السبت 26 يوليو 2025 أبوظبي الإمارات 35 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«فِك الدريشة وطالع من ستايرها»

«فِك الدريشة وطالع من ستايرها»
30 يناير 2020 01:51

من منظورٍ جماليٍّ فلسفي، يمكن القول إنّ «الدريشة» -وهي نافذة قديمة تلتصق بالبيوت وتفتح أجواء أهلها على محيطهم، ولها وظائف وغايات أخرى- ضوءٌ جديد يدخل البيت، أو هي وسيلة المحبين إلى فضاءات جديدة تخرجهم من كلّ هذا الروتين باتجاه حياةٍ جديدة.
فحين تفتح القلوب أبوابها مشرعةً على هذا القادم من عالم الغيب، من خلال «الدريشة»، فإنّ لهذه الكوّة ذكريات، وآهات، وأحزاناً وأشجاناً لا يعلمها إلا المحبّون الذين ذابوا في إزجاء نظراتهم رسائل ودٍّ واشتياق، لدرجة أنّ الشعراء علموا ما لهذه «الدريشة» من طاقة على الصّمود وإطلاق الزفرات والعبرات، ربّما، وهي التي ظلّت تغسل مسامات الدريشة ومفاصلها الحديدية، فتسّاقط معها أحلامٌ وربما تحبس فيها أشواق على ظلمةٍ موحشة إذا ما انتُبِهَ إلى الطاقة الروحيّة الهائلة والعاطفيّة الكامنة في الدريشة، فتكون إيذاناً بسجنٍ أو اعتياداً لقضبان ماحقة صلبة عادةً ما توصد في وجوه المحبين.

يقول الشّاعر الشعبي خلف الضيف: «يا سيّد الصّبح وعيوني على بابك/‏‏‏ فكّ الدريشة وطالع من ستايرها»، وهو تعبيرٌ جميل يعطي «الدريشة» ما أكّدناه من كونها نافذةً أو حبساً في الوقت ذاته، مع أنّها وهي كوّة الفرج والرسائل الأولى للخلاص كثيراً ما تُحمّل فوق طاقتها، إذ لا يجب أن تطول مدّة الرسائل أو النظر خلالها، فهي نافذة أولى لنوافذ لاحقة، تؤدّي جميعها إلى اجتماع الرسائل في مشروع جديد قد يكون الزواج، لكثير من العائلات العربية المتجاورة، والتي تشترك في البناء الواحد أو تقترب كثيراً حدّ الالتصاق.
هذه «الدريشة»، ربّما تضاءل دورها اليوم كثيراً، خصوصاً بتضاؤل عهد الرومانسيّة والحب الشفيف، فمثلما تضاءلت أو غابت مغلفات الرسائل القديمة وتخلّى قلم الحبر عن دوره في توقيد جذوة الحب ووصف الأشواق والحنين والنار المضطرمة بين الضلوع، فقد بات يحلّ محلّ «الدريشة» أكثر من نافذة أو «دريشة» جديدة، على «الواتس أب» مثلاً، أو «الفيس بوك»، وقبل ذلك بفترة على البريد الإلكتروني «الإيميل»، فهي أكثر من دريشة سهلة، لا طقوس لها، مهما توقّد الحب من خلالها يبقى بارداً مشوباً بالخداع ووهم الحبّ، حتى إنّ الأهل والجوار لم يعودوا يستطيعون مراقبة هذه «الدرائش» الجديدة لاتساعها وسرعة اختفائها في طيّات لوحة المفاتيح «الكي بورد»، أو إغلاق الهواتف الذّكية أو إخفاء الـ«سكايب» بقدرة قادر، لتصبح الحضارة الجديدة فأساً بات يقتلع أو يحطّم أشجار الرومانسيّة الخضراء، لتحلّ محلها أشجار بلاستيكيّة واهمة، جرّاء عالم بأدوات تعارف جديدة ضاعت فيها حتى رائحة «المكان» الذي كانت تحفّه الدوالي وتثمر فيها عناقيد الحب أفراحاً منتظرة وعائلات جديدة دقّت لها القلوب كثيراً، وشهدت على ذلك «الدريشة» إيّاها، حافظة أسرار اللهفة الأولى واللقاء المحفوف بمعرفة أسراره من طفلٍ أو مارٍّ، أو إشاراتٍ بريئة يلتقطها المحيطون.

رسائل الغرام
«الدريشة» تتأكّد بوابةً للعشق على صغر حجمها، فهي مجال حار لمعرفة الجواب، وهي رسائل تقذف إلى القلوب التي تتلقاها بحرارة لا شبيه لها ببرد اللقاء اليوم وخلّوه من العنفوان القديم، وفي هذا السياق يقول الشاعر سليمان الفليّح، مستذكراً تفاصيل قديمة في قصيدة يضمّنها ما للدريشة من أثر في تكوينه الثقافي، وفي ذكرياته التي هي بالتأكيد نفتقدها اليوم مثلما يحس بهذا الافتقاد الشاعر صاحب العلاقة الأكيدة بهذا الموضوع:
«أبحث في شوارع الكويت.. تلك التي أحببتها في ميعة الصّبا.. عن الحواري القديمة.. عن (الدريشة) التي تطلّ من (درفتها) صبيّةٌ جميلة.. كان اسمها (غنيمة).. ألقي لها رسائل الغرام.. إذ ألفّها على حجر.. (أحذفها).. تلقفها.. وأنتظر!..».
وتبدو الأسئلة خاليةً من الإجابة لدى الشاعر الفليّح إلا عند وصول الحجر والتقاف الردّ من خلاله، لنكون أمام شكوك وأوهام وضجر وخوف لا يمكث لديه إلا قليلاً، إذ سرعان ما يجيئه الحجر مضمّخاً بالعطر و... وذلك ما تظهره الكلمات الرقيقة التالية من هذه القصيدة الطقسيّة العذبة ذات التفاصيل الرومانسيّة اللاهبة التي عاشها جيلٌ قديم ربّما انتهى أو اصطدم بثورة التكنولوجيا، جيلٌ يعلم ما للحب من مشاق وما للأنفاس الحارة من نار أمام احتمال الرد بالإيجاب أو بالرفض، يقول الفليّح:
«تأكلني الشكوك والأوهام والضّجر.. وعندما يجيئني الحجر.. مضمّخاً بالعطر والرسالة الملوّنة.. وقطرات الزعفران.. وبصمة الشفتين بـ«الديرم» الخنين.. والسهم والقلبين.. أحس أني من أسعد البشر.. وأكتب الأشعار.. عن روعة الهوى.. ولوعة الجوى.. والحرقة الأليمة، و(سرّي الدفين).. فأشتم الحسّاد.. وألعن (الحقّاد) وناقلي النميمة.. والكاذب الأشر.. أبحث في الشوارع الخلفيّة.. عن أوّل الندامى.. عن منزلٍ من طين.. يسكنه أربعة من المدرسين...».
وتصلح هذه القصيدة بامتياز لتدلّ على التفاصيل العذبة التي يلتقطها الشاعر من بيوت الطين والبحر وتفاصيل كثيرة، ليس هنا مجال تعدادها، بقدر احتياجنا لما يؤكّد الحياة الكاملة بين «دريشتين» من خلال حجر يروح ويجيء حاملاً رسائل تذوب على صدور العشّاق، لدرجة أنّ الشاعر يضغط كثيراً على أعصابه بانتظار الرّد الذي، إمّا أن يجعله لا ينام ليله من شدة الفرح أو يظلله بسحابة سوداء تنعكس على حياته ومزاجه بعد أن يعود الحجر المحمّل برسائل ملوّنة ومعطرة بالزعفران أو المحمل بالتجاهل، وقد لا يعود من الأساس إن أخطأ الشاعر في حدسه أو قلبه النابض بالحب من طرف واحد، فأمامه فترة طويلة لكي ينسى أو يتناسى أشياء هذه الذاكرة، أو تفاصيلها التي لا تغيب.

بين زمنين
«الدريشة» بوصفها جزءاً من كل، في عهد قديم، حازت رضا الأدباء، وتحديداً الشعراء، فقد ضمّنها كبار الشعراء الشعبيين قصائدهم، ووصفوا أحوال النساء المحتشمات والعرف القائم آنذاك، فكانت «الدريشة» وسيلة البنات إلى قلب الشاعر البحريني القدير عبدالرحمن رفيع، ففي قصيدته «سوالف أمي العودة» نحن أمام مقارنة بين زمنين، كما نقف على ما في القصيدة من استحسان لمتناقضات العهدين، وغربة الشاعر بين الأمس واليوم. هذه الدريشة هنا هي إثبات لشخصيّة الشاعر وشبابه الجامح وحظّه الكبير من عناية النساء والبنات، اللاتي «يحذفنه» من الدريشة للفت انتباهه وجذبه، في حين يظلّ الشاعر ثابتاً واثقاً من عنفوانه وشبابه الذي يستذكره مع «أمّه العودة» في القصيدة.. وهنا، فقد انقلبت الحال، إذ كنّا في العادة أمام الرجل الذي يسعى لجواب من فتاة من خلال حجر يقذفه عبر الدريشة، لكنّنا في حالة الشاعر عبدالرحمن رفيع على النقيض تماماً من كلّ ذلك، ولكن حتى مع كلّ هذا، فإنّ ما يهمنا هو التأكيد على هذا الدور الرومانسيّ الذي تلعبه الدريشة في الخوالي من الأيّام كنافذة للتنفيس عن كلّ هذا الحب الذي تمتلئ به القلوب.
من منظور القصيدة تقول جدة الشاعر عبدالرحمن رفيع في قصيدته، واصفةً والده: «لا تذكّرني بزمانٍ ليته بس شويّه طوّل.. كان أبوك العود يا ولدي لين لبس زين وتعدّل.. قلبي ما يتمّ في مكانه وعيني عنه ما اتحول.. ولين مشه صرت نعاله وانتفخ ثوبه الململ.. ولين تحنحن أو تخنخن كل (دراشينا) اتقلقل..».

مجتمع محافظ
في القصيدة ذاتها تبدو «الدريشة» عرفاً قاسياً محفوفاً بخطر أن تطلّ الفتاة من «الدريشة» لغرض رومانسي أو حتى لتبادل الرسائل أو التعبير عن الاشتياق، فقصيدة الشاعر عبدالرحمن رفيع تشرح لنا هذا على لسان جدّته، في هذا الحوار: «قلت لها يوم كنتي شابه صغيره قد حبيتي احد؟.. اضحكت وايد وتمت تنتفض والدنيا مو ابرد.. قالت استغفر من الله لا تكفر يالهيس الاربد.. كانت البنت في زمانا في السكيك مول ما اتردد.. لو اطلعت من بيتها مره في السنه اتروح اتحمد.. ولو اطبقوها امن (الدريشة) تظل.. امن الخوف اتبريد.. مو بمثل أيامنا هذي تمشي في السوق واتصيّد..».
لكنّ الشاعر عبدالرحمن رفيع الذي يستذكر شبابه وعنفوانه مع الأيّام، يقول في هذا الحوار واثقاً من زمانه، وشاهدهُ في ذلك ما تعرفه تلك «الدريشة» من أسرار: «يدتي ما تدري عني ان لي ايام حسينه.. ما كأني في زماني في الفريج كنت اتمشى.. شاربي كان توه بيطلع والشعر فوق راسي كشه.. والبنات من كل (دريشه) وكل اقاشي ما اتغشى.. هذي تضربني بعنقيشه وهذي تحذفني بغرشه.. وآنا ماشي في طريجي ما ارتعش مول حتى رعشه».

خارج الزمن
يرسم الشاعر محمد العتيبي في قصيدة باكية ذلك الزمن الآسر بتفاصيله، متخذاً من الدريشة التي تعانق الستارة سبباً في حفز القارئ على مشاركته الحزن واللوعة على ذلك الزمن، وهو شعور نبيل وموضوعي عرف العتيبي كيف يجعله ضمن نص شعري خارج حدود الزمن، وفي ذلك يقول:
«خارج حدود الزمن والوقت واسواره.. وقفت حاير مع الذكرى وطاريها.. مرّيت صدفه على بابه على داره.. زلة قدم يوم ساقتني خطاويها.. سرحت بالفكر اناجي القلب واسراره.. قمت اتذكّر حبيبٍ لي سكن فيها.. شفت (الدريشه) تعانق قطعة ستاره.. بالحان حزنٍ على النسمات تشجيها.. واطلال بيته تسائلني عن اخباره.. تقول لي حيل مشتاقه لماضيها.. دخلت شفت الرسوم وباقي آثاره.. حينه طرى الوشم منقوشٍ باياديها.. لقيت علبة قديم العقد وسواره.. تقول ياليتني معها مخاويها.. نفضت عنها شحوب الوقت وغباره.. وقبّلتها قبلةٍ بالحيل مغليها.. وهلّت دموعي على الخدّين مدراره.. تبكيه لو كان ناسيني وناسيها.. عقب رحل بي حنيني وطيفها زاره.. رجعت تايه مع الذكرى وداعيها.. وادوج في كل يوم اقوم بزياره.. وامرّ داره واصبّحها وامسّيها.. أحب داره وسكّتها مع الحاره.. واحب جيرانها واللي يواليها.. والوم من لامني في الدار وجداره.. حيث إن قلبي عشق من كان راعيها».

مهبّ الريح
أما الشاعر خالد الحربي فقد وجد في (الدريشة) نافذةً من سجن، مضمّناً ذلك قصيدته التي عاين فيها أحلامه وأحزانه والعمر الضائع واقفاً على ثوانيه، وفي ذلك يقول:
«كنّ حلمي في مهبّ الريح ريشه.. يا (أماني) هو بقى غيرك أماني؟!.. آه يا جنّة «غلاي» ويا عريشه.. آآه يا منّة «وفاي» ويا امتناني.. وش يعزّي هالسجين إلا (الدريشة)؟!.. وش يبعثر هالعمر غير (الثواني)؟... ما لقيت آمرّ من (شضف المعيشه).. وما لقيت آسرّ من (حدب المحاني)».
وعودة إلى الشاعر البحريني عبدالرحمن رفيع الذي رسم في قصيدة «تذكرين» حواريةً رائعةً لوقوفه تحت «الدريشة» ودورانه على بيت المحبوب واقترابه منه واضطراره إلى صداقة «أخيها»، ومشاركته أهلها في كل أفراحهم وأمورهم، ولا شك أنّ الدريشة كانت متنفّساً ليبوح في خضمّ كلّ هذه المشاركة ببعض الحب، فيما هي تكتفي باستراق النظر، وفي ذلك تبدو المحاورة من أجمل الرومانسيّات، التي تضاهي أعذب الرومانسيات الأجنبيّة، فوفق طقوسنا نحن العرب، تلعب الدريشة أو ما يحل محلها من ألفاظ كالشباك وخلافه، دوراً قويّاً في إيصال المشاعر وتعبيد طرق ما قبل اللقاء. يقول عبدالرحمن رفيع: «تذكرين يوم وقفت تحت الدريشة.. وانتي من تحت الدريشة تبصبصين.. آنه من يومها على بيتكم آدور.. أحسد الطالع واللي يزور.. واشكثر خليت أخوج يلعب معاي.. حتى إنه يوم سألني.. إنت ليش رايح وياي.. وهوما يدري، يقول لي تبّي مين؟.. إنت ليش في السكة كل ساعة تبين!.. تذكرين...».

المؤسسة الثقافية
انتبهت المؤسسة الثقافية الإماراتيّة إلى مسمّى «الدريشة»، لما يتضمّنه المسمّى بحدّ ذاته من إبداعٍ وتأطيرٍ لتفاصيل ذلك الزمان، فكان أن مقهىً ثقافياً يحمل ذلك، اسمه «مقهى الدريشة» ما يزال يواصل أعماله الثقافية والإبداعية، فيلتقي في أجوائه المبدعون، وتنتشر من نوافذه القراءات.
وهي لفتة قوية ومدروسة لأن نفطن إلى المسمّى العربيّ التراثي الأصيل، الذي ربّما تتناساه الأجيال، إن نحن ذهبنا إلى غيره وتركناه، وهذا الأمر نجده فعلاً في مسميات تراثيّة إماراتيّة عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر «مجلس الحيرة الثقافي»، الذي يعود بنا إلى زمن الإبداعات الأولى في الشارقة والإمارات عموماً، فالمكان يملي على المبدع جوّه وظروفه وأصالته، مثلما تضفي المسميات التراثيّة للبناء والملبس والتراث الثقافي المادي وغير المادي شروطها المهمّة التي توصي منظمات عالميّة بإدراجها، انطلاقاً مما تؤمن به من أهمية المكان والتراث والتنوع الثقافي والتراثيّ في الحضارة الإنسانية بوجهٍ عام.

الدراما الخليجية والعربية
حملت أعمال دراميّة خليجية كثيرة اسم «الدريشة» أو الإحاطة بعوالمها، ومنها مسلسل «الدريشة» وشارك فيه عدد من كبار الفنانين الخليجيين، مستفيدين من معنى الحريّة والانعتاق الذي تنطوي عليه حكاية المسلسل ورسالات المخرج ورمزيّة العمل الإنسانيّة.
كما لعبت الدراما العربيّة في الأفلام والمسلسلات والأعمال المسرحيّة دوراً واضحاً في إذكاء دور النافذة «الدريشة»، خصوصاً في الدراما المصريّة التي اشتملت على فكرة الحب ومراسيل الشبابيك والنوافذ.. وكل ذلك كان يشي بعهود الرومانسيّة الأولى وقداسة الحب والتعاهد على الوفاء والبناء على ما تأسس بين عاشقين أو طالبين في مدرسة الحب، قبل أن يكونا طالبين في مدرستين للبنين والبنات، لتكون الجامعة في ما بعد محطةً من محطّات هذا الحبّ الفطريّ الشفيف الذي لا بدّ وأنه تنتظره حياةٌ واقعيّةٌ بما تحمله من مراحل شديدة العقلانيّة ربما تطفئ جذوة كلّ ذلك الحب الأصيل، بما في هذه الحياة الغريبة على العاشقين من آلامٍ وآمالٍ ومحطاتٍ يكتنفها الكثير من الجزر والمد.

دريشة البادية
من الشعراء من ساق معنى الدريشة الحسّي، حتى وهو يرفض المدينة ويتوق لحياة البر بما فيها من هدوء وسكينة وراحة بال وليل مليء بالرومانسيّة، وذلك ما نجده عند الشاعر شائم الهمزاني الذي يقول في بداية قصيدته: «اكفخ جناحك بالهوى يا ابرق الريش.. ما دام باقي في جناحيك ريشه.. لا تناظر اللي بك عيونه مراميش.. اللي على قلبه ضلوعه هشيشه.. ما فيش غير البر تنفيس ما فيش.. ما دام راسك ضاربٍ فيه فيشه.. قد ايش حلو فراقها المدن قديش.. الله ما احلى البر لو فيه عيشه!...».
ويستمر الشاعر الهمزاني في القصيدة لتجيء (الدريشة) ضمن سياق طقسي مهم في البر وفق مفهوم الشاعر وعالمه الخاص، إذ يقول: «ينعش مشاش الروح فيني خشيشه.. وبالقايلة في عشةٍ له نشانيش.. أعيش فيها أحلى موسيقى نشيشه.. والعصر تكسينا المزون المراهيش.. ونفتح لها بأحلى المشاعر (دريشه)... ونشوف فيها زاهي الكحل والميش.. لو ما الكحل كله ولا الميش ميشه..».

استعارة المعنى
استطاع شعراء أن يصنعوا دريشتهم الخاصّة بهم، في لونٍ من الحنين والبكاء والوصف العذب الذكي، وذلك ما نقرؤه في قصيدة للشاعر الكويتي بدر صفوق، إذ يقول مستعيراً (دريشة) الليل، والضلوع وتلك الأيّام: «رمى بي الشوق.. يم هنااااك.. لا ويّاك.. على مدخل بحر.. مدري (دريشة) ليل!.. تذكر!.. كان لضلوعي.. معك شبّاك.. وكنت الناس.. كنت الأرض.. كل الأرض.. ورمشك غافي بحضني.. أراقب في سما روحك.. نشوئي دورة الأفلاك.. أنا الطفل الذي يربط سماه بخيط.. ويطيّر قمر أبيض.. ويكتب شعر يشبه له.. شعر متفرّد وطاغي.. هنا أبداً ولا ألقاني.. ولا حتى بعد ألقاك».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض