11 سبتمبر 2010 21:25
كَثُرت العروض الخاصة والتنزيلات والتخفيضات، فصار لكل موسم تخفيضاته، ولكل فصل تنزيلاته، ولكل شهر عروضه الخاصة، ولا يقتصر ذلك على منتج دون الآخر، بل قد يطال أي منتج قد يخطر على بال المستهلك، سواءً أكان مما يُؤكل أو يُشرب أو يُلبس أو يُركب. اشتكى الجميع عند حلول رمضان من ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية، إلا أن ملصقات “التنزيلات” و”العرض الخاص” وسمت عدداً من المواد الاستهلاكية في هذه المراكز، وحل عيد الفطر ولاحظنا ملصقات شبيهة في متاجر الملابس والأحذية والعطور والبخور. وهذا وضع يجعل المستهلك في حيرة من أمره وأكثر شكاً وريبة. فهل يتعلق الأمر حقيقة بـ”تنزيلات كبرى”، أم هي “أفخاخ كبرى” لصيد المستهلكين الذين يهرولون إلى المراكز وتكتظ بهم أسواق هذه التنزيلات؟ وما مدى صدقية هذه العروض والتنزيلات التي صارت تكتب نسبها بالبنط الكبير العريض 75% على مداخل المراكز والأسواق؟ من المستفيد الأول منها؟ هل هو المستهلك ذو الدخل المحدود أم أرباب محال البيع والمراكز التجارية، أم هم معاً؟
إن إجراء مسح سريع على الأسواق والمراكز التجارية في مختلف أنحاء العالم ومقارنة أسعار المواد الاستهلاكية لهذا العام مع السنة الماضية يفضي بنا إلى الاستنتاج أن أسعار هذا العام أعلى وأغلى بنسب قد تتفاوت فواصلها بين منطقة وأخرى، لكنها في غالبيتها أكثر من 1 بالمئة. ولا تعد التنزيلات أمراً وهمياً أو ادعاءً كاذباً، وإنما هي تخفيضات فعلية تطال هذا المنتج أو ذاك بين الفينة والأخرى، غير أن الذي يحدث هو أن المتسوقين يعتقدون أنهم يستفيدون من هذا الرخص المؤقت و”الفرص النادرة” ويُخدعون بتلك الملصقات الكبيرة الحمراء والصفراء ويملأون ما وسع من أكياس بالضروري وغير الضروري من المنتجات. يقول أرباب المراكز وأصحاب محال التجزئة إنهم يهدفون إلى تعزيز روح الولاء والاحتفاظ بالزبائن، ويقول الزبائن إنهم يجدون أنفسهم قد صرفوا خلال أسبوع التنزيلات أضعاف ما صرفوه في غيره من الأسابيع.
ففي بريطانيا مثلاً، قدر مراقبون عدد المواد المشمولة بالتنزيلات لمدة شهرين بـ33,112 منتجاً مختلفاً. وتشير بعض التقارير التي أصدرتها جهات بريطانية مختلفة متخصصة في تقييم حالات الأسواق ومقارنة الأسعار أن سعر أكثر من خُمُس المنتجات البريطانية زاد عما كان عليه سعره خلال السنة الماضية بنسبة 74%، مفيدةً بأن زيادة مادة ما بهذه النسبة الكبيرة خلال عام واحد، ثم وضع ملصق “العرض الخاص” عليها أو تخفيض بنسبة 25% أو 50% هو تضليل للمستهلك ينطلي للأسف على الشريحة الأوسع من المستهلكين الذين تسحرهم حملات التنزيلات في الأسواق والعروض الخاصة فيملأون عربات تسوقهم بثقة عمياء ودون إمعان النظر في الأسعار ومقارنتها.
تكتيكات ذكية
يقول جيم دوود الذي يقود مجموعةً من المتاجر الصغيرة: “لا أحد يناقش ما تتمتع به الأسواق الممتازة والمراكز التجارية الكبرى من شعبية، لكن تكتيكات التسويق التي تتبعها مطورة ومعقدة بشكل لا يُصدق، فخطط تسويق التنزيلات توضع ثم تنفذ بطريقة في غاية الذكاء والدهاء”. ويضيف جيم بالقول إن المستهلكين لا ينتبهون عادةً إلى أنه بينما تُدرجُ منتجات معينة ضمن “العروض الخاصة”، تزيد أسعار منتجات أخرى لتمويل حملات عروضها الخاصة ومضاعفة أرباحها، وعادةً ما تضع هذه الأسواق ملصقات تنزيلات تتراوح نسبها بين 20% و75% لإغراء المستهلك بالشراء، ولن تجد أبداً ملصقاً أحمر بحسم 5% مثلاً”.
منافسة شرسة
لقد أدت الأزمة المالية العالمية التي كانت نتيجتها المباشرة تراجع القدرة الشرائية لدى الأفراد إلى دخول أرباب الأسواق الكبرى والمراكز التجارية في منافسة شرسة غير مسبوقة لاستقطاب المستهلكين، فتفننوا في استقطاب العملاء وابتكروا الخطط الترويجية والتسويقية الأكثر دهاءً وجاذبيةً. ويقول البروفيسور جون بريدجمان الذي تخصص لسنوات في إصدار تقارير رسمية عن الأسواق الكبرى “إن المنافسة الشرسة بين التجار وأصحاب المراكز والأسواق التي عقبت الأزمة العالمية لم تُتَرجَم فعلياً إلى خفض للأسعار، بل إن بعض المحال صار يتلاعب بالأسعار زيادةً ونقصاناً، مع محاولة التكتم عن الزيادة أوعدم الإفصاح عنها، والمبالغة في التسويق للتخفيض والتطبيل له”. ويضيف جون: “لقد ارتفع مستوى تقلب الأسعار بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وما يقلقني أكثر هو أنه لا يمكننا الحديث عن منافسة في الأسعار إذا كان المستهلك يجهل سعر المنتج ما بين أسبوع وآخر بسبب سرعة تقلب سعره. وهذا وضع سيئ بالطبع يطال تأثيره جميع المستهلكين، لا سيما أصحاب الدخول المحدودة منهم الذين ينتهي بهم المطاف مضطرين إلى دفع فاتورة أسبوعية تثقل ميزانياتهم، والاستغناء عن اقتناء جزء من مستلزماتهم الشخصية والمنزلية”.
ربح وولاء
يقول مديرو وأصحاب الأسواق والمراكز التجارية إن غالبية المنتجات التي يدرجونها في العروض الخاصة خلال مواسم التنزيلات والتخفيضات تستهدف الأسر والعائلات بالدرجة الأولى والمواد الشائع استهلاكها لدى الشرائح الأوسع من الجمهور. ويقول ريتشارد ليم، محلل اقتصادي متخصص في مجموعات البيع بالتجزئة: “إن المتسوقين هم المستفيد الأول من التخفيضات، فالزيادة الكبيرة في عدد العروض الخاصة والتخفيضات يعكس اشتداد التنافس بين محال البيع بالتجزئة. ومعظم العروض الخاصة تركز على المواد الضرورية لكل بيت وتلك التي تقتنيها الأسر بشكل منتظم، وذلك بهدف مكافأة العملاء الأكثر ولاءً من جهة، والرفع من المبيعات من جهة أخرى”.
عن “ديلي تلجراف”
المصدر: أبوظبي