13 يونيو 2012
مرت الذكرى السادسة والأربعون لرحيل الفنانة الاستعراضية نعيمة عاكف، بلا أي احتفاء أو إشارة إلى تاريخها، ويبدو أنها مثلما كانت قليلة الحظ في حياتها، كانت أيضاً بعد وفاتها رغم أنها كتبت اسمها بأحرف من ذهب في قلوب عشاقها، وأسعدت الملايين من خلال الرقص والغناء والمونولوج والتمثيل وهي الفنون التي جمعت بينها ببراعة فائقة، وصنفها كثيرون على أنها مثلما كانت أمهر لاعبة سيرك، كانت من أشهر نجمات الاستعراض الغنائي في السينما الذي اعتمد على القوام الممشوق بإيقاعاته المدروسة وتلويناته المتعددة.
سعيد ياسين (القاهرة) - ولدت نعيمة عاكف في 7 أكتوبر عام 1929 في مدينة طنطا «وسط دلتا مصر»، حيث كان سيرك والدها يقدم عروضه خلال ليالي مولد السيد البدوي، وحين بلغت الرابعة أراد والدها تعليمها الفن الذي يتوارثه أفراد الأسرة، لكنها لم تظهر استعداداً فلجأ إلى حيلة ذكية، حيث قام بتعليم شقيقتها الكبرى حركات جديدة أمامها وراح يشجع شقيقتها، وفي نفس الوقت يصفها بأنها ضعيفة ولا تصلح للعمل فامتلأت نفسها بالغيرة، وتعلمت مبادئ الأكروبات في بضعة أيام، وبعد عدة أسابيع تفوقت على شقيقتها وأصبحت نجمة الفرقة الأولى.
أكروبات الشارع
وبعدما بلغت السادسة من عمرها طلبت من والدها أن يخصص لها مرتباً، وكان رد والدها علقة ساخنة، وفي اليوم التالي هربت وقابلها بعض زبائن السيرك فأعادوها، وأمام تهديدها بالهرب مرة أخرى خصص والدها لها مرتباً يومياً قدره قرشان إذا كان السيرك يعمل، وقرش واحد في حالة البطالة.
وحين بلغت نعيمة العاشرة تزوج والدها من أخرى غير والدتها، وذات يوم أحاط رجال الشرطة بأفراد أسرتها من كل جانب، وظهر أن الأب المقامر خسر كل ما معه ورهن السيرك بما فيه من معدات وأدوات. واصطحبت أمها بناتها الأربع إلى القاهرة، وكن يسرن في الشوارع ويعملن أكروبات رائعة ليكسبن بعض الملاليم، وخلال تلك الفترة كانت نعيمة هي المنقذ الذي أبعد شبح الجوع عن الأسرة فقد كانت الأنظار تتابع حركاتها البهلوانية وهي تشفق على أنوثتها الصارخة أن تضل في الطريق، وتقدمت نعيمة للعمل مع والدتها وأخواتها في الصالات التي رحبت بهن.
رقصة الكلاكيت
وسمع علي الكسار عن الفتيات الأربع، فاتفق معهن على العمل في فرقته مقابل 12 جنيهاً في الشهر، واستأجرت الأسرة شقة متواضعة في شارع محمد علي، ولفتت نعيمة الأنظار إليها، وهذا ما جعل بديعة مصابني تعرض عليهن العمل في فرقتها مقابل 15 جنيها، وكان ضمن فرقة بديعة فتاة تدعى تيشي تلقي مونولوجات على حركات رقص الكلاكيت، وكانت بديعة تشيد دائماً بموهبتها فأحست نعيمة بالغيرة منها، وقررت أن تتعلم رقصة الكلاكيت وإلقاء المونولوجات فذهبت إلى مدرب للرقص ليعلمها فطلب أجراً كبيراً لم تكن مواردها تسمح به، فقررت تعليم نفسها بنفسها، وفي أحد الأيام انتهزت فرصة غياب تيشي ودخلت حجرتها وسرقت الحذاء الذي كانت ترقص به، ودهشت من قطع الحديد الموجودة في هذا الحذاء، وبعد ساعتين من التدريب المتواصل تعلمتها، وأخذت الحذاء معها، وذهبت إلي عامل أحذية وطلبت منه أن يضع في حذائها قطع حديد مشابهة، وفي اليوم التالي بدأت التدريب بحذائها، وبعد أسبوع ذهبت إلى بديعة وطلبت منها أن تتيح لها فرصة تقديم رقصة الكلاكيت، وبعد تردد سمحت لها وهي غير مقتنعة، وعندما أنهت الرقصة صفقت لها بديعة بحرارة مع الجمهور.
«ست البيت»
وقدمها المخرج أحمد كامل مرسي كراقصة في فيلم «ست البيت» ومنه اختارها المخرج حسين فوزي لتشارك في بطولة فيلمه «العيش والملح» عام 1949.
وعقب نجاح الفيلم تعاقد حسين فوزي معها على احتكار وجودها في الأفلام التي يخرجها لحساب «نحاس فيلم»، وقامت بأول بطولة سينمائية لها من خلال فيلم «لهاليبو»، ورغم فارق السن الكبير بينهما فقد تزوجها في عام 1953 ونقلها إلى فيلا في حي مصر الجديدة وامتلكت سيارة وأصبح لها رصيد في البنوك، وشعرت بأنها لم تحصل على قسط كاف من التعليم، فاستعانت بمدرسين تلقت منهم دروساً في العربية والإنجليزية والفرنسية، وبذلك أصبحت تتحدث ثلاث لغات.
وفي عام 1956، اختارها زكي طليمات بطلة لفرقة «الفنون الشعبية» في الأوبريت الوحيد الذي قدمته هذه الفرقة بعنوان «يا ليل يا عين» من تأليف يحيى حقي، وفي سبتمبر من العام نفسه سافرت مع البعثة المصرية إلى الصين لتقديم الأوبريت، وفي العام التالي سافرت إلى موسكو لعرض ثلاث لوحات استعراضية حملت عناوين «مذبحة القلعة» و»رقصة أندلسية» و»حياة الغجر». وفي عام 1958، حصلت على لقب أحسن راقصة في العالم من مهرجان الشباب العالمي في موسكو ضمن خمسين دولة شاركت في هذا المهرجان.
بطولة 25 فيلماً
وشاركت نعيمة عاكف خلال رحلتها الفنية القصيرة في بطولة 25 فيلماً، منها «جنة ونار» عام 1949، وقامت ببطولة أول فيلم مصري كامل بالألوان هو «بابا عريس» عام 1950، ثم شاركت في أفلام «فرجت» و»فتاة السيرك» عام 1951، و»يا حلاوة الحب» و»النمر» 1952 ، و»مليون جنيه» 1953 ، و»اربع بنات وضابط» و»نور عيوني» عام 1954، و»بحر الغرام» و»مدرسة البنات» و»عزيزة» عام 1955، و»تمر حنة» عام 1957، و»أحبك يا حسن» عام 1958، و»خلخال حبيبي» و»الزوج المتشرد» عام 1960، و»الحقيبة السوداء» عام 1962، و»بياعة الجرايد» عام 1963، و»من أجل حنفي» و»أمير الدهاء» عام 1964.
غيرة وطلاق
وبسبب نجاحها في مختلف المجالات، إضافة إلى أسفارها العديدة، دبت الغيرة في قلب حسين فوزي، ما أدى إلى تعثر حياتهما الزوجية، فوقع الطلاق بينهما عام 1958 في هدوء شديد بعد أن أخرج لها 15 فيلماً كان آخرها «أحبك ياحسن». وبعد عام من الطلاق، تزوجت المحاسب القانوني صلاح الدين عبدالعليم الذي تعرفت إليه عندما ذهبت إلى مكتبه لاستشارة قانونية، وتغيرت حياتها بعد زواجها الثاني الذي اعتقل بدلة الرقص في دولاب ملابسها، وأنجبت منه ابنها الوحيد «محمد».
مرضها بالسرطان
في نهاية عام 1965، أصيبت نعيمة عاكف بنزيف في المعدة ونقلت إلى المستشفي وظلت به أكثر من شهر، خصوصاً وأن الأطباء اكتشفوا مرضها بالسرطان، وبعد تحسن صحتها عادت إلى بيتها، لكن المرض عاودها من جديد، فتقرر سفرها للعلاج في الخارج على نفقة الدولة لكن صحتها لم تكن تسمح، وتدهورت حالتها بصورة خطيرة ومفاجئة، وتوفيت في23 أبريل 1966 عن عمر يناهز 37 عاماً.