تامر عبد الحميد (أبوظبي)
إرهابي.. متطرف.. زعيم عصابة.. قاتل مأجور، صورة نمطية للشخصية العربية في سينما هوليوود، وساهم بعض الأفلام التي تناولت تلك النظرة السائدة، في ترسيخ أفكار مغلوطة، إلى أن دخل بعض الممثلين العرب في تجارب عالمية استثنائية، غيرت إلى حد ما من تلك النظرة، بل وتمت الاستعانة بهم في أفلام بسبب خبراتهم الفنية والقدرة العالمية على الأداء.
وبعد مرور أكثر من خمسين عاماً على اقتحام الفنان عمر الشريف لعالم السينما العالمية، عادت هوليوود للبحث عن المواهب العربية من خلال المخرج الأميركي رايدلي سكوت، الذي اختار الممثل السوري غسان مسعود لشخصية صلاح الدين الأيوبي، في فيلم «مملكة السماء»، إلى جانب الممثل المصري خالد النبوي، والسوري ألكسندر صديق، اللذين جسدا شخصيتين من قادة صلاح الدين، وتأتي أهمية هذا الفيلم باعتباره أول من قدم صورة صلاح الدين بأميركا كرجل يحارب بشرف ضد الحملات الصليبية.
ويأتي العديد من النجوم ذوي الأصول العربية الذين أصبحوا نجوماً في السينما العالمية، إذ قدموا أفلاماً ومسلسلات نالت اهتماماً كبيراً عالمياً وعربياً، من أبرزهم الفنان وينتورث ميلر بطل المسلسل الشهير Prison Break، فهو من أصول سورية لبنانية، والكوميديان الشهير جيري سينفيلد بطل مسلسل «سينفليد» Seinfeld، فهو نصف عربي، فوالدته من عائلة سورية، وفينس فون بطل فيلمي The Wedding Crashers وThe Internship، وهو من أصل لبناني، وحاز جائزة غينيس عن فئة أطول ممثل في هوليوود، وطوني شلهوب ممثل أميركي ولد في ويسكانسون الأميركية، ويرجع إلى أصول لبنانية، واشتهر بدور المفتش ادريان في مسلسل «مونك»، كما شارك في فيلم The Siege، ولعب دوراً في فيلم Men In Black، أمام ويل سميث.
وبرزت باولا عبدول السورية الأصل، في العديد من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، واشتهرت بصوتها خلال مشاركتها في البرنامج التلفزيوني الشهير باكتشاف المواهب American Idol، وعليا شوكت من أصل عراقي، التي شاركت في أفلام ومسلسلات أهمها Arrested Development وفيلم Amreeka حيث لعبت دور الفتاة الفلسطينية الأميركية، إلى جانب «طاهر رحيم» الذي ولد في بلفور بفرنسا من عائلة جزائرية، وأصبح نجماً عالمياً بمشاركته في سلسلة the looming tower - «برج يلوح في الأفق»، ولعب فيه دور عميل مكتب التحقيقات، واكتشف شريحة كبيرة من الجمهور الفرنسي وأيضاً الجمهور الجزائري وجهه وموهبته في عام 2009، وحين منحه المخرج جاك أوديار دور البطولة في فيلمه «نبي»، جنباً إلى جنب مع «نيلز أريستروب»، وحقق الفيلم نجاحاً كبيراً، وفاز بالجائزة الكبرى لمهرجان «كان» السينمائي، ومنذ ذلك الحين، استمر في تأدية الأدوار المهمة، كان آخرها المسلسل البريطاني «الفهود» الذي عرض عام 2015، إلى جانب الممثل اللبناني الشهير نيكولا معوض.
أما الممثل الإنجليزي اليكسندر صديق، فيرجع إلى أصولٍ سودانية، اسمه الحقيقي هو صديق الطاهر الفاضل الصديق عبد الرحمن محمد، وشارك صديق في العديد من الأعمال العالمية، مثل فيلمي Syriana وInescapable، قبل أن يشارك في الجزء الخامس من المسلسل الشهير Game of Thrones، إضافة إلى سعيد تغماوي هو ممثل أميركي من أصل مغربي، سطع نجمه في أعمال «ثري كينجز» و«اي جو» وسلسلة «لوست» وفيلمي «كايت رانر» و«فانتج بوينت».
واستطاع الممثل الأميركي من أصول مصرية، رامي مالك، حصد جوائز عالمية، من خلال ما قدمه من السينما الأميركية في فيلم bohemian rhapsody الذي لعب فيه دور الموسيقار فريدي ميركوري، وفاز فيه بجائزة إيمي، وحصل على جائزة جولدن جلوب لأفضل ممثل في فيلم دراما، وجائزة البافتا وترشح لجائزة الأوسكار لأفضل ممثل، متلقياً ردود فعل إيجابية من الجمهور.
نوعية الأدوار
وعن تغيير النظرة السائدة للغرب على العرب، واشتراك الفنانين العرب في أعمال عالمية لتحسين تلك الصورة، أوضح الفنان الإماراتي منصور الفيلي، الذي شارك في أفلام عالمية، سواء بوليوودية من خلال فيلم «ديشوم»، أو هوليوودية من خلال فيلم «خلف الكواليس» - Back stage، وفيلم MISFITS - «غير الأسوياء»، أمام النجم العالمي بيرس بروسنان، صاحب بعض من سلسلة أفلام «جيمس بوند» الشهيرة، أن السينما العالمية، خصوصاً السينما الأميركية، عملت على صبغ العرب بالإرهاب والجهل، ولم تفوت السينما الهوليودية في أي مرحلة من مراحل تطورها أي فرصة سانحة للتسخيف من صورة الإنسان العربي والنيل من ثقافته. وقال: إن صورة العرب لدى المواطن الغربي لا تناسب حقيقة الواقع، متحدثاً عن مسلسله «قلب العدالة»، الذي تناول العديد من القضايا المجتمعية، وعرض على «نيتفليكس»، وترجم إلى 12 لغة، مشيراً إلى أنه بعد عرض المسلسل، تواصل معه العديد من أصدقائه من صناع الدراما والفن وبعض أصدقائه من البرازيل والأرجنتين ورومانيا وإيطاليا والنرويج، يشيدون بالعمل متسائلين إذا كانت هناك نية لتنفيذ جزء ثان، خصوصاً أنهم يريدون معرفة المزيد عنا وعن ثقافتنا وقضايانا.
وتابع: وهنا يجب إلقاء اللوم على بعض المنتجين العرب، فكما تنتج أميركا أعمالاً، سواء أفلاماً أو دراما، وتعرضها على «نيتفلكس» لأسباب سواء كانت سياسية أو لأسباب أخرى، تريد من خلال إيصال أفكار ورسائل من خلال هذه الأعمال، فيجب علينا إنتاج أعمال فنية تغير من شكل العربي، ولا ننتظر من الآخرين تشويه صورتنا أو تحسينها عبر أفلامهم.
تاريخ عربي
وشدد الفيلي، على ضرورة ابتعاد المنتج العربي في صناعة السينما والدراما عن فكرة الربح في المقام الأول، وقال: نحن مقصرون في إنتاج وتقديم أفلام عن تاريخنا، ونهتم فقط بتقديم نوعية الأعمال التي تدور أغلب أحداثها على الخروج عن القانون، لذلك يجب ضخ الأموال لمثل هذه الإنتاجات، التي تحتاج إلى ميزانية ضخمة لتقديم أعمال تغير من صورتنا النمطية.
تحسين الصورة
ولفت إلى أنه عندما حصل على جائزة أفضل ممثل عن فيلم «خلف الكواليس»، وتسلم جائزة مهرجان «جاردن سيتي» السينمائي، بولاية نيوجيرس الأميركية، كان يشعر بسعادة غامرة كونه أول ممثل إماراتي يحصد هذه الجائزة، الأمر الذي يعتبر إنجازاً يحسب للسينما الإماراتية والعربية بشكل عام، والأهم من ذلك هو تحسين صورة العربي لدى الغرب.
جيل جديد
ومن الجيل الجديد، صعد نجم بعض الممثلين الشباب إلى العالمية، وشاركوا في بطولة أفلام مهمة مع أبرز ممثلي سينما هوليوود، الذين كانت لهم بصمات واضحة ومشرفة، ومنهم الممثل التونسي ظافر العابدين الذي بدأ ظهوره في عدد من الأفلام الأميركية، منها The Black Forest، ، Centurion، Children of Men، ثم انتقل بعدها إلى مشاركاته في أعمال عربية عام 2002 من خلال السهرة الدرامية التونسية «طلاق إنشاء»، ثم المسلسل التونسي «إخوة وزمان» عام 2003، لتتوالى بعدها أعماله ما بين التونسية والمصرية والأجنبية. وكذلك الممثل المصري محمد كريم، الذي ظل يراوده حلم العالمية، حيث شارك بلقطات في بعض الأفلام، إلى أن فاجأ الجميع مؤخراً بمشاركته في بطولة فيلم النجم العالمي نيكولاس كيدج الجديد، الذي يحمل عنوان «A Score to settle» (تسوية حساب)، المقرر عرضه في شاشات السينما العربية قريباً، إذ يلعب فيه دور «جيمي» الذي يحاول نيكولاس كيدج الانتقام منه، ومن بعض رؤسائه السابقين، بعد دخوله السجن لأكثر من 20 عاماً لأنه في الأساس قاتل محترف، لذلك فقد جمع كريم بالعالمي كيدج العديد من مشاهد الأكشن والمطاردات.
رحلة صعبة
عرض على كريم، في السابق العديد من الأفلام في السينما الأميركية، لكنه كان ينتظر الدور المناسب والبعيد عن الأدوار التقليدية، كإرهابي أو متطرف، مؤكداً أن رحلته في سينما هوليوود لم تكن سهلة، وواجه العديد من الصعوبات لتحقيق حلمه من جهتين، الأولى إثبات للغرب أن الفنانين العرب لديهم الإمكانات والمؤهلات التي تصل بهم إلى العالمية، وفي الوقت نفسه تغيير الصورة النمطية عن العربي لدى الغرب.
وعن تجربته في العمل بسينما هوليوود، أكد كريم أنه وضع في اختبار مشاهد أداء، وصل إلى 1500 مشهد، حتى تم ترشيحه للعب دور البطولة أمام نيكولاس كيدج.
أعمال الجاسوسية
وحول خوض بعض الممثلين العرب في أفلام عالمية، وأهمية ذلك في تغيير الصورة النمطية للشخصية العربية، أكد الناقد الفني طارق الشناوي، أن تلك الصورة بكل تأكيد لن تتغير بين لحظة وضحاها، فرغم وجود عدد من النماذج العربية من فناني زمان وفناني الجيل الحالي الذين يعتبرون مثالاً مشرفاً للفنان العربي، مثل منصور الفيلي، وخالد النبوي، ومحمد كريم، وحالياً الممثل الشاب مينا مسعود، بطل فيلم «علاء الدين»، إلا أنهم لن يستطيعوا تغيير الصورة كاملة بمفردهم، وقال: ليس مطلوباً من الفنان العربي أن يؤدي شخصية نموذجية عربية إيجابية في المطلق، ولكنه مطالب بأن يرفض أدوار الإرهابي والمتطرف في أعمال الغرب، ورغم أنني أعلم جيداً أن هذا الأمر لن يتوقف عند هذا الحد، خصوصاً أن بعض الأعمال التي عرضت في الفترة الأخيرة استعانوا بممثلين آخرين ليسوا عرباً، لكنهم يلعبون دور العربي الإرهابي أو المتطرف أو المجرم، وهنا يجب أن نحارب بالسلاح نفسه.
مينا مسعود.. عالمي أمام ويل سميث
لعب الممثل المصري، مينا مسعود، الذي تواجد مؤخراً في مهرجان الجونة السينمائي في دورته الثالثة، في تحسين صورة العرب لدى الغرب، من خلال الأعمال التي شارك فيها، أبرزها مسلسل Tom Clancy›s Jack Ryan، الذي لعب فيه دور «طارق القصار»، والبرنامج التلفزيوني Open Heart، وكان آخرها مشاركته العالمية في «علاء الدين» Aladdin – النسخة الواقعية - أمام النجم العالمي ويل سميث، ولعب فيه دور «علاء الدين» الذي يحاول الوصول إلى حبيبته «جاسمين»، التي جسدتها الممثلة نعومي سكوت، فيما أدى ويل سميث شخصية الجني، وتعتبر مشاركة مينا مسعود في الفيلم إضافة جديدة لرصيد العرب، ممن رفعوا اسم العرب في المحافل السينمائية العالمية.