السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«المتحف الكبير».. سردية الخلود الفرعوني

«المتحف الكبير».. سردية الخلود الفرعوني
30 يناير 2020 01:52

مصادفة قدرية تلك ولاشك التي قادت مصر في طريق إنشاء أكبر متحف حول العالم، والذي سيفتح أبوابه للعالم كافة مع نهايات العام الجاري 2020.
القصة المثيرة يرويها وزير الثقافة المصري الأسبق الفنان فاروق حسني، ففي زيارة له إلى باريس العام 2002، وخلال النقاش مع مسؤول ثقافي إيطالي، تحدث الأخير قائلاً إن مصر لا تملك متحفاً حقيقياً لحضارتها القديمة، وإن المتحف المصري القائم في ميدان التحرير ليس إلا مخزن للآثار الفرعونية وغيرها من العصور المصرية، لم يقبل فاروق حسني تلك الكلمات، وواجه صاحبه بالقول «إن مصر تبني الآن أكبر متحف في العالم».
المثير وقتها أنه لم تكن هناك فكرة لإنشاء متحف من الأصل، غير أنه حين عاد إلى القاهرة ذهب من المطار إلى هضبة الأهرام، ووقف في ذات المكان الذي وقف فيه الإمبراطور الفرنسي «نابليون بونابرت» أمام الأهرامات، محدثاً جنوده بالقول: «إن أربعين قرناً من الزمان تنظر إليكم».
«الآن وهنا»، هتف بها فاروق حسني كما فعل شكسبير من قبل، ومن هنا بدأت مسيرة إنشاء المتحف المصري الكبير الذي يقع على مساحة 117 فداناً في مواجهة أهرام الجيزة.
الفكرة وراء المتحف مثيرة للجدل أيضاً وتتجاوز منظومة عرض الآثار والمومياوات والتوابيت إلى آخر حلقات المصري القديم، إذ تصل إلى جزئية مهمة وهي إثبات أن المصري القديم هو صانع هذه الحضارة، وأن التدرج في الروح المصرية يبدأ من عند هرم زوسر المدرج في سقارة بالجيزة، ويصل إلى أهرام خوفو وخفرع ومنقرع، وأن فنون التحنيط المصري التي لم يعرف سرها حتى الساعة، هي من بنات أفكار المصري القديم، وسيدخل المتحف المصري الكبير التاريخ كأكبر حدث ثقافي في القرن الحادي والعشرين.
الزائر للمتحف المصري الكبير سوف يجد أن المساحة المخصصة لعرض الآثار تصل إلى 45 ألف متر مربع، وهي مساحة هائلة في كل الأحوال، والواقع أن المساحة المتبقية تشمل بقية المكونات الثقافية والحضارية لهذا المشروع العملاق، فهناك مكتبة متخصصة في علم المصريات، ومركز للمؤتمرات، ومراكز أبحاث، ومعامل للترميم، وسينما ثلاثية الأبعاد، وأماكن مخصصة لخدمة الزائرين مثل المطاعم، ومحال بيع التماثيل المستنسخة والهدايا، ومواقف انتظار السيارات.
ولأن المتحف مقام أمام الأهرام، فقد كان ولابد من أن يأتي التصميم متسقاً مع الأجواء التاريخية العميقة للمنطقة ومع هيكل الهرم نفسه، ولهذا تم تصميم الواجهة على شكل مثلثات كبرى تنقسم إلى مثلثات أصغر في إطار رمزي للأهرام، وللأمر علاقة وثيقة أيضاً بفكرة التقسيم اللانهائي لشكل المثلث.
أما القطع الأثرية الكبرى مثل تمثال رمسيس الثاني والذي كان يتوسط ميدان باب الحديد وسط القاهرة سوف تعرض على طول درج المتحف الكبير، وأمام المدخل الرئيسي، بالإضافة إلى 87 قطعة ضخمة تمثل ملوك مصر العظام عبر التاريخ.

لؤلؤة المتحف
لؤلؤة التاج في هذا المتحف تتمثل في مجموعة الفرعون الصغير توت عنخ آمون، والذي يرتبط افتتاح المتحف الكبير هذا العام بإعلان الأثري المصري المعروف الدكتور زاهي حواس عن إماطة اللثام عن سر وفاة هذا الفرعون، وهل راح ضحية مؤامرة من كهنة آتون، وكي يقضوا على عبادة الأتونية نسبة إلى أخناتون، أم قضى نتيجة وقوعه من على مركبة حربية كما يروج بين بعض الآثريين.
مهما يكن من أمر فان القائمين على المتحف ينتوون ترتيب قطع توت عنخ آمون الكاملة كما وجدها عالم الآثار البريطاني، هوارد كارتر، عند اكتشافه قبر توت عنخ آمون في مدينة الأقصر في صعيد مصر عام 1922، بما في ذلك قلاداته المجددة وأحذيته وقطعة القماش التي ارتداها حول خصره، ومن غير حفظ في أي علب زجاجية، والمعروف أن المعروض من كنوز توت عنخ آمون حتى الساعة قليل جدا مما وجد في مقبرته من قطع والتي تتجاوز الخمسة آلاف قطعة ذهبية، سوف تعرض في قاعة خاصة على مساحة 7500 متر مربع.
يلفت إنشاء هذا المتحف أنظار العالم حتى أن هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» اختارت ومنذ أيام قلائل مصر لتكون وجهة السياحة العالمية في العام 2020 خاصة مع اقتراب افتتاح المتحف المصري الكبير الذي يمثل نقطة انطلاق جديدة لقطاع السياحة المصرية، وتأمل مصر أن تجتذب سنوياً 50 مليون سائح من جميع أنحاء العالم.
فرادة فكرة المتحف الكبير تتضمن الممشى والممر المذهل الذي سيجد السائح نفسه سائراً عليه من عند سفح الأهرامات وصولاً إلى المتحف المصري الكبير عبر مسافة تصل إلى ميلين تقريبا، ما يضفي أجواء أسطورية على المكان، لا سيما في الليل في ظل برامج الصوت والضوء.
من الآثار المثيرة التي سيشاهدها الزائرون مراكب الشمس التي اكتشفها الأثري الراحل كمال الملاخ، والتي تم ترميمها وتميزها يجيء من كونها تكشف عن إيمان المصريين القدماء بالبعث والخلود، وقد اعتبروا هذه المراكب للسفر إلى العالم الآخر.

متى.. وكيف سيكون الافتتاح؟
من غير أدنى شك نحن نتحدث عن حفل افتتاح أسطوري، سوف يدعى إليه ملوك ورؤساء العالم، وكبار مسؤوليه ومثقفيه، باعتبار أن ما لدى مصر ليس ملكاً لها بمعزل عن بقية العالم، بل هو إرث إنساني مشترك، وستنضم ليلة الافتتاح أوبرا خاصة بالملك الذهبي البطل المتوج بالمتحف توت عنخ آمون، تتناول حياته المليئة بالأحداث الدرامية المثيرة ألفها د. زاهي حواس، بالتعاون مع الكاتب الإيطالي الشهير فرانشيسكو سانتوكونو، والموسيقار الإيطالي زامبوني، وتعتبر هذه الأوبرا هدية مصر للعالم يوم الافتتاح.
وبحسب تصريحات وزير الآثار المصري خالد العناني، سيتم افتتاح المتحف المصري الكبير في الربع الأخير من العام الجاري 2020، وإن لم يحدد بالضبط الشهر أو اليوم، وهذا أمر يرجع لاعتبارات شديدة التعقيد، سيما وأن العمل يجري وفقاً لبرنامج محدد لإنهاء الأعمال الهندسية والأثرية.
وهناك قائمة تضم خمسة تحالفات مؤهلة لتقديم المزارات الخاصة بتنظيم فعاليات افتتاح المتحف هي شركات إيطالية مصرية، ومصرية أميركية، ومصرية فرنسية، ومصرية إنجليزية، وشركة إماراتية منفردة.

الدرج التاريخي بالمتحف
الداخل إلى المتحف المصري الكبير سوف يشعر بالرهبة للوهلة الأولى، وهو يجد نفسه في البهو العظيم وأمام الدرج التاريخي الأكبر الذي يكسب الزيارة ألقاً يقطع بين الحاضر خارج المتحف، والماضي المجيد داخله.
يضم البهو، وعلى جانبي الدرج التاريخي، عدداً من القطع الأثرية، منها تمثال الملك رمسيس الثاني، وتمثالا الملك سنوسرت المعروض بحديقة متحف التحرير، ورأس بسماتيك الأول، وتعتبر تلك القطع من أضخم القطع التي سيتم عرضها على الدرج العظيم عند الافتتاح.
عطفاً على ذلك، يحفل الدرج العظيم بتمثال من الجرانيت للإله بتاح، والمعبودة سخمت من الجرانيت الوردي، ورأس مسلة من الجرانيت الأحمر للملكة حتشبسوت نحتت عليها ألقاب التتويج الخاصة بها، ونقش يصور الإله آمون، ويبلغ وزنها 14 طناً.

جوهرة التعاون الياباني
لا يمكن الحديث عن المتحف المصري الكبير من غير الإشارة إلى الدور الياباني في تشييده، إذ قدمت وزارة التعاون الدولي اليابانية دعماً مالياً للحكومة المصرية، من خلال قرضين للمساعدات الإنمائية الرسمية، بقيمة إجمالية تصل إلى حوالي 800 مليون دولار، من أصل مليار دولار هي تكلفة إنشاء المتحف، بعد أن نجحت مصر في تخفيض التكلفة الإجمالية من 1.8 مليار إلى مليار دولار فقط.
ولا يتوقف التعاون المصري الياباني عند حدود التمويل، إذ قدمت اليابان تقنية حديثة جداً للحفاظ على الأنسجة والمواد الرقيقة الأثرية الموجودة بالمتحف الكبير.
ولأن اليابان ترى في هذا المتحف جوهرة التعاون بين البلدين، على حد تعبير سفير اليابان في مصر «ماساكي سوكي»؛ لذا بادرت الحكومة اليابانية عبر هيئتها للتعاون الدولي إلى إنشاء مشروع ترميم الآثار بالمتحف الجديد، والذي يقوم بعمل دورات تدريبية على الحفظ والترميم بأحدث الوسائل والأدوات التحليلية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©