية داخل المنازل والمحال والتجارية ومختلف المرافق، يحتاج إلى إطلاق مبادرات توعوية من الجهات ذات الاختصاص، لغرس هذه الأساليب البيئية في نفوس الأطفال منذ الصغر، وتعزيز الوعي بأهمية ترشيد الطاقة وتخفيض استخدامها واستعمال وسائل بديلة، هذا ما أكده الدكتور إبراهيم علي، رئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء البيئة، موضحاً أن التوعية تعلب دوراً كبيراً في تغيير العادات الاستهلاكية للأفراد، موضحاً أن الجمعية بالتنسيق مع الجهات المعنية تقوم بدور ريادي في هذا المجال، كما تشارك في العديد من الفعاليات من أجل رفع الوعي بأهمية الطاقة كمورد حيوي وأساسي في الدولة، مشيراً إلى أن العديد من الأفراد والأسر يقوم بالعديد من المبادرات التي يجب تأطيرها، حتى تصبح بعض الأساليب المتبعة في تخفيض استهلاك الطاقة أسلوباً شائعاً، حيث إن التوعية تمثل طوق نجاة في مثل هذا القضايا الحيوية، لينخرط المجتمع بجميع فئاته لخفض استهلاك الطاقة.
ناقوس خطر
ويدرك علي الزعابي أن التغلب على مشكلات الإسراف في استخدام المياه يبدأ من خلال التوعية المجتمعية، لافتاً إلى أن التوعية أمر مهم، خاصة أن المياه روح الحياة، وأنه دائماً يحث أفراد أسرته على انتهاج سلوكيات لا تضر بالبيئة، وعلى الجميع أن يكون على قدر المسؤولية، وعلى الرغم من أن فاتورة استهلاك المياه الباهظة هي ناقوس خطر يدق أجراسه في نهاية كل شهر، إلا أنه من الضروري أن يدق ناقوس الإنسانية في الصدور، تماشياً مع قيم الدين والمروءة والشعور بالمسؤولية الاجتماعية.
ولا يغض الطرف عن أية أعطال تحدث في صنابير المياه داخل بيته أو حديقته، هذا ما يؤكده جاسم الحمادي الذي يرى أن الإسراف في المياه مستمر في المجتمع، رغم الحملات والمبادرات التي تحث على الترشيد، الأمر الذي دفعه لاستخدام نظام يحد من الإسراف لري النباتات والأشجار وذلك عبر التنقيط وليس الغمر، ويذكر أنه يعمل على توعية أطفاله وزوجته بأهمية ترشيد المياه، سواء في المطبخ أو الحدائق أو أثناء الاستخدام الطبيعي داخل البيت.