السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الخليل.. فرح الأغنية السودانية

الخليل.. فرح الأغنية السودانية
15 يونيو 2011 19:49
لم يتفق المؤرخون وكاتبو السير الأدبية في السودان على تاريخ ميلادٍ محدد للفنان والشاعر الكبير الراحل “خليل فرح”، ولكنهم يتفقون على أنه يمثل تاريخ ميلاد الأغنية والقصيدة الوطنية الحديثة في السودان. عقدان فقط من الزمان احتاجهما “خليل فرح” ليضع أغنية السودان الحديثة، ويحقق لها النقلة النوعية الفارقة، ويقدم “عزة في هواك” نموذجاً للغناء المحترم والوطني الحادب على بلده، والمدافع عن حقوقها في وجه الاستعمار، وغيرها من الأغنيات العاطفية والوطنية، ليتوج زعيماً للأغنية السودانية ويفتح الباب للمثقفين لولوج باب الغناء الذي كان محصوراً على العامة فقط. ولم ينتظر الخليل - كما يكنى- حتى أن ينعم بالشهرة الكبيرة التي حصدتها أغنياته، فغادر دنيانا بعد أربعة أعوام فقط من ميلاد “عزة” أشهر أغنية سودانية وطنية. بدأ “خليل فرح” رحلته مع الإبداع باكراً، حيث كان ينظم الشعر بلغته الأصلية النوبية، بمسقط رأسه بمنطقة دبروسة بوادي حلفا. وبعد أشهر قليلة من بلوغه سن الرابعة عشرة - يفترض أنه عام 1908- قرر الخليل أن يسافر الى العاصمة الخرطوم ليكمل تعليمه بكلية غوردون التذكارية - جامعة الخرطوم الآن. وصل شاعرنا مدينة أم درمان وهي الضلع الثالث للعاصمة السودانية، وهو لا يعرف من العربية العامية السودانية سوى بضع كلمات، وسكن في حوش عمه “كاشف بدري” مع أقرانه من الطلبة من أبناء عمومته، وبدأ، إلى جانب الدراسة، تعلم اللغة العامية السودانية، حيث لم يكتف بإتقانها بسرعة كبيرة، بل تفوق فيها تفوقاً كبيراً ظهر بوضوح في إجادته لشعر “الدوبيت” الخاص بالبادية والقبائل العربية بالسودان. ومع أولى قصائده، بدا واضحاً أن هذا الشاب النحيل القادم من أجمل مناطق السودان، وأغناها حضارياً وموسيقياً، وبيئياً، حيث النيل والخضرة والحدائق الغنّاء، بدا أنه يحمل روحاً شعرية وموسيقية عبقرية، وأنه سيكون مصدر ثراء للأغنية والشعر الغنائي والموسيقى في السودان. لم ينتظر أهل الموسيقى كثيراً، وسرعان ما تفتق لسانه عن موهبة فذّة، تنظم الشعر بالفصحى، ولا تنقصها لغة التعبير العامة، التي تعلمها وأجادها، فهزم القديم من الشعر والأغنية فيها، داعماً موهبته بقدرٍ مؤسسٍ من التعليم والثقافة والالتزام الأخلاقي والوطني العام، مما خلق له مساحاتٍ واسعة من الاحترام الكبير وسط مجتمع الفنانين والمثقفين والشعراء، فاحتضنوه جميعاً مرحبين وفرحين بالموهبة الجديدة والروح الحلوة التي تسبق الشعر عند “خليل فرح”. بعدها صار الخليل قاسماً مشتركاً في كل حفلات السمر وجلسات الاستماع التي كان الشعراء يعقدونها للفن الأصيل، ولإجازة شاعر جديد، مثلما فعلوا مع الخليل في أمسية من أمسيات 1910 السكن الداخلي لطلاب قسم البرادة- كلية الهندسة الميكانيكية الآن- في جلسة ضمت ثلاثة من كبار الشعراء آنذاك، وبرز فيها الخليل، ومنه انطلقت الموهبة الجديدة بسرعة الصاروخ. انفتح الخليل على مجتمع أم درمان ذي الاهتمام الأدبي الواسع في ذلك الوقت بشعرائه ومغنيه، وأصبح صديقاً دائماً لأمسيات الشعراء والغناء فيه، وهو ما يزال طالباً في الكلية، حتى تخرجه، حيث بدأ حياته الواسعة، شعراً وغناء وتلحيناً، دافعاً دماء جديدة في شرايين الأغنية السودانية، ومستوى ألحانها وموسيقاها، فأدخل آلات العود والكمان والأورج لأول مرة في التوزيع الموسيقي، وأنتج أغنية “عزة في هواك” حدثاً موسيقياً فريداً، احتفل بها الناس احتفالا كبيراً، وما يزالون. وكان للتراث النوبي نصيبٌ في التأثير على تجربة الخليل، حيث حضر، وبقوة في كل أنفاس وأشعار خليل فرح. الى جانب توظيفه للتراث الشعبي من القبائل الأخرى، بالإضافة الى تراث قبائل كردفان ودارفور. أما على مستوى النظم الموسيقية في الشعر الغنائي السوداني، فقد ابتدع الخليل قافية واحدة للشطرين الأول والثاني كلاً على حدة في نفس القصيدة، مما يشير لامتلاكه ناصية اللغة والألفاظ والمعاني، وموسيقى الشعر، بتفوق. انخرط “خليل فرح” في النضال ضد الاستعمار الإنجليزي بنفسه وشعره، فكانت مظاهرات وثورة 1924 الشهيرة تردد أغنيته الجديدة الخاصة “نيل الحياة”. غنى الخليل للوطن عشرات الأغاني والأناشيد، وغنى لأم درمان التي عشقها. ورحل في 20 يونيو 1932 مريضاً وحزيناً لإصابته بداء الصدر “السل الرئوي”، بعد أن أفرح كل السودانيين، وقدم لهم أجمل الألحان والأغاني، وبقيت “عزة في هواك” رمزاً للوطن الذي أحبه حتى الموت.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©