القاهرة (الاتحاد)
العشر الأوائل من ذي الحجة، أيامها مباركة، لها فضل عظيم، أقسم الله عز وجل بلياليها في القرآن، «والفجر وليال عشر»، ويؤكد العلماء أنه قد اجتمع لها وفيها من دواعي التفضيل، أنها من أيام الأشهر الحرم، وفيها يوم عرفة، واستثمارها يكون بالتوبة الصادقة والاستقامة على الحق والاعتصام بحبل الله المتين، من أعظم المواسم التي امتن الله بها على المسلمين، فهي باب عظيم من أبواب تحصيل الحسنات ورفع الدرجات وتكفير السيئات، أفضل أيام الدنيا لاجتماع أمهات العبادة فيها، وهي: الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج، ولا يتأتى ذلك في غيرها.
فضل عظيم
وعن فضل الليالي العشر من ذي الحجة، أكد الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية، أن الأيام العشر من ذي الحجة ولياليها أيام شريفة ومفضلة، يضاعف فيها العمل ويستحب فيها الاجتهاد في العبادة وزيادة عمل الخير والبر بشتى أنواعه، وقد أجمع الكثير من المفسرين والعلماء، على أن الليالي العشر التي ذكرت في سورة الفجر، هي العشر من ذي الحجة، بدليل النص القرآني: «والفجر، وليال عشر»، والعمل الصالح في هذه الأيام، أفضل من العمل الصالح فيما سواها من باقي أيام السنة، فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام»، ويعني الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة، قالوا: «يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء»، فمن هذه الأيام يوم عرفة، وصيامه سنة مؤكدة فعلية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده»، فصومه يكفر عامين، عام ماضى وعام مقبل.
خيرات كثيرة
ويقول الدكتور محمد وهدان الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر، إن الأيام العشرة مباركة وفيها نفحات وخيرات كثيرة، لو علمها المسلم لبادر إلى استغلالها في الطاعة والعبادة من أولها لآخرها، وتجنب الوقوع في المحرمات لما لها من فضل عظيم، ففيها يوم التروية، وهو اليوم الذي رأى فيه سيدنا إبراهيم في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل، فقال إن هذا من الشيطان، ثم أخبرته الملائكة بأنها رؤية من الله، وأن الله فداه بذبح عظيم، وفيها يوم وقفة عرفات ويوم عيد الأضحى.
وأضاف: على المسلم أن يكثر من الصيام والصلاة قدر المستطاع، ومن يقدر على صيام الأيام كاملة فهو ثواب عظيم، ومن لم يستطع يكتفي بصيام يوم عرفة، ويبتعد عن الحرمات، ومن المستحب في هذه الأيام الدعاء للوالدين والتصدق على الفقراء والمحتاجين، وأن يتشبه فيها بالحجاج ويقيم شعائر الله، فيذبح الأضاحي ويحلق شعره أو يقصره في نفس اليوم الذي يفعل فيه الحجاج ذلك.
وأكد الدكتور وهدان، أن الله يضاعف الحسنات في هذه الأيام، بشكل أكثر من مضاعفتها في أي يوم آخر، لذا على المسلم أن يحرص على أن يكون له ورد يومي من العبادة والعمل الصالح، وأن يكثر من التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد والاستغفار.
أفضل الأيام
ويقول الدكتور حمزة المسير الأستاذ بجامعة الأزهر: إن لله تعالى نفحات على عباده تتجلَّى في أوقات وأماكن يختارُها المولى جل شأنه ويصطفيها ترغيبا في الطاعة ومضاعَفة للثواب، حتى يزداد الناس حبا لله واستقامة على سبيل الرشاد، ومن هذه النفحات عشر ذي الحجة، من أول الشهر إلى اليوم العاشر منه وهو يوم النحر أو عيد الأضحى، والعمل في هذه الفترة الزمنية له ثواب كبير ومنزلة عظيمة عند الله تعالى، فالمسلم بعد وفائه بفرائض الدين وأركانه التي يتحتم عليه أداؤها والقيام بها يستزيد من نوافل الصلاة والصيام والصدقة وصلة الرحم ومساعدة المحتاجين ومساندة البؤساء وكفالة اليتامى وتفريج هموم المكروبين.
وأضاف: هذا العمل الصالح مطلوب في كل وقت لكنه يتأكد في العشر الأوائل من ذي الحجة، وإذا علمنا أن المجاهد في سبيل الله موصول الثواب دائما وأنه يَعدِل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يَفتُر من صيام ولا صلاة، أدركنا مدى فضل الله على عباده في عشر ذي الحجة، ومن معالم هذه العشر يوم عرفة، الذي يمثل الركن الأساس في الحج، فالحج عرفة.. وقد يتساءل البعض، أيهما أفضل العشر الأوائل من ذي الحجة، أم العشر الأواخر من رمضان، والجواب: أن أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام عشر رمضان، لأن في الأولى يوم النحر الذي هو يوم الحج الأكبر، ويوم عرفة ويوم التروية وهي أيام مباركة، وأن ليالي العشر الأخيرة من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة لأن فيها ليلة القدر، وهي خير من ألف شهر، أي أن التفضيل في عشر ذي الحجة باعتبار الأيام، وفي عشر رمضانَ باعتبار الليالي.
موسم الطاعات
وقال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، سميت الأيام العشر رغم أننا نصوم تسعة أيام فقط، لأن يوم العيد أو يوم النحر يدخل في فضل هذه الأيام بكثرة الذكر وذبح الأضحية، فأصبحت عشرة أيام، فمن أعظم نفحات أمة محمد صلى الله عليه وسلم، عشر ذي الحجة، فنحن نعيش في هذه الأيام مواسم الخيرات والطاعات التي أكرمنا بها رب الأرض والسماوات، مواسم الصلاح التي يُضَاعف للمؤمنين فيها من الأجور والأرباح، وهذه هبات ربانية لا تكون إلا للأمة المحمدية، أمة العمل القليل والأجر الكبير والفضل العظيم.
وأشار إلى أنه أنعم على الأمة بمواسم الطاعات وميادين الخيرات، حيث يتسابقون فيها إلى رضوانه، ويتنافسون فيما يقربهم من فضله وإحسانه، وهذه المواسم منحة ومنة من الله تعالى على عباده، لأن العمل فيها قليل والأجر والثواب جزيل، وهي فرصة عظيمة لا يحرم خيرها إلا محروم، ولا يغتنمها إلا مَن وفقه الله، وقد خصها بفضائل وخصائص جعلتها أفضل أيام الدنيا، فقد أقسم الله بها، وأنها الأيام المعلومات التي شرع فيها ذكره، «وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ»، «الحج : 28»، وأن الله تعالى أكمل فيها الدين.