خلال شهر يوليو الماضي، صدر عن مطبوعات غاليمار الفرنسية حوار طويل مع الروائية الرومانية الأصل هيرتا مولر، الحائزة جائزة نوبل للسلام في عام 2009، أجرته معها الناشرة النمساوية آنغليكا كلامير. حمل الكتاب عنوان: «كل القطط تقفز بطريقتها» وهو حوار مطوّل يصور الاضطهاد الذي عانته في رومانيا زمن ديكتاتورية نيكولاي شاوشيسكو.
عنوان هذا الكتاب الجديد مستل من قول روماني مأثور: «كل القطط تقفز بطريقتها على حافة البركة»، وفيه تبوح هيرتا مولر لمحاورتها: «في الحياة، نحن على حافة البركة». ثم تذهب بها إلى منتحري نظام شاوشيسكو: «حينما نعرف مرة أخرى بأن أحدهم قفز من النافذة، تصبح السماء الصافية حافة البركة، على وجه الخصوص عندما يكون المنتحر صديقاً».
الصور مادة مفتتة، جميلة، ومتفردة، لدى هيرتا مولر/ الطفلة غريبة الأطوار التي تلتهم الورود، وتحلم بمباغتة الحياة السرية للأشياء الجامدة. ثم، بعد العودة من الاستجوابات الشرطية، تمشي مرتبطة بالكلمات، بالشعر والقوافي. وهكذا، أصبح الأدب الوسيلة الوحيدة، بل المتراس الأمثل لها، تقول: «عندما يصيبنا الخوف من كل شيء، حتى من أنفسنا».
ولدت مولر في غرب رومانيا، بإقليم بانات الذي تسكنه غالبية تتكلم الألمانية. والدها نازي لم يندم يوماً على تعاونه. وطفولتها موسومة بالحفلات الجماعية التي تغني فيها الأناشيد الهتلرية. أمها – وهي نازية أيضاً – موسوسة بالنظافة. لا تكف عن جمع المقشات، غير أنها فقدت إدراكها جزئياً بعد خمس سنوات قضتها في معسكر تأهيل سوفييتي. قالت لها بعد رفضها التعاون مع جهاز الأمن «السيكورتاتا» في 1979: «الآخرون، يربحون الكثير من الأموال لقاء نميمتهم، وأنت، بكلامك الكثير، ذات يوم، سوف يجدونك ميتة في مصرف مياه؟».
«كل القطط تقفز بطريقتها» يبين كيف أن نتاج مولر يتغذى على الوجود الحياتي، والعنف المرشح في كل مكان. ففي روايتها «كان الثعلب منذ وقت طويل صياداً» التي تدور حول معلمة شابة تحيا تحت نظام شاوشيسكو يتنامى شعورها بعدم الأمان يوماً بعد يوم، وبالأخص عندما اكتشفت على مدار الأسابيع أن فراء ثعلب تشوه بصورة غامضة. ذات مساء، لاحظت أن إحدى قوائمه قطعت وتبدل مكانها، ثم قائمة أخرى فثالثة، فرابعة فالذيل. وأيضاً، في المغسل يطفو عقب سيجارة. هذا وغيره جرى مع مولر، كما سردته لآنغليكا كلامير. هذا الانحراف التخييلي للشرطة الذي يثير دهشتها ككابوس لن ينتهي إلا في 1989 مع إعدام شاوشيسكو وزوجته، أي بعد عامين من رحيل هيرتا مولر إلى المنفى. لكن مآسيها لن تنتهي عند هذا الحد، بما أن أجهزة الأمن الرومانية فتحت ملفاتها وكشفت أنها كانت جاسوسة لحسابها في الداخل وفي الخارج على حد سواء. وهذا ما سوف تكشف الأيام المقبلة عن صحته أو خطأه.